ما هي سعة ذاكرة الدماغ البشري؟ هل يمكن لإصابة قديمة في الرأس أن تؤدي إلى حدوث آثار ضارة غير متوقّعة في وقت لاحق من حياة الفرد؟ سؤال وُجّه عبر البريد الإلكتروني.
يجيب دوغلاس سميث (Douglas Smith)، أستاذ جراحة الأعصاب ومدير مركز إصابات وعلاج الدماغ في جامعة بنسلفانيا، عن هذا السؤال قائلا:
على الرغم من أن إصابات الدماغ الناتجة عن حادث سيارة أو حادث تصادم خلال لعب كرة القدم يبدو، في كثير من الأحيان، سببا في حدوث تغيّر مفاجئ على القدرات المعرفية للشخص فيما بعد، إلا أن هذا التغيّر لا يظهر من فراغ. إذ أن الضرر يتراكم ببطء مع مرور الوقت، دون أن يتم ملاحظته.
ما بعد فترة الإصابة، يصل التدهور التدريجي الذي من المرجّح أن يحدث إلى نقطة اللاعودة. بعدها، يصبح فقدان وظائف الدماغ واضحا للعيان “فجأة”. يُمكن أن تُسرّع عملية فقدان الذاكرة أو تزيد فرص الإصابة بالزهايمر حسب شدّة ونوع إصابات الدماغ الرّضّيّة (Traumatic Brain Injury) التي تم التعرّض لها.
تُسبّب إصابات الدماغ الرّضية عادة أضرارا على مستوى ألياف عصبية تسمى محاور عصبية (Axons). هذه الهياكل الرقيقة الشبيهة بالأنابيب تعمل على إرسال إشارات كهربائية و كيميائية ضرورية لنقل المعلومات بين مختلف مناطق الدماغ. لأسباب غير معروفة، لا تنفصل هذه الهياكل الهشة مباشرة بعد التعرض للإصابة وحسب، لكن يمكن لذاك الانفصال الذي حدث على مستواها أن يستمر لعقود لاحقة عند بعض المرضى. ما يحدث في هذه الحالة هو أن النهاية الحادّة لِلمحور العصبي تُغلق من تلقاء نفسها وتمتلئ بالسوائل والإنزيمات والبروتينات، وفي نهاية المطاف تنفجر. عندما تنفجر هذه المحاور وتنفتح، فإنها غالبا ما تنشر بروتينات الأميلويد عبر أنسجة المخ المجاورة. هذه البروتينات اللزجة هي السمة المميزة لمرض الزهايمر. في الواقع، يُظهر العديد من مرضى إصابات الدماغ الرضّية إشارات على تدهور الوظائف العقلية في وقت لاحق من حياتهم تشبه إلى حدّ كبير ما يُلاحظ لدى مرضى الزهايمر.
إضافة إلى ذلك، فَقدرة الشخص على استيعاب المعلومات الجديدة تتباطأ نظرا لاختفاء المحاور العصبية أو عدم عملها بشكل جيد بعد التعرض للإصابة. قد تُعوِّض المحاور العصبية المتبقية عن الضرر الناجم بزيادة وتيرة الإشارات الكهربائية، وبالتالي استعادة السرعة الطبيعية لمعالجة المعلومات في الدماغ. مع ذلك، يمكن لهذا الإصلاح المؤقت أن يجعل تلك المحاور أكثر حساسية للتلف في حال حدوث ارتجاج دماغي ثان.
يعاني معظم الناس الذين تعرّضوا لإصابات دماغ رضّية من ضرر متقدم على مستوى المحاور العصبية، لكن من الصعب التنبؤ من منهم سوف يعاني من ضرر متقّدم على مستوى القدرات المعرفية في سنوات لاحقة. مع وجود أكثر من مليون ونصف حالة موثّقة لهذه الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية كل عام، فيمكن القول أن آثارها على المجتمع مدمّرة إلى حد كبير. حاليا، لا يوجد علاج للضرر الناجم عن هذه الإصابات، سواء كان ضررا على المدى القصير أو على المدى الطويل، وهو ما يعني أنه في الوقت الراهن أفضل علاج يمكن أن يُنصح به هو الوقاية والحماية.
يتساءل ج هويس (J. Hawes): ما هي سعة ذاكرة الدماغ البشري؟ هل هناك حدّ مادي لكمية المعلومات التي يمكن أن تخزنها؟
يردّ بول ريبر (Paul Reber)، أستاذ علم النفس في جامعة نورث وسترن، على هذا السؤال بقوله:
في إحدى الرسوم الهزلية الكلاسيكية (Far Side) لغاري لارسون Gary Larson، يسأل طالب أستاذ الفصل: “سيد أوزبورن، هل لك أن تعذرني؟ فَدماغي قد امتلأ”. الجواب الحاسم عن هذا السؤال سيكون: “لا. يمكن أن أقول، بشكل شبه مؤكد، أن دماغك ليس ممتلئا”. رغم أنه يجب أن يكون هناك حدّ مادي لعدد الذكريات التي يمكن أن نخزّنها، إلا أن الحيّز المتوفّر في ذاكرتنا كبير للغاية. بالتالي، يمكن القول أنه ليس هناك ما يدعو للقلق حول نفاذ حيّز التخزين الممكن في مدة حياة المرء.
يتكون الدماغ من حوالي مليار خلية عصبية. تشكّل كل خلية حوالي ألف صلة مع الخلايا العصبية الأخرى، ما يجعل المحصّلة النهائية لعدد الصّلات المكونة بينها يصل لأكثر من تريليون صلة. لو كانت كل خلية عصبية تساعد على تخزين ذاكرة واحدة فقط فإن هذا سيؤدّي لنفاذ مساحة التخزين في الذاكرة؛ سنتحصّل عندها على غيغابايتات قليلة لِتخزين الذكريات، على غرار المساحة الموجودة في أجهزة أي بود أو أقراص يو إس بي. إلا أن الخلايا العصبية تجتمع مع بعضها، بحيث تساعد كل خلية في تخزين العديد من الذكريات في نفس الوقت، ما يضاعف بذلك سعة ذاكرة التخزين في الدماغ إلى شيء أقرب إلى حوالي 2.5 بيتابايت (مليون غيغابايت). وعلى سبيل المقارنة، إذا عمل دماغك مثل جهاز تسجيل الفيديو الرقمي في التلفاز، فإن 2.5 بيتابايت ستكون كافية لعرض ثلاثة ملايين ساعة من البرامج التلفزيونية. ستضطرّ لِترك التلفاز مشتغلا بشكل مستمر لأكثر من 300 سنة قبل أن ينفذ حيز التخزين الموجود في الدماغ.
يصعب حساب سعة تخزين الدماغ للذكريات بشكل دقيق ومحدد. أولا، نحن لا نعرف كيف نقيس سِعة ذاكرةٍ واحدة. ثانيا، تتضمن بعض الذكريات تفاصيل كثيرة، ما يجعلها تأخذ مساحة أكبر في حيّز التخزين؛ هناك ذكريات أخرى يتم نسيانها، ما يؤدّي إلى تحرير المساحة التي كانت تشغلها. إضافة إلى ذلك، فبعض المعلومات لا تستحق التذكّر أصلا.
هذا خبر سار، كونُ الدماغ لديه القدرة على مواكبة سعي الإنسان وراء خوض تجارب جديدة على مدى حياته. إذا ما تم تمديد فترة حياة الإنسان، هل يمكن، عندها، أن نملأ أدمغتنا بشكل كامل؟ لست متأكدا من هذا الأمر. اسألني مرة أخرى بعد مئة سنة.
المصدر:
Paul Reber, “What Is the Memory Capacity of the Human Brain?“, scientificamerican.com, May 1, 2010