علم النفس والعلاج النفسي الى أي مدى يقومان على الدليل : عنوان الكتاب هو (علم النفس يذهب بالاتجاه الخاطئ : الجانب المظلم في العلم والعلاج) من تأليف توماش فيتكوفيسكي (Tomasz Witkowski) و ماتشي زاتونسكي (Maciej Zatonski)، ويتكوويسكي هو عالم نفس، كاتب علمي والمؤسس لنادي المشككين البولندي. زاتونسكي دكتور جراح وباحث عرف من خلال فضح العلاج الغير علمي والمطالبة بالعلاجات الطبية. كلاهما سلطا الضوء على البحث والعلاجات في علم النفس. وقاما بكشف بعض الاختلالات الكبيرة وكشفوا ان معظم مبادئ العلوم النفسية المقبولة اسست على الاساطير وناقشوا أن العلاج النفسي هو عمل او نوع من البغاء وليس أمراً مبنياً على الادلة والاساليب الطبية الفعالة. والسؤال فيما ان العلاج النفسي يجب ان يكون موجود بما انه في معظم الحالات لايعطي اي فوائد تتعدى الفائدة التي ننالها من خلال التحدث الى صديق عن المشكلة وفي بعض الاحيان قد يسبب العلاج النفسي ضرراً.
البحث
كشف الكتاب كيف أن السيطرة المجتمعية هي امر يشبه التعقيم القسري، مثلاً التطبيقات اللامنطقية المشكوك فيها كإختبار QI والذي يتم بنصح وترجيح من النفسانيين الذين يعتمدون على افكارهم بدلاً من الادلة التجريبية والدراسات العلمية وايضا يتكلم الكتاب عن قصص مرعبة حول الباحثين الذين كذبوا واقتبسوا وانتحلوا وزيفوا او حتى فبركوا المعلومات واقترفوا تزوير الكتابات مرات ومرات. وفي بعض الاحيان الدراسات المزورة كانت مقبولة بل وأصبحت اساساً لنصح وعلاج المرضى. وقد جادل الكاتبان حول الشفافية في البحث وعرضوا ماهية الصعوبات لحصول الاخرين على المعلومات الخام من الدراسات حتى عند رغبة الباحثين بتزويدهم بهذه المعلومات.
لقد قام المؤلفان بتقديم حلول لزيادة الشفافية وتعزيز مشاركة البيانات. وناقشوا مشاكل تحكيم الاقران، سياسات التحرير، وسوء تصميم الدراسات، عدم نشر الدراسات السلبية، والفشل في اعادة التجارب الايجابية. وهذا يظهر كيف يخلق ذلك من اشكاليات حيث اصبحت النظريات النفسية غير مرغوب فيها بشكل افتراضي.
فلنتذكر تجربة البرت الصغير؟ البرت رضيع صار عينة دراسية لمعرفة مدى تطور الخوف من الفأر الابيض بواسطة عرض فأر ابيض على الطفل مع ضوضاء كبيرة في نفس الوقت. وكانت هذه لاثبات النظرية الشائعة بأن المخاوف تنمو لدى الاطفال لتصبح فوبيا عند البلوغ. وقد قبلت مباشرة كدليل على انها تجربة حول فترة الطفولة المبكرة وكيف انها من الممكن ان تخلق خوف مستمر يمتد لجميع الاشياء المتشابهة (في هذه الحالة لاي شي ابيض ومشعر). معظم كتب علم النفس المنهجية حرفت نتائج هذه التجربة. اذ سجلوا عمراً خاطئاً للطفل وقالوا انه وضع مع ارنب ابيض (لإظهار تنوع المؤثرات التي تعرض لها الطفل زيفاً اذ انه لم يتعرض سوى للفأر الابيض) وصنعوا حافزاً اخر وذلك على افتراض ان الطفل تفاعل مع الامر مثلما يتفاعل الجرو او الدب الصغير.
بعض الكتب المنهجية وصفت كيف ان الباحثين فيما بعد غيروا ظروف البرت غير أن ذلك لم يحدث ابدا. البحث اعد بينما كان البرت في المستشفى و قد علموا انه سوف يغادر المستشفى قريبا وانه سوف يكون من المستحيل تكملة البحث وقد قرروا عن عمد عدم تغيير الظروف بالنظر لقصر الفترة، وقد توفي البرت في عمر السادسة بسبب تضخم في الدماغ لذلك ليس هناك اي طريقة لمعرفة فيما اذا انه سوف يصاب بالفوبيا طوال حياته (الى هذا الحد تم تكبير هذه التجربة الفاشلة وتداولها في ادبيات علم النفس).
يكشف الكتاب عن مشاكل السيطرة المجتمعية في المجتمع العلمي في علم النفس. العلماء الذين كشفوا عن اشكاليات في ابحاث اقرانهم فشلوا في الابلاغ عنها بنسبة 36% من القضايا و69% ممن ابلغوا عن سوء السلوك في الابحاث كالتزوير تلقوا نتائج سلبية من الاوساط العلمية على اثر الابلاغ عنها.
الافكار الشائعة المشكوك فيها التحليل النفسي
التحليل النفسي قلعة بنيت من الرمال. الاكتشافات اظهرت فشل او فبركة فرويد للمعلومات التي استخدمها لبناء نظريته وان منهاجه كان غير علمي هو لم يختبر افكاره باي تجربة قد تثبت فشل اعتقاده وقد اهمل الحقائق التي تعارض معتقداته، كثير من افكار فرويد الاصلية المقترحة جاءت من كُتاب آخرين. كيف اكتشف العقد النفسية في الوقت الذي لم يكن احد من مرضاه ابداً ذكر انه امتلك مشكلة مماثلة؟ الجواب كان في رسالة قد كتبها فرويد لاحد اصحابه قائلا ” لقد وجدت نفسي في حب دائم لأمي كما أنني اشعر بالغيرة من والدي، انا اعتبر ذلك حدث عالمي في فترة الصبا” وهو بذلك يتحدث عن اسقاط وتاكيد التحيز.
التحليل النفسي كان اقل فعالية من العلاج الوهمي عند اختباره. نظرية فرويد قد دحضت ولا احد من العلماء والمتدربين يأخذها على محمل الجد في يومنا هذا. ولكنها مازالت قائمة كرأي شائع وكواحدة من الشرائع الاساسية لعلم النفس.
تجارب مرحلة الطفولة
ويتكواوسي وزاتونسكاي اعطوا ادلة كثيرة تدحض الاساطير الآتية حول خبرات مرحلة الطفولة:
- الشخصية تشكلت بواسطة خبرات الطفولة المبكرة.
- خبرات الطفولة المبكرة هي السبب في الاضطرابات العقلية.
- العلاج النفسي الفعال يعتمد على اعادة تشكيل خبرات مرحلة الطفولة.
الخوض في ذكريات الصبا احيانا يسبب مشاكل جدية ويقود لتجاوزات علمية رهيبة مثل فكرة تعافي حركة الذكريات. فكرة الذكريات المكبوتة والمتعافية اختراع اوجده المعالجين النفسيين. المرضى يغشون حول الامر بسهولة وذلك بسبب ان الفكرة تزودهم بكبش فداء ملائم ليشرحوا مشاكلهم وتكشف الطريقة مسؤولياتهم عن عدم القدرة على التعامل مع حياتهم. علماء النفس الاكاديميون يتحملون الكثير من اللوم لفشلهم في تحديد هذه الزلات بالاثبات التجريبي وايضا لفشلهم بالافصاح واستنكار النظريات الفاشلة.
الاعتداءت الجنسية في فترة الصبا
النتيجة المثالية في الاعتداء الجنسي في فترة الصبا ليست المرض النفسي بل قدرة الشخص على العودة للوضع الطبيعي. الدراسات وجدت انه ليس هناك ارتباط مع الاضطرابات العقلية في مرحلة البلوغ حتى عندما يكون الاعتداء متكرر وشديد. اقل من 10% من الضحايا سببت لهم الاعتداءت الجنسية صدمات حال وقت حدوثها. الاعتداءات الجنسية في فترة الصبا أمر مقرف بحد ذاته ولا حاجة لنشر اشاعات بأنه سبب لنشوء امراض عقلية عند البلوغ. وهؤلاء الذين اشاروا لنتائج البحث مثل بروس رايند (قام بدراسات اوضحت عدم وجود علاقة بين الاضطرابات النفسية في البلوغ والاعتداء الجنسي في الطفولة) يجب ان لايتهموا بانهم مدافعين عن الجريمة بل بأنهم اوضحوا الحقيقة.
العلاج النفسي
تداخلات العلاج النفسي اشارت على انها غير ناجحة عموما. واحد فقط من المتغيرات في العلاج النفسي دعمت بأدلة مقبولة: وهو العلاج السلوكي الادراكي. ليس هناك ارتباط بين تدريب المعالجين او خبراتهم مع نتائج المرضى. الهواة حصلوا على نتائج متساوية مع المعالجين النفسيين المختصين. الفوائد من العلاج النفسي قد لاتكون افضل من نتائج التحدث الى الاصدقاء، النفسايون يدفع لهم ليمثلوا دور الاصدقاء والذي من شانه ان يكون نوعا من البغاء.
مخاطر العلاج
العلاج قد يؤدي الى مخاطر حقيقية وقد يقود للانتحار. هو يشجع على الاعتماد، التفاؤل الزائف والتخلي عن المسؤوليات. ليس هناك دراسة واحدة اظهرت تفوقها على طرق اخرى لاجل معالجة مدمني الكحول وفي الحقيقة نتائج المرضى غير المعالجين افضل او مشابهة للمرضى الذين تمت معالجتهم. سوء السلوك الجنسي لدى المعالجين اصبح شائعا جدا لذلك شركات التامين رفضت التامين عليهم.
ماهي البدائل
هل نستطيع تبديل العلاج النفسي باشياء اخرى؟ هل يستطيع النموذج”salutogenic“ (وهو مصطلح يركز على عوامل صحة الانسان بدلا من عوامل المرض) الجديد ان يحل محل نموذج الممرض بواسطة التركيز على مرونة الانسان وتأقلمه؟ الصحة العقلية تتمثل بالتزام، بالاعتقاد ان لديك السيطرة على حياتك، وبواسطة الفهم ان التغيير، وليس الثبات هو العنصر الطبيعي السائد في الواقع. الصلابة موروثة الى حد كبير لكن من الممكن تطويرها بواسطة التعرض للضغط.
الاعمال النفسية
العلاج النفسي هو مهنة اكثر من كونه علاج. علاجات وهمية كثيرة، مؤلفي الكتاب خصصوا فصلين للبرمجة اللغوية العصبية (NLP)، تبين كيف أنها وضعت وازدهرت دون أي أساس، وكيف لعب البحث العلمي كمسرح متأنق لمسرحيات زائفة، كيف تم تسخير الاكاديمية وكيف ان المجتمع العلمي غير المسؤول فشل في شجبها.
ومن جهة اخرى ذكر احد المؤلفين كيف ان الان سوكال (Alan Sokal) قام بخداع مجلة بحثية لعلم النفس العلاجي بهدف فضح لاعلميتها (سوكال نفسه قام بخداع مجلة مختصة بعلم الاجتماع) نشر سوكال مقالة زائفة حول علاج جديد قام هو باختراعه بالاعتماد على احد مفاهيم العلوم الزائفة عن “حقول التشكل الجيني” لروبرت شيلدراك (Rupert Sheldrake). اخترع سوكال واقتبس من الابحاث بشكل شنيع، وعرض اشارات واضحة حول ما كان يفعله لكن المحررين لم يلاحظوا ذلك. لقد كان لدى المحررين بعض الاسئلة، لكن سوكال وضع اجوبة غير مفيدة وتقبل المحررون اجوبته. وحال النشر قام سوكال بفضح المحررين وتوضيح فشلهم بالقيام بمسؤولياتهم لحماية قرائهم من المعلومات الخاطئة والتوصيات المضرة.
سوكال اجرى اختباراً لـ 172 مواطن قرأو المقالة : 77% قالوا انهم سوف ينصحون اصدقائهم بقرأتها و61% سوف ينصحون بالعلاج المخترع لشحص يعاني من مشاكل نفسية. انه لمن المخيف التفكير بكيفية التجارة بالعلاج الجديد ببساطة وكيف لشخص أن يصبح غنياً بواسطة ما ينفقه المرضى. في الحقيقة بعد ان كشفسوكال ذلك وانها كانت خدعة، حصل على رسالة من رجل اصر انها ليست خدعة. قال الرجل أنه كان يفكر طويلا في نفس الخطوط وقد وصل الى نفس الخاتمة.
التفاعل للعلوم الزائفة
في الفصل الختامي، وصف المؤلفان الستراتيجيات التي وظفت من قبل مختصي علم النفس وهي تتعلق بالعلوم الزائفة:
- البقاء غير مبال والحفاظ على الصمت.
- التقليل من شأن المشكلة (فال جونز اطلق عليهم “seiggurhs” اولئك الذين لايشعرون بالحاجة للتفاعل بسبب اعتقادهم انه ليس صفقة كبيرة ويسبب ضرر قليل).
- مهاجمة النقاد بواسطة الكلام عن جدارتهم و حتى اتهامهم باالمرض العقلي بدلا من مواجهة الادلة.
- التحدث ومنح الاوهام دون ان تفعل شيئاً فعلياً. تشجيع المزيد من النقاش الخاطئ دائما.
- القبول السلبي للانتقاد.
- العًداء المتغطرس. تحقير ممارسي العلم الزائف (بغرض ان يبدون بعيدين عنهم) واستخدام الكلمات مثل الثرثرة النفسية، مامبو-جامبو، الدجل و فلم فلام.
- فتح النقاش الفعلي، هي احدى اكثر الستراتيجيات ثمرة لكنها الاقل شيوعا بين المعالجين النفسيين.
الخاتمة
قد تجد بعض تلك الافكار غير محبذة او مشكوك فيها. اذا كان كذلك، اتمنى ان تقرا الكتاب وان تعطي المؤلفين رأياً منصفاً حول افكارهم. الكتاب يضم مراجع جيدة، ويتكلم بمنطق جيد وهو مملوء بالمعلومات حول حالة علم النفس في الوقت الحاضر. انه يكشف الكثير الملابسات القذرة التي من شانها ان تكون ممتعة لاي قارئ. انا اتفق مع جيمس الكوك (James Alcock) استاذ العلم النفسي في جامعة يورك الذي ذكر في رأيه في نهاية الكتاب انه يجب قراءته من كل نفسانيوكل طالب في علم النفس و ايشخص يتأمل أو يفكر في العلاج النفسي. لدي نقد واحد للكتاب، الانكليزية هي ليست اللغة الام للمؤلفين. هنالك اشكاليات عدة في التعبير و حتى اخطاء في القواعد والاستخدام. هنالك سوء فهم احياناً حول ما يعنيه المؤلفون لكن المحرر جيد يستطيع عمل تحسينات كثيرة في نصهم.
قام بالقراءة في الكتاب الطبيب والمشكك الامريكي هارييت هول (Harriet Hall)