يظهر بين فترة وأخرى أخبار ومواضيع عن اكتشافات جديدة حول الحياة بعد الموت في مواقع خبرية غير موثوقة وتسعى للحصول على القراءات والاعجابات (في المواقع الاجتماعية)، فما صحة هذه الأخبار؟
في البداية يجب الوقوف على المفهوم الطبي للموت لتقرير ما اذا كان الشخص هذا ميتاً وهو يختبر حياةً بعد الموت، ومن ثم علينا المرور بالمفهوم الذي تحاول هذه المواقع التعريج عليه بهدف جذب الانتباه وهو المفهوم الديني. من الأمثلة على أحد هذه الأخبار الشعبوية الجاذبة للجماهير “اكتشف علماء وجود دلائل على الحياة في أجزاء من المخ بعد أيام من الوفاة”.
بالنسبة للتعريف الطبي للموت فقد نشرنا مقالاً حول الموضوع (بتاريخ 20 آذار 2016 – ضياء غفير) أوضحنا فيه الاعلان الأمريكي الموحد للوفاة (1981) والذي ينص على “وقوف كل وظائف الدورة الدموية دون أن تعاود العمل مرة ثانية، أو وقوف جميع وظائف المخ بدون رجعة بما في ذلك جذع المخ”، وهكذا هو الحال مع الكثير من القوانين الدولية في مختلف أنحاء العالم ولا يسعنا هنا أن نفصل في القوانين الطبية للدول وتعريفها الطبي القانوني للموت. بناءاً على ذلك فإن وجود أي إشارات حيوية في الجسد بعد الموت تعني أن الشخص ليس ميتاً بعد.
يذكر مقالنا السابق حالة لشخص عثر عليه متجمداً في الثلج بعد 12 ساعة وقد توقف قلبه والتنفس وسائر الوظائف العضوية، إلا أنه عاد للحياة بعد أسابيع، هل يُمكن أن نعتبر هذه الحياة حياةً بعد الموت؟ ربما بهذا المفهوم فإن هذه الحياة هي حياةٌ بعد موت. لكن هل هذه الحياة هي المقصودة في العناوين هذه؟
ينص مفهوم الحياة بعد الموت في الديانة الإسلامية مثلاً على بعث آخر بعد أن يبلى الشخص وتبلى عظامه وعلى مفهوم غيبي غير محسوس من قبل الأحياء يتخلله في بعض الآراء الإسلامية عذاباً أو نعيماً في الفترة الوسيطة بين الموت والبعث. ولو حاولت أن تناقش أحد رجال الدين المسلمين من كافة المذاهب عن السبب في عدم تحسس هذه الحياة أو الشعور بها لأخبرك أنه بالنسبة لهم يمثل مفهوماً غيبياً وأنه لا مثلما لا يُمكن دحضه من خلال عدم لمسه في جثث وأجساد الأشخاص المتوفين بجميع انحاء العالم فإنه لا يُمكن أيضاً إثبات تلك الحياة وما بعدها من خلال هذه الأجساد سواء من وجود إشارات دماغية أو غيرها.
أما في بعض الديانات والمعتقدات العرفانية في الهندوسية والدرزية فإن الحياة بعد الموت تتمثل بالتناسخ أو التقمص وهو حلول روح الشخص (مفهوم الروح مفهوم ديني ليس له أي دليل علمي) في شخص آخر ويحدث هذا أيضاً في جسد آخر وولادة أخرى ولا يُمكن إثباته بوجود إشارة دماغية في جسد شخص متوفى. وللمسيحية أيضاً رأي مشابه من حيث أن الوفاة هي نهاية لهذا الشخص وأن البعث له مفهوم غيبي.
لا يسعنا أن ندخل في الأديان ونظرتها للحياة في هذا المقال لكنه توضيح وفصل بين المفهومين دون الإساءة والتجاوز بهدف جمع المشاهدات والقراءات والاعجابات. ويُمكننا القول أن أي تقدم علمي في إثبات وجود دلائل أكثر على وجود أعضاء حية في الجسد فإن لهذا تأثير واحد فقط، وهو التعديل القانوني على مفهوم الموت وما يترتب على ذلك من اجراءات طبية أو قانونية تتعلق بالمتوفين.