عن الذاكرة الصورية يتسائل بيتر كوردن:
عِندما كُنتُ في السادِسة عَشَرَ مِن عُمري، ظَهَر عِندي ما بَدا على أنَّه ذاكِرةٌ صوَريّة (فوتوغرافيّة). هَل حقّاً يوجَد هذا النوع مِن الذاكِرة؟ إن كان الجوابُ بالإيجاب، فَكَيف قُمتُ بِتنميَة هَذِه الذاكِرة؟
يوحي هَذا المَفهوم الحَدسي لِلذاكِرَةٍ “صوَريّة” بِأن الأمر شًبيهٌ بِصورةٍ فوتوغرافيّة: بِإمكانِكَ إستِرجاعُها مِن الذاكِرة مَتى ما أرَدت وتَفَحُّص أدَقِّ تَفاصيلِها، وتَقريب الأجزاءِ المُختَلِفَةِ مِنها. لَكِن لَم يَتِم إثبات وجودِ ذاكِرَةٍ صوَريَّةٍ حَقيقيَّةٍ تَعمَلُ عَلى هَذا النَّحوِ حَتّى الأن.
يمتَلِكُ معظمنا ذاكِرَةً صُوَريّة، مِمّا يَعني أن ذاكِرَتُنا التي تتَعَلَّقُ بِالذِكرَياتِ البَصَريّةِ أفضَلُ بِكثيرٍ وأدَقْ مِن أستِعادَتٍنا لِمُعظَمِ الأنواعِ الأُخرى مِنَ الذِّكرَيات. مِثالاً عَلى ذلِك، يَتَذَكَّرُ مُعظَمُنا مَلامِحَ وَجهٍ ما بِسهولَةٍ أكَبر مِن تَذَكُّرِنا لِلأسمِ المُصاحِب لِذلِك الوَجه. لكِن في حَقيقَةِ الأمر، لا يُعتَبَرُ هَذا ذاكِرَةً صوَريّة؛ وإنَّما يُرينا هَذا الأمرُ الفَرقَ الأعتيادي بَينَ أنواعِ الذاكِرةِ فَقَط.
حَتّى الذِكرَيات البَصَريّة الَّتي تَبدو وكأنّها قَريبَةٌ لِلمَفهومِ الصوَريّ، تَكونُ بَعيدَةً مِن أن تَكونَ صُوَريَّةً بِحَق. يَبدو أنَّ هذِهِ الذِكرَيات تَنتُج مِن خَليطٍ مُكَوَّنٍ مِنَ القُدُراتِ الفِطريّة، القيام بِالدِراساتِ بِشَكلٍ حَماسيّ والإلمامُ والمَعرِفَةُ التامّةُ بِالمواد، كالإِنجيلِ أو الفنونِ الجَميلة.
آسِف عَلى تَخييبِ الآمالِ أكثَر، ولكِن حَتّى الذاكِرَةً تكون رائِعة في مَجالٍ واحِد، كالمَجالِ البَصَري، لَيسَ بإمكانِها ضَمانُ وجودِ ذاكِرةٍ رائِعة في كُلِّ المَجالات. وإن حَدَث ذَلِك حَتّى، فَسَيَكونُ أمراً نادِرَ الحدوث. حَتى الرّابِحةُ في أولَمبياد الذاكِرة، كمِثال، كانَ عَليها أن تُبقيَ عَلى القُصاصاتِ الوَرَقيَّةِ اللاصِقة على بابِ ثِلّاجَتِها لِكي تَتَذّكَّر واجِباتِها اليَوميّة.
كيف تنشأ الذاكرة الصورية إذاً؟
يَعتَمِدُ الأمرُ على عَدَدٍ مِن العَوامِل، وتَتَضَمَّن هذِهِ العَوامِلُ مَوادَنا الجينيّة، النموّ الدِماغي وتَجارِبِنا. مِنَ الصَّعبِ فَصل القُدرات المُتَعَلِّقة بالذاكِرة الّتي تَظهَرُ مُبَكِّراً، عَنِ القُدُراتِ المَزروعَةِ فينا عَن طَريقِ العِنايَةِ والتَدريب. قَد تَبَيَّن أن مُعظَمَ الأُناسِ الَّذينَ أظهَروا ذاكِراتٍ خارِقَةٍ حَقَّاً في مَجالٍ ما، بأنَّهُم إمتَلَكوها طيلَةَ حَياتِهِم وَعَزَّزوها بِشَكلٍ أكبَر مِن خِلالِ التَمَرُّن.
تَنضَجُ أجزاءٌ مُختَلِفَةٌ مِن الدِّماغ في أوقاتٍ مُختَلِفة، وَتُعتَبَر مَرحَلَةُ المُراهَقَة الوَقتَ الرَئيسي لِحصول مِثلَ هَذِهِ التَغييرات. مِن المُمكِنِ أن تَكونَ قُدُراتُ السَيّد كَوردن قَد قامَت بِطَفرَةٍ عالِيَةٍ خِلالَ ميلادِهِ السادِس عَشَر، لكِن قَد يَكونَ مُمكِناً أنَّهُ لاحَظَ الأمرَ حينَها فَحَسب. قَد يَرغَب السيّد كَوردن بأن يَخضَعَ لِفَحصٍ رَسمي، وذلِكَ لِمَعرِفة جَودَة ذاكِرَتِه وماهية المَجالاتِ الَّتي تَبرَعُ فيها ذاكِرَتُه. عِندَئِذٍ سَنَتَمَكَّن مِن مُناقَشَة السؤال حَول كَونِ هذِهِ القُدُراتِ وِراثيَّةً أو مُكتَسَبَة مِن البيئة المُحيطة، وَذلِكَ بِالأستِنادِ إلى أدِلَّةٍ أقوى.
ساينتفك امريكان = يناير 2013 – هل الذاكرة الصورية موجودة – الرابط <www.scientificamerican.com/article/i-developed-what-appears-to-be-a-ph/>