الخروج من الجسد وعندما تتسائل هل هذا جسدي الذي أرى أمامي؟ أذا كان هناك شي متعلق بك و يجب أن تكون متأكد منه فهو أنك في جسدك و جسدك فقط، ولا يكون في مكان آخر مطلقاً. وما تشعر بأنه أنت فهو أنت بالفعل هنا و ليس في مكان آخر.
لكن حتى هذه القاعدة البديهية لوجودك نستطيع التسائل عنها تحت ظروف خاصة. فأحساسك بالأقامة في جسدك هو جزء من التركيب الداخلي كأي مفهوم آخر لكنه غير محصن من الوهم و التحريف. فحتى أحساسك بذراعك ليس أساساً مختلف (في التطور و القواعد العصبية) عن أمتلاك سيارتك (أذا كنت سائق تكسي) وسلاحك الاول (اذا كنت مقاتلاً).
ما تراهُ كشخصك ليس كيان موحد و مهما كان هذا التصور غريب فهو صحيح. في الحقيقة من الممكن بشكل عقاقيري أن ترى جسدك و كأنك خارجٌ عنه بواسطة عقار يسمى الكيتامين. فالأشخاص الطبيعين الذين يستخدمون الكيتامين بلغوا عن أحساسهم بالطوفان فوق جسدهم و النظر اليه، و أذا تم نكزهم من الممكن أن يقولوا “جسدي الذي في الأسفل يشعر بالألم لكني لا أشعر به”. لأنهم قد فصلوا عن الجسد الذي يسكنوه، هم لا يعيشون أي وجع أو توتر عاطفي، (لهذا السبب يستخدم الكيتامين كمخدر أحياناً).
الأحساس بأمتلاك الجسد، وكون الأنسان متحد مع جسدهُ، يتولد من جزء من شبكة الأعصاب الدماغية المعروفة بالأعصاب الأنعكاسية، توجد في القشرة أمام الحركية (premotor cortex)، التي تتفاعل مع قشرة الفص الجبهي، الجزء من الدماغ الذي يقوم بالتخطيط و أتخاذ القرارات. طبيعياً عندما تحرك يدك للأمساك بقلم مثلاً (حركة مصحوبة بأحساسك لأمتلاك أرادة حرة) تتحفز خلايا عصبية بشكل آلي مع الأوامر في القشرة الحركية.
ماركو لاكوبوني (Marco Lacoboni) و فيتوريو غاليسي (Vittorio Gallese) في جامعة بارما في أيطاليا وزميلهما كياكومو ريزولاتي (Giacomo Rizzolatti) قد برهنوا أن بعض هذه الخلايا تتحفز عندما تشاهد شخص آخر يقوم بنفس الفعل.
الأعصاب الأنعكاسية تسمح لك بأختبار ما يفعلهُ غيرك، فدماغك يقول عندما يتأثر “انها نفس الخلايا التي تتحفز عندما أحرك يدي، لذلك أعلم ما يشعر به، وما يفكر به”. كما أن الأعصاب التي نسميها “الأعصاب الأنعكاسية المتأثرة” تتحفز عندما يتم لمسك أو تشاهد شخص آخر يتم لمسهُ. وجود هذه القدرة في الأنسان كونت أحساس فطري لتشارلز داروين، الذي لاح أنه عندما يشاهد الرامي على وشك أطلاق رمحهُ، فأن عضلات الساق تتقلص و تسترخي تتابعاً لحركة الرامي بدون وعي، و عندما يشاهد طفل أمه تستخدم المقص يفتح فكهُ ويغلقهُ تزامناُ مع حركة أمه بدون سيطرة مقلداُ أياها. في هذه الظاهرة نرى مقدمة تطورية للقدرة الثقافية على تناقل المعلومات كتقليد و أقتداء.
لكن بالطبع عندما يبلغ الأنسان فأنه يتوقف عن تقليد كل من ينظر اليه، و لن يشعر كأن أحداً يسيطر عليه، إنه يواصل العمل بأرادته الحرة. (مع ذلك مريض ملازمة توريت يقوم بالتقليد بدون وعي أحياناً).
الرغبة في التقليد الغير واعي للشخص الذي يرافقك هو طبيعي في القشرة الجبهية (الجزء الأكثر تطوراً في الدماغ، بالنسبة للأنسان). مؤخرا أقترحنا في موقع (www.edge.org). أختبار للتفاعل بين نظام الأعصاب الأنعكاسية و ردة فعل القشرة الجبهية، التي تعطي أمتياز للشخصية مع الأحتفاظ بالخصوصية، و التبادل مع الآخرين.
التشويش في هذا النظام سيؤدي الى تجربة (الخروج من الجسد)، التي تشرح تقنية الكيتامين. تحت تأثير مخدر الكيتامين تشعر بجسدك كما تشعر بما يشعر به الآخرين، و تكون قادر على تخليص نفسك منها كما تخلص نفسك من تأثير الآخرين.
خدع تمكنك من الشعور بتجربة “الخروج من الجسد”
أنت لا تحتاج الى الكيتامين لتوليد هذا الشعور بالأنفصال عن الجسد، مع ذلك، إن كنت تملك المال، تستطيع فعل ذلك بتقنية أفتراضية واقعية رائعة.. ولمن لا يملكونه نستطيع فعل ذلك بخدع بصرية بسيطة.
مثال ذلك، حاول النظر الى قناع تنكري من خلال لوح ساطع من الزجاج لكي ترى أنعكاس وجهك على القناع، بتغيير أنعكاس القناع على وجهك، تستطيع بصريا أن تدمج الأنعكاسين ليكون صورة غريبة و مهجنة من وجهك و القناع. بعد ذلك أصنع تعابير غريبة بوجهك، سوف يترآئى لك أن الصورة المهجنة تحاكي تعابير وجهك بصورة مثالية التزامن. هذه التجربة سوف تعطيك أحساس مؤقت للحظة مما ستشعر به لو كنت تتعاطى الكيتامين.
هذه الخدعة ستكون أكثر أقناعا أذا وضعت لوحين من الزجاج بزاوية صحيحة. حرك رأسك حتى يكون أنعكاس مركز أنفك في نقطة ألتقاء اللوحين بالضبط(و تداخل مع القناع خلف اللوح). أذا كنت تعرف أرمش عينك اليمنى، الأنعكاس سوف يغمز عينه اليمنى (الانعكاس الثنائي سوف يعكس اليمين لليسار) النتيجة ستكون خدعة متكاملة و تكون أنت صاحب القناع و كأنك ترتديه أمامك.
أذا ذهبت الى المستوى الثاني، الذي يحتوي على أضاءة، مكياج، عارضات، و الكثير من المرايا التي تُخلق عندما تقف بين مرآتين متساويتين في الطول تقابل أحدهما الأخرى، ستتولدد نسخ بصرية غير نهائية لصورتك، عندها سوف تبدأ بأختبار تأثير الكيتامين تقريباً. في منتصف 1995 (ويليام هيريستين و أيرك ل.أستوكلر في جامعة كارليفورنيا، سان ديغو) رأينا أن محاولة ضرب القناع تحت هذه الظروف سيولد خوف تلقائي. قمنا بقياس خوف الأشخاص بصورة موضوعية عن طريق مراقبة تغيرات جلدهم، ومقدار التعرق. إذا هددت أي قناع ينظرون أليه (بدون أستخدام بصريات للأتحاد معه) لن يتغير فيك شي من مقدار الخوف. أنه أحساس الأندماج مع (الصورة الأخرى) هو ما يفعل ذلك.
مؤخرا أستخدم العلماء كاميرات فيديو لتوليد خدعة مماثلة، شعر فيها المشاركون أنهم يعرضون أجسادهم في موقع آخر. هذه التجارب المخيفة تحدث بعد حالات مثل صدمة توقع الضرر في الفص الجبهي الأيمن. هذه المنطقة من الدماغ مسؤولة عن خلق الصور، و أحساس الوجود في الجسد.
المرضى المتضررين في الفص الأيمن يشعرون أحياناً أنهم يرون أنفسهم من الخارج (كما في الكيتامين) أو أنهم يخضعون لظاهرة الشبيه. قبل سنين رأينا مريض لديه ورم جانبي و كان طبيعياً جداً من الناحية العقلية الا أنه يشعر بوجود توأم يلتصق بجانبه الأيسر يقلد كل حركة يقوم بها. أذا تم لمسه يشعر أن التوأم أيضاً يتم لمسهُ بعد ثواني قليلة. ايضاً في حالة اخرى عند تهيج قنوات الدهليز في الأذن الداخلية لهذا المريض تجعله يشعر أنه يدور حول نفسه مسببه التوأم للتقلص والأنتقال للجهة الأخرى (نظام الدهليز الذي يشارك في الحفاظ على التوازن و التوجه المكاني، متصل مع الفص الجبهي الأيمن).
طبيب الأعصاب الأنكليزي العظيم(ماكدونلد كريتشلي) وصف مرضى آخرين، ممن يعتمدون على أجزاء الفص الجانبي، شعروا أنهم عمالقة أو أقزام، أو أن أجزاء من أجسادهم موشوهه أو متورمة،أو يشعرون أن ذراعهم لا تنتمي لهم، يدعون أنها أذرع أمهاتهم، أو أنهم يكرهون عضواً من أعضائهم، يدعدغون، على سبيل المثال، “اشعر أن أحد ما يشاركني في يدي” بينما أقترحنا أن أحساس “الأمتلاك” للأشياء الخارجية حتى الاشياء كخاتم زفاف مثلاً معروف في كل مكان حولنا كأحساس مقبول (غاندي كان أستثناء في هذا) بتعبير آخر، أن أمتلاك الأشياء الخارجية تطور كحاجة ثانوية في نظام الأعصاب الذي هو أصلاُ يتضمن أمتلاك الجسد الذي نستخدمه.
علاج المرآة
ذكرنا سابقاً أن هناك سبب لعدم تقليد شخص أو الشعور حرفياً بأحساس شخص آخر عندما تشاهدهُ يُلمس هو أن القشرة الجبهية تعرف الأيعازات الخارجة من الأعصاب الأنعكاسية. سبب ثاني هو أنه ربما عندما تشاهد شخص آخر يتم لمسهُ، فإنه حتى أذا كانت الأعصاب الأنعكاسية الخاصة باللمس نشطة، فإت مستقبلات جلدك سوف ترسل حقيقة أنه لا يتم لمسك، و هذا الأيعاز الباطل يمنع الأعصاب الأنعكاسية من الوصول الى حالة الشعور بذلك.
لكن تخيل ما سيحصل لو أن شخص ما قام بتخدير يدك بمخدر؟
بشكل مدهش وجدنا (بالتعاون مع خريجة U.C.S.D. لاورا كيس) أن المريض يشعر حرفياً بأحساس اللمس في يده المخدرة عندما يشاهد شخص آخر يتم نكزهُ. أو أذا كان الشخص الآخر يمسك مكعب ثلج، المريض يشعر بالبرد في يده! عندما تزيل الشعور باللمس من يد المريض السليمة، لن يشعر المريض بما يشعر به الآخرون، الذين يشاهدهم. الشي نفسهُ يحدث مع المرضى المصابين بوهم الأعضاء. مشاهدة شخص آخر يتم عمل مساج ليده أو قدمه يبدو أنه يقلل الألم من المريض الذي فقد يدهُ أو قدمه.
علاجياً من المعروف أن ردات الفعل على المشاهدة البصرية بأستخدام المرايا المنعكسة تساعد على تخفيف ألام وهم الأعضاء و صدمات الشلل، ربما عن طريق الأستفادة من الأعصاب الأنعكاسية. نحن حاليا نحاول أكتشاف أذا كان وهم التحرر من عضو خلقتهُ المرايا يمكن أستخدامهُ لمحاكاة تأثير الكيتامين و معالجة ملازمة الألم المزمن عن طريق السماح للمريض بالأنفصال عن جسدهُ و الألم الذي يختبرهُ.
حتى الألم الحقيقي في الذراع يمكن معالجته عن طريق المشاهدة البصرية. هناك مرض قاسي يدعى ضمور الأنعكاسي الودي تكون فيه الأصابة الطفيفة تؤدي الى ألم شديد و دائمي، تورم و شلل للذراع، حالة تدعى “الألم و الشلل المعروف”. في سنة 1995 كانت هناك محاضرة في علم الأعصاب في سان ديغو، تم فيها أقتراح أستخدام المرايا لعلاج هذا المرض، و منذ ذلك الحين العديد من التجارب العلاجية الضخمة أكدت فعالية العلاج. حتى الأورام الجانبية كانت مثال ملحوظ لتجاوب العقل مع الجسد.
أغرب حالات الأنزعاج من الجسد هي عندما يرغب شخص سليم بقطع ذراعهُ أو يده. بالأتصال مع ديفيد برانغ (david brang) و (paul mcgeoch) زملاء في U.C.S.D، وجدنا أن لمس العضو المتأثر سوف يتجاوب الجسم بتعرق غير طبيعي، بينما في لمس العضو الطبيعي لن يتجاوب الجسم كما فعل مع العضو المتأثر. لاحقا في دراسات صور الدماغ وجدنا أن هناك تمثيل ضئيل للعضو المصاب في الفص الجبهي الأيمن من الدماغ (منطقة المعالجة للصور في الدماغ)، لكن مناطق اللمس في القشرة الحسية الجسدية تبقى طبيعية. هذا التناقض بين الأحساس الدقيق في اليد والتمثيل الضحل لها في الدماغ يخلق كره غريب للعضو.
فدراسة الأشخاص المصابيين بدماغ غير طبيعي أو معالجة الأحساس في الأشخاص الطبيعيين بأستخدام المرآة و غيرها من الخدعة البصرية يمكن عن طريقها أن نعرف الوسيلة التي يخلق الفص الجبهي الأيمن من الدماغ الصورة المهتزة من الجسد التي تتذبذب وفقاً المكان و الزمان.
هذه المراقبة لها آثار مهمة، نظرياً و علاجياً. فما نسميه الأحساس باللمس، الألم، الجسد أو حتى النتائج الذاتية من التفاعل الداينميكي لأشارات من ثلاث مصادر : أشارة الأحساس من الجلد، العضلات و الأحشاء ؛أشارة من القشرة الجبهية ؛ و معطيات من الأعصاب الأنعكاسية، التي تتجاوب مع تفاعلات الأعصاب الأصلية في دماغ أشخاص آخرين! من هذا فأن التراوح الفيسفائي في نشاط الدماغ يظهر الأحساس بالجسم المختلف عن الآخرين والخاص بك.
ترجمة : nabaa mahboba