ثالث مصدر للطاقة هو الأنسجة الدهنية. الأمر المزعج لنا جميعاً هو سياسة الجسم بتكوين الدهون وخزنها في أماكن كالمؤخرة أو البطن. وما يزعج أكثر هو الصعوبة الكبيرة في إزالة تلك الطبقات من الدهن للظهور بمظهر رشيق. كثيرون ممن يقرؤون هذا المقال سيحاولون أن يفهموا تلك السلسلة من مصادر الطاقة حتى يفهموا كيف يستطيعون توجيه أجسامهم لحرق الدهون لا العضلات. ومرة أخرى لن ينفع المنطق التقليدي في فهم آليات الجسم في التعامل مع مصادر الطاقة.

الخبر الجيد الأول فيما يتعلق بالأنسجة الدهنية، هو أنه مثلما رأينا أن الجسم يقوم بالانشطة السابقة بشكل دائم مثل تحويل البروتينات الى سكريات أو تحويل الجلايكوجين إلى سكريات، فهو يقوم بعملية تفكيك الدهون بشكل دائم أيضاً. الفرق، هو أن الجسم يقوم بتلك العمليات بنسب متفاوتة بحسب الحالة أو الحمية او طبيعة النشاط الجسدي وتحاول الحميات والتمارين الرياضية استهداف حالات معينة يزداد فيها حرق الجسم للدهون. الأسئلة القادمة حول الدهون أصبحت أكثر وضوحاً الآن.

للاطلاع على بقية مقالات السلسلة:

الجلايكوجين

البروتين

الدهون

متى تحرق الدهون؟ هل سينتظر نفاذ جميع مصادر الطاقة الأخرى؟

لو كان الجسم سينتظر نفاذ جميع مصادر الطاقة ليبدأ بحرق الدهون لتوقعنا ألا يخسر أي شخص غراماً واحداً من الشحم دون أن يبلغ حد المجاعة بعد نفاذ الجلايكوجين والبروتينات من جسمه، أو لاحتاج الناس للقيام بماراثون قبل أن يبدأ حرق الدهون. لكن هذا ليس ضرورياً، حيث يصل كثيرون إلى النحافة مع قيامهم بنمط معتدل من الحمية الغذائية والرياضة. يشخص أمامنا الآن السؤال التالي:

ما الذي يحفز حرق الدهون؟

يبدو أن هذا الجانب من اللعبة هورموني إلى حد كبير. الإجابة بشكل رئيسي تتعلق بالهورمونات قبل أن تتعلق بنمط التغذية. يتم تحفيز الجسم على تفكيك الدهون عبر هورمونات عديدة مثل الايبنفرين، النورايبنفرين، التستوستيرون، هورمون النمو، وغيرها. لهذا السبب نجد أقل نسب للدهون لدى البشر لدى لاعبي بناء الأجسام الذين يتعاطون حقناً للهورمونات ولدى الشباب في مرحلة المراهقة بينما ترتفع نسبة الهورمون الذكري. ولهذا السبب أيضاً قد نجد كثيراً من أنظمة التنحيف تتجه نحو التمارين التي تزيد من افراز هورمونات معينة كالتستوستيرون والظروف التي تزيد من افرازه.

المذهب الثاني في حرق الدهون يتجه إلى استنفاذ مصادر الجسم الأخرى للطاقة كالجلايكوجين والبروتينات لغرض توجيهه بشكل صرف نحو الدهون وهذا ما تقوم به حمية الكيتو مثلاً. بعد يومين الى اسبوع دون كربوهيدرات في الغذاء يستنفذ الجسم الجلايكوجين الموجود لديه، ثم يمر بمرحلة فجوة في الطاقة قبل أن يبدأ بالاعتماد كلياً على تحويل الدهون إلى أحماض دهنية وكيتونات. وكجزء من إجراءات هذه الحمية يجب تناول البروتينات باعتدال حتى لا يتم تحويلها إلى سكريات من قبل الكبد. يلمس من يقومون بهذه الحمية بشكل ناجح ارتفاعاً واضحاً في الكيتونات في الدم وهو الدليل على أن عملية تفكيك الدهون تجري بنجاح.

غير أن الجسم عموماً لا ينتظر تفريغه كلياً من مصادر الطاقة الأخرى ليبدأ بتفكيك الدهون، فهذه العملية تجري في الحميات الاعتيادية مثل حمية السعرات الحرارية حالما يحدث هناك نقص عام في الطاقة (السعرات الخارجة أكثر من الداخلة).

 ما سبب خزن الدهون؟

هناك عدة عوامل، أولها وأكثرها بساطة هي أن تناول الطعام بشكل زائد سيسبب البدانة. وسنأتي لذلك أيضاً حول أي من الأطعمة لها المسؤولية الأكبر. العامل الثاني هو الجينات، وهي مسؤولة الى حدٍ ما عن البدانة لدينا. ثم تأثير البيئة أو الظروف المحيطة. ومن ثم مستوى الحركة وأخيراً الحالة النفسية.

حول الجينات، يمكن القول أن الشخص قد يصبح بديناً بنسبة 80% اذا كان والداه بدينان. ويمكن تمييز السبب الجيني بوضوح اذا كان الشخص بديناً طيلة حياته، وإذا بقي بديناً رغم المحاولات لتخفيض استهلاك السعرات الحرارية لأشهر عديدة. غير أن ذلك لا يمكن قوله عندما يعيش الشخص في نمط تغذية وافر السعرات او في حالات البدانة غير المفرطة أو اذا كانت هناك محاولات ناجحة وسهلة نسبياً لتخفيض الوزن. باختصار يعزى للجينات 25% من مسببات البدانة ويمكن أن تؤثر مئات الجينات على البدانة ليس بشكل مباشر على خزن الدهون بل على مؤثرات أخرى.

وحول الظروف المحيطة ودورها في السمنة، يمكن حصر ذلك في الفترات المبكرة من عمر الانسان اذ أن للذين تدخن امهاتهم اثناء الحمل هناك نسبة أكبر لأن يكونوا بدناء وكذلك لمن تعاني امهاتهم من السكري. وأيضاً وجد أن من ارضعتهم امهاتهم لأكثر من ثلاثة أشهر رضاعة طبيعية فهم أقل عرضة للبدانة ممن نالوا رضاعة طبيعية أقل من ثلاثة أشهر.

لن نسهب هنا في الكلام التمارين الرياضية أو مستوى الحركة فهما جزء من معادلة الطاقة الداخلة والخارجة ولهم دور أساسي مثبت في خزن الدهون في الجسم.

أما العوامل النفسية فمنها الضغط والاكتئاب وقلة النوم.

معظم ما ورد في هذه الإجابة هي تلخيص لمقال لماذا نصبح بدناء من موقع جامعة هارفارد التعليمي.[1]

 هل دور الخلايا الدهنية يقتصر على خزن الدهون فقط؟

ليست الخلايا الدهنية مخازن فقط، فلها وظائف بل يمكن القول أنها يمكن ان توجهنا أيضاً. فالخلايا الدهنية البيضاء تفرز مواد مثل اللبتين (راجع مقال العلوم الحقيقية العلاقة بين اللبتين ووزن الجسم من اعداد سيف محمود علي) والاديبونكتين (Adiponectin). حيث يتحكم الأول بالاحساس بالجوع وبحساسية الانسولين وأمور أخرى، فيما يتحكم الاديبونكتين بتنظيم السكر وتفكيك الدهون[2]  وكلاهما يؤثران على عمل الدماغ[3]  الخلايا الدهنية أيضاً تفرز الاديبسين الذي يؤثر على نشاط خلايا بيتا التي تفرز الانسولين في البنكرياس[4]. ليس هذا فحسب، فخلايا الدهون البنية توفر لنا حماية من البرد من خلال توفير الحرارة ولها ايضاً فوائد للوقاية من السكري والسمنة. ويضاف الى ذلك دور الاديبوسايتس المناعي في الخلايا الدهنية.[5]

هل يمكن أن نتخلص بشكل نهائي من الدهون لنسبة صفر بالمئة؟

لا يُمكن أن يكون هناك شخص طبيعي دون دهون. وحينما نقول طبيعي نعني أنه دون استخدام مؤثرات خارجية مثل استخدام الستيرويدات الابتنائية (حقن الهرمونات)، وحتى مع استخدامها فإنه من الصعب ومن الخطير جداً الوصول لتلك المرحلة. من حقق تلك المعجزة حقق معها أرقام مخيفة أخرى شوهدت مثلا عند وفاة بطل بناء الأجسام اندرياس مونزر، فقد كان يستخدم الستيرويدات بشكل كبير جداً بالإضافة الى آثار لـ 20 عقار آخر شوهدت في جسده، وزن قلبه كان 635  غرام أي ضعف وزن قلب الشخص الطبيعي، تقريباً لم يكن لديه أي دهون وكان هناك كتلة بحجم كرة التنس من الأورام والتكيسات في كبده، وخصيتاه كانتا ذابلتين.[6]

هل الدهون مفيدة للجسم؟

نعم وبلا شك. كل ما نشكو منه هو زيادة الدهون، لكن هذا لا يعني على الاطلاق أن أجسامنا يجب أن تصل الى نسبة منخفضة أو منعدمة من الدهون مثل حالة اندرياس مونزر ولا يمكن أن نصل لذلك. الخلايا الدهنية ليست مخازن فقط للدهون كما أوضحنا. ومن الطبيعي أن تحتوي أجسامنا على نسبة تتراوح بين 15-25% من الدهون (لا نتكلم عن المعايير الرياضية)، ومن الصعب رياضيا أن نصل الى ما تحت الـ 10% وربما يمكن القول أنه من غير الطبيعي والخطير أن نصل لما دون الـ 5%. هناك أيضاً الكثير من المواد الغذائية المفيدة في الدهون التي نتناولها.

ما هي الأطعمة التي يتم خزنها كدهون؟

يمكن القول أن معظم مكونات الطعام يمكن أن تخزن كدهون في الخلايا الدهنية بطريقة مباشرة أم غير مباشرة. فالكربوهيدرات كما عرفنا في جزء سابق من هذه السلسلة تتحول الى جلوكوز ثم تخزن في الكبد أو في العضلات بشكل جلايكوجين وعندما تفيض الحاجة لها تخزن في الخلايا الدهنية. يتم التعامل مع الجلوكوز والفركتوز بطريقة مختلفة من قبل الكبد. كلاهما سيحفزان افراز الانسولين الذي سيوقف اعتماد الجسم على الدهون كمصدر للطاقة وسيتم ملأ مخزون الجلايكوجين في العضلات والكبد وسيتم أيضاً تحويل السكر الى دهون وخزنه في الخلايا الدهنية. [7]

ما سيختلف عند تناول الفركتوز هو أن الفركتوز سيتحول الى جلوكوز وبعدها سيمر بنفس العمليات. وبما أن الفركتوز يتم الحصول عليه بشكل رئيسي من الفواكه فإن نسبة أقل منه يتم امتصاصها في المعدة لاسيما وأنه مرتبط مع الألياف في الفاكهة. أيضاً هناك شيء من التعاضد بين الفركتوز والجلوكوز عندما يؤكلان سوية فالجلوكوز يزيد من امتصاص الفركتوز في المعدة فيما يُسرع الفركتوز امتصاص وخزن الجلوكوز في الكبد.

أما الدهون فمن الأفضل أن ننتقل الى دورها في سؤال آخر، فما هو دور الدهون ونحن نسمع كثيراً كيف تتكون الدهون في الجسم من الكربوهيدرات، الكحول والأحماض الأمينية بشكل رئيسي الكبد؟[8]

هل يسبب تناول الدهون زيادة خزن الدهون؟

بالتأكيد. وجدت بعض الدراسات أن تناول الدهون بالإضافة الى وجبات الكربوهيدرات الكبيرة كان سبباً في زيادة تكوين الدهون في الجسم. وفضلاً عن ذلك فإن الدهون ذاتها يتم إيداعها بعد عمليات أيضية معينة في النسيج الدهني. عند النظر الى أقوى حالات تكوين الدهون نجدها تشتمل كلها على تناول كميات كبيرة من الكربوهيدرات. والسبب في ذلك أن إيداع الدهون في الخلايا الدهنية لا يعتبر عملية تكوين وصناعة لدهون جديدة من الصفر. ولا تسهم الكربوهيدرات العالية بزيادة خزن الدهون عبر تحويلها الى دهون فحسب، بل عبر تقليلها لمعدل الاكسدة الطبيعي للدهون نتيجة اعتماد الجسم على الكربوهيدرات في الحصول على الطاقة. (نفس مصدر السؤال السابق دراسة شوتز 2004)

أيهما يسبب خزن الدهون أكثر: الكربوهيدرات أم الدهون؟

الدهون. سنعتمد في الإجابة هذه على بحث شوتز 2004 الوارد في السؤالين السابقين. استند الباحث الى دليل قوي وهو أن كفاءة تحويل الكربوهيدرات الى دهون أقل بكثير من كفاءة عملية خزن الدهون التي نتناولها من حيث الطاقة (أي أنه من المكلف أكثر أن يتم تحويل الكربوهيدرات إلى دهون). وبالتالي فإن اللوم يقع على الدهون أكثر مما على الكربوهيدرات في خزن الدهون على ألا ننسى دور كميات الدهون والكربوهيدرات ومجموع ما فيهم من طاقة وسرعة امتصاص الكربوهيدرات التي يتناولها والمقدرة عبر المعدل الجلايسيمي.

أين هو دور الطعام الذي نتناوله إذاً في تزويدنا بالطاقة؟

هل سنموت لو لم نتناول الطعام ليوم واحد؟ بالتأكيد لا، ولن نموت لو لم نتناول الطعام لأسبوع. بل قام الاسكتلندي انغوس باربيري بالصمود لـ 382 يوماً دون طعام وهو يتناول الشاي والفيتامينات والماء والقهوة وقد انخفض وزنه أثناء ذلك من 207 كيلوغرام إلى 82 كيلوغرام. في الإضراب الشهير عن الطعام لسجناء الجيش الجمهوري الايرلندي مات المضربون عن الطعام بعد قرابة شهرين. ليست هذه حالات مثالية للتغذية لكنها تعطينا فكرة عن طبيعة ما يُمكن لأجسامنا أن تواجه من ظروف. من المؤكد أننا في تاريخنا كنوع لم ننشأ لكي نتناول الطعام بثلاثة وجبات يومياً، ومن المؤكد أن دور عملية تناول الطعام لا يقتصر على توفير الطاقة التي نحتاجها بين الوجبات.

تلك المخازن الدهنية للطاقة التي نحملها في بطوننا وتحت الجلد وتشكل قرابة 20% من وزننا تحمل ايضاً رسالة واضحة عن طبيعة عمل الطاقة في أجسامنا، فضلاً عن جميع تلك العمليات للخزن والتفكيك. نتجرأ على القول بأن دور تناول الطعام الرئيسي هو لتعويض المخزون. أبسط نشاط رياضي حاد نقوم به سنجد جسمنا يتوجه إلى المخزون ويقوم بصرفه بكفاءة وسرعة أكبر من أن يقوم بتفكيك الطعام الذي نتناوله والاستفادة منه. سيستخدم الجسم الغذاء الذي نتناوله كمصدر للطاقة، لكنه سيقوم بتحويل شيء منه إلى المخزون، وسنعاني من زيادة الوزن وتراكم الدهون إذا ما تناولنا الكثير من الطعام الذي يتم امتصاص السكريات منه بسرعة (الأطعمة ذات المعدل الجلايسمي المرتفع).

يُمكن أن نرى أن الجسم يقوم بصناعة جميع المواد التي نتناولها، فهو يصنع السكريات، ويصنع الدهون، ويصنع البروتينات أيضاً، وبهذا فقد يكون الغذاء الذي نتناوله مورداً للمواد الأولية لما سيصنعه الجسم فضلاً عن كونه مورداً للمغذيات.

المصادر

[1] Why people become overweight, health.harvard.edu, June 24, 2019

[2] Nedvidkova, J., et al. “Adiponectin, an adipocyte-derived protein.” Physiol Res 54.2 (2005): 133-40.

[3] Qi, Yong, et al. “Adiponectin acts in the brain to decrease body weight.” Nature medicine 10.5 (2004): 524-529.

[4] Lo, James C., et al. “Adipsin is an adipokine that improves β cell function in diabetes.” Cell 158.1 (2014): 41-53.

[5] Cohen, Paul, and Bruce M. Spiegelman. “Cell biology of fat storage.” Molecular biology of the cell 27.16 (2016): 2523-2527.

[6] Kistler, Luitpold. Todesfälle bei Anabolikamissbrauch. Todesursache, Befunde und rechtsmedizinische Aspekte. Diss. lmu, 2006.

[7] Royal Society of New Zealand, “How The Body Metabolizes Sugar”, sugarscience.ucsf.edu

[8] Yves Schutz (2004). Dietary fat, lipogenesis and energy balance. , 83(4), 0–564.         doi:10.1016/j.physbeh.2004.09.015

صيام انغوس باربيري:

Angus Barbieri’s fast, Wikipedia