هنالك عدد قليل جدا من الذكور ممن يعانون من فقدان حاسة الشم، بالإضافة إلى صغر حجم القضيب والخصية، كما أنهم لا يشعرون بالرغبة الجنسية اتجاه النساء حتى بعد سن البلوغ. هذه الإعراض تعرف باسم “متلازمة كالمان”، والتي سنتعرف عليها من خلال الاقتباس الأتي الذي سنوضح فيه كيف يصاب الذكور بهذه المتلازمة، ولماذا يصاب بها الذكور دون الإناث، وما علاقة حاسة الشم بصغر حجم الاعضاء التناسلية.
“حصل العلماء بالصدفة على أول مثال من الجين الذي يخبرنا عن محور عصبي مهاجر عند وصوله إلى قبلته. وكان ذلك في أواخر الثمانينات من القرن العشرين، وبدأت القصة في عام 1856 عندما قام طبيب اسباني يسمى اورليانو مايستر دي سان جوان بعملية تشريح لجثة رجل عمره أربعون عاما، كان يعاني من عدم وجود حاسة الشم وقضيب صغير وخصية صغيرة جدا، ولم يجد سان جوان بصلات الشمية في مخ هذا الرجل، وبعد مرور عدة سنوات، ظهرت حالة أخرى في النمسا، وبدأ التساؤل الأطباء عن وجود حاسة الشم عن الرجال أصحاب القضيب الصغير، وبدأ علماء الجنس المتحمسون أخذ هاتين القضيتين كدليل على أن الأنف والقضيب يشتركان في عدة أشياء، وفي عام 1944 قام فرانز كالمان احد علماء النفس، بوصف أعراض الغدد التناسلية الصغيرة وغياب حاسة الشم كاضطراب وراثي نادر، تتوارثه العائلات لكنه يؤثر بصفة أساسية على الرجال، وهذه الإعراض تسمى باسم كالمان –وهو ما يعد نوعا من الظلم لحد ما- إذ لم تسم باسم ذلك الاسباني ذى الاسم الطويل، وهذا ما تحصل عليه عندما تكون صاحب اسم طويل.
أسفر البحث في الجينات الخاصة في أعراض كالمان عن كروموسوم اكس (حيث لا توجد نسخة احتياطية من هذا الكروموسوم عند الرجال بسبب أن وراثتهم لهذا الكروموسوم تأتي عن طريق الأم فقط)، وسرعان ما تركز البحث حول جين يسمى كال-1 (KAL-1)، وهنالك في حكم المؤكد تقريبا جينان آخران على كروموسومات أخرى ممكن أن تسبب أيضا في أعراض كالمان، لكنها تظل غير معروفة، وفي السنوات الأخيرة أصبح سهلا معرفة كيف يعمل كال-1، وماذا يحدث عند انقسامه، وتم تنشيط الجين بعد حوالي خمسة أسابيع من التخصيب ليس في الأنف أو في الغدد التناسلية، بل في جزء من مخ الجنين المفترض أن يصير بصلة شمية، ويقوم بإنتاج بروتين يسمى أنوسمن (anosmin)، ويقوم هذا البروتين بدور الجزء اللاصق للخلية، إي انه يعمل على التصاق الخلايا بعضها ببعض، ويكون للأنوسمن اثر مأساوي على مخاريط النمو الخاصة بالمحاور العصبية الشمية المهاجرة، المتجهة إلى البصلة الشمية، وعند وصول هذه المخاريط إلى المخ في الأسبوع السادس من الحمل، يتسبب وجود الأنوسمن في تمدد هذه المخاريط، وتفرقها وأيضا خروجها عن مسارها، ويترك كل محور عصبي مساره ويتوقف، ويرتبط مع الخلايا المجاورة، وفي الإفراد الذين لا يملكون نسخة نشطة من كال-1، ولا يملكون أيضا انوسمن، لا تقوم المحاور العصبية بأي نوع من الربط مع البصلة الشمية، وبعد الشعور بعدم الترحيب بها، تضمحل.
نتيجة لذلك هنالك نقص في حاسة شم الإفراد الذين يعانون من أعراض كالمان، ولكن ماذا عن القضيب الصغير؟ من المذهل انه يتضح أن الخلايا الضرورية لتنشيط النمو الجنسي تبدأ أيضا حياتها في الأنف، في مستقبل الفيرمون القديم المتطور، والذي يسمى بالعضو الميكعي الأنفي (وهو حفرة صغيرة على كل جانب من جانبي الحاجز الأنفي، وهو مبطن بمستقبلات كيميائية لا تعمل، أو غير معروفة)، وهذه الخلايا العصبية تهاجر بنفسها إلى المخ، وعلى عكس الخلايا العصبية الخاصة بالشم، والتي تقوم فقط بإرسال المحاور العصبية إلى المخ، وبالفعل تقوم بذلك من خلال المحاور العصبية عبر الحزم أو المسارات التي سبق أن أرسلتها اكسونات الشم، وف غياب الانوسمن، لن تصل أبدا إلى هدفها أو حتى تستطيع بدء مهمتها الأساسية، وهي إفراز هرمون يسمى هرمون الجونادوتروبين، ودون ذلك الهرمون، لا تحصل الغدة النخامية إطلاقا على التعليمات من اجل الشروع في إفراز هرمون اللوتيني في الدم، ودون هرمون اللوتيني لا تنضج الخلايا التناسلية على الإطلاق، وتكون معدلات التستوستيرون منخفضة في الذكر، وينتج عن ذلك انخفاض الشهوة الجنسية لدى الرجل، ويظل غير مكترث من الناحية الجنسية بالمرأة حتى يعد مرحلة البلوغ”.
المصدر: كتاب (الطبع عبر التطبع – مات رايدلى)