الأحلام الواضحة هي التجربة الحسية الاكثر غرابة، وتحدث هذه التجربة عندما ترى حلماً في منامك وفجأة تدرك انك تحلم، دون ان تستيقظ. وعندما تدرك انك داخل حلم يمكنك ان تقرر الاستيقاظ او الاستمرار في الحلم. مع الاحتفاظ بميزة هامة، الا وهي انه بامكانك ان تغير ما تشاء في الحلم، لانه مصنوع بشكل كامل من قبل دماغك. كما هو الحال مع نيو (Neo) في فلم “المصفوفة The Matrix”، فيمكن لاي شخص اختراق قوانين الفيزياء. ويصبح بامكانك ان تطير او ان توقف الرصاص بيديك فقط او حتى ان تقوم بلكم الاشرار بشكل سحري. فكما يقول احد العرافين في الفلم “لا توجد ملعقة” كتنبيه الى ان كل شيء في الحقيقة من صنع دماغك.
اتذكر اول تجربة للحلم الواضح قد اختبرتها وانا في عمر 4-5 سنوات. حيث حلمت باني كنت انتظر امي وهي تشتري جرائد من كشك قريب مني، وفجأة ظهر وحش ما، واعتقد انه كان وحشاً فيلسوفاً. لانه كان مهتم بالمعضلات الاخلاقية، فقد طلب مني ان اختار شخصاً ليأكله اما انا او امي، واذا لم اقرر سوف ياكلنا نحن الاثنين معا. وكانت والدتي تبعد عني بضعة امتار ولم تكن تعلم شيء عن الوحش، فقد شعرت اني لا استطيع التحرك. فأنا لم اكن ارغب بان اؤكل، وكذلك تناول امي امامي شيء لا يمكن وصفه. فانا لم امر بموقف كهذا طوال حياتي القصيرة. وفجأة خطر على بالي فكرة “ان كان هذا الامر فضيعاً جدا لكي يكون حقيقياً، لا بد ان يكون مجرد حلم” فاستيقظت.

وقد مررت بعدها بالعديد من الأحلام الواضحة، في بعض الاحيان امر بتجربة الحلم الواضح مرتين في الشهر، واحيانا تمر سنة كاملة بدون ان ارى اي حلم واضح. فكما تبين ان القدرة على الخضوع لتجربة الحلم الواضح تختلف من شخص الى اخر.

وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة علوم الاعصاب (Journal of Neuroscience)، وضحت ان قدرة الاشخاص على رؤية الحلم الواضح تتباين حسب قدرتهم على “ما وراء المعرفة metacognitive”* وهي القدرة على التفكير والابلاغ عن حالة شخص ما العقلية.
وشملت الدراسة عدة اشخاص، حيث قاموا بملئ استمارة استبيان مصممة لمعرفة عدة امور عن الأحلام الواضحة، من هذه الامور مدى شدة وتكرار الأحلام الواضحة، ودرجة السيطرة داخل الحلم الواضح. بالاضافة الى معرفة مهاراتهم الما وراء معرفية، مثل التأمل الذاتي والوعي الذاتي. وقد خضع الاشخاص الذين اجريت الدراسة عليهم لتصوير الدماغ اثناء قيامهم بمهمة رصد الافكار. وتم تصوير ادمغتهم مرتان ولمدة 11 دقيقة، حيث قام الباحثون بتقييم افكار الاشخاص الذين خضعوا للدراسة والتي دخلت الى ادمغتهم عن طريق تأثير الخارجي، والتأثير الداخلي. فالافكار ذات التأثير الخارجي تعني الافكار المتعلقة بالبيئة الخارجية، مثل المحيط البصري والضوضاء والماسح الضوئي. بينما تعني الافكار ذات التأثير الداخلي هي التي لا ترتبط بالبيئة بشكل مباشر، مثل تذكر الاحداث الماضية او وضع خطط يومية.
وقد وجد الباحثون ان ادمغة الاشخاص الذين مروا بتجربة الحلم الواضح بكثرة مختلفة عن ادمغة الاشخاص الذين قلما يمرون بتجربة الحلم الواضح. فالاشخاص الذين يرون الحلم الواضح بشكل اكبر فهم يمتلكون حجم اكبر من المادة الرمادية في القشرة الجبهية القطبية مقارنة مع الاشخاص الذين لا يرون الحلم الواضح بشكل متكرر. وقد اظهرت هذه المنطقة في الدماغ نشاط عالي عند مراقبة الافكار عند المجموعتين، ولكن عند من يرون الأحلام الواضحة كان نشاطها اعلى. استنتج العلماء ان الحلم الواضح يشارك ما وراء المعرفة في بعض الاليات الاساسية، ولا سيما فيما يتعلق برصد الافكار. وقد كان يعتقد ذلك في السابق، الانها المرة الاولى التي يتم التأكد من هذه الفكرة على المستوى العصبي.

ربما تطلعنا الدراسات المستقبلية عن الكيفية التي يمكننا من خلالها تدريب انفسنا على مراقبة افكارنا ونحن مستيقظون، لكي نتحكم بالأحلام الواضحة. وانا شخصيا احب الأحلام الواضحة، بشرط ان لا تتضمن فريدي كروجر (Freddy Krueger)**.

*ما وراء المعرفة –  metacognitive: هي ادراك الادراك، او التفكير في التفكير، او معرفة عن المعرفة. وتاتي باشكال كثيرة منها معرفة “متى وكيف” يمكن استخدام استراتيجيات معينة للتعلم او حل مشكلة ما. وبشكل عام هنالك عنصرين هامين يكونان “ما وراء المعرفة” وهما (معرفة الادراك) و(تنظيم الادراك) [المصدر].
** فريدي كوجر (Freddy Krueger): وهو شخصية خيالي ظهرت في العديد من افلام الرعب، وقد كان شخصا مشوها يهاجم الاشخاص في احلامهم باستخدام قفاز مزود بشفرات حادة [المصدر]. 

المصدر: http://blogs.scientificamerican.com/illusion-chasers/the-neuroscience-of-lucid-dreams/