برتراند راسل (1872 ـ 1970): فيلسوف وعالم رياضيات بريطاني. تناول في كتاباته القضايا الاجتماعية والسياسية أيضا، وكان من دعاة السلام طول حياته. قاد وهو في التسعين من عمره الاحتجاجات ضد الاختبارات النووية، وكان المحرك الأول في تأسيس المحكمة الدولية التي نظرت في الجرائم التي اقترفها الأمريكيون أثناء حرب فيتنام.وهو كاتب غزير الإنتاج اصدر ما يزيد عن ستين كتاباً تراوحت بين الرياضيات والفلسفة والشؤون السياسية.صباح صديق الدملوجي: مهندس ميكانيك، عمل في الصناعة النفطية، ومن ثم في توفير الإسناد الهندسي للبحوث العلمية. ويتولى تسويق الكتاب وتوزيعه مركز دراسات الوحدة العربية.
ينتمي راسل إلى أسرة إنجليزية نبيلة تعود بألقابها إلى منتصف القرن السادس عشر. ولد عام 1872 وكان الإبن الثاني للفيكونت أمبرلي، وأمه كاثرين ابنة البارون ستانلي. أما جده لأبيه فهو (جون راسل) الذي تولى رئاسة الوزارة البريطانية بصفته رئيساً لحزب الأحرار مرتين خلال القرن التاسع عشر. توفي أبواه وهو لم يبلغ الرابعة من عمره فتولت جدته لأبيه تربيته. دخل كلية ترينيتي في جامعة كامبردج سنة 1890 حيث تميز بذكائه الخارق وحصل على مرتبة الشرف الأولى في الرياضيات سنة 1893، وفي العلوم الأخلاقية سنة 1894. قام إثر تخرجه بالتدريس في أمريكا، ثم ذهب إلى ألمانيا حيث اختلط بالاشتراكيين والماركسيين، وحصل بعد ذلك على منصب تدريسي في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية، وهي إحدى كليات جامعة لندن. في بداية القرن العشرين تحول راسل فجأة إلى داعية للسلام وعارض حرب البوير التي نشبت بين بريطانيا والمستوطنين البيض (الأفريكان) من الأصول الهولندية في جنوب أفريقيا. في أثناء الحرب العالمية الأولى قاد راسل حملات ضد الحرب وغرم مبلغ مئة جنيه استرليني عام 1916 لمعارضته الحرب، كما طرد من منصبه التدريسي الذي كان يشغله آنذاك في جامعة كامبردج. واستمر راسل بعد ذلك في كفاحه، ما أدى إلى سجنه لمدة ستة أشهر في عام 1918. زار الاتحاد السوفياتي وتنبأ بالإنحراف الذي سلكه النظام في الفترة التي عرفت في ما بعد باسم (الستالينيية). أيد سنة 1938 سياسة الاسترضاء التي اتبعتها الحكومة البريطانية مع هتلر في اتفاقية ميونيخ، لكنه بعد نشوب الحرب أيد الجهود المبذولة لدحر هنلر واعتبر ذلك “مقدمة ضرورية لأي شيء حسن”. قضى بضع سنين كمحاضر في أمريكا ثم عاد إلى إنجلترا عام 1944 ليصبح زميلاً في كلية ترينيتي في كامبردج وأستاذاً فيها. حظي في الفترة التي تلت ذلك بشهرة واسعة واحترام كبير جداً، تعززاً من خلال منحه جائزة نوبل للآداب سنة 1950. لكن تمتعه باحترام الطبقة المتنفذة في بريطانيا بدأ يتضاءل بسبب راديكاليته السياسية، واقترن ذلك بازدياد تقبل الشباب والمنظمات اليسارية لآرائه. كانت محاضرة راسل المعنوية “الخطر على الإنسان” التي أذاعتها هيئة الإذاعة البريطانية سنة 1954 نقطة تحول جديدة في حياته، فقد هاجم فيها بشدة اختبارات القنبلة الهيدروجينية التي أجرتها الولايات المتحدة في جزيرة بيكيني. وتلا ذلك إعلان الاحتجاج الذي أصدره مع إينشتاين وبعض الحائزين على جائزة نوبل ضد الاستخدامات الحربية للطاقة الذرية. انتخب عام 1957 رئيساً لندوة باغووش التي ضمت العلماء الذين عارضوا هذا الاستخدام وكان المحرك الأول في حملة نزع السلاح النووي التي بدأت عام 1958 وانتخب رئيساً لها أيضاً، لكنه استقال عام 1960 لينشئ (مجموعة المئة) التي هدفت إلى التحريض على العصيان المدني في سبيل نزع السلاح النووي، وقاد بنفسه مع زوجته الجموع التي شاركت في العصيان وحصل على حكم بالسجن لمدة شهرين تم تخفيضها إلى أسبوع واحد. ورغم بلوغه التسعين فإنه قام خلال أزمة الصواريخ الكوبية بالتدخل مع رؤساء الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة من أجل منع نشوب الحرب. من المناسب أن نذكر شيئاً عن معتقدات راسل في ما يخص الدين، فقد كان يعتقد أن الدين ليس إلا خوفاً من المجهول، رغم أي تأثير إيجابي قد يكون له، وأنه عامل ضرر للبشر. واعتبر الشيوعية وبقية المبادئ الأيديولوجية الحتمية نوعاً من الأديان، وقال إن الدين يعوق المعرفة ويعزز الخوف، وأنه مسؤول عن العديد من الحروب وعن قدر كبير من الاضطهاد والشقاء اللذين ابتلي العالم بهما. وإضافة إلى أعمال راسل الأصيلة والعميقة في الفلسفة والرياضيات، كان لديه وقت وجهد وافرين ليساهم بآرائه عن الواقع الاجتماعي والسياسي لبلده بريطانيا وللعالم بصورة شاملة. وهو واحد من ذلك الطراز النادر من الرجال الذين ازدادوا راديكالية مع تقدم العمر. كتابه هذا هو مجموعة من المحاضرات ألقاها في كلية رسكن في أوكسفورد، كما أعاد إلقاء ثلاث منها في جامعة كولومبيا في نيويورك. أما الفصل الأخير فهو محاضرة منفصلة ألقاها في الجمعية الملكية للطب في لندن. نشرت هذه المحاضرات بهيئة كتاب لأول مرة عام 1952. هذا الكتاب ليس فلسفياً عميق المفاهيم أو صعب المنال، بل هو كتاب لجميع المثقفين ممن يرغبون في الإطلاع على وجهة نظر ممحصة لمواضيع تعتبر ذات أهمية فائقة في حياة البشرية، فالعلم -كما يبين لنا راسل- يتيح للإنسان مستوى من الرفاهية أفضل مقارنة بأي شيء في العصور السابقة، إلا أن هذا الرخاء ربما يكون حالة آنية قد نفتقدها خلال جيل أو جيلين، ذلك لأن العلم -كما يعرض لنا المؤلف- يتيح لنا كل هذا الرخاء بشروط، وإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن المردود السلبي للعلم سيفوق مردوده الإيجابي أضعافاً مضاعفة. إن سلوكنا كبشر في العقود القليلة القادمة سيقرر إمكانية استمرار هذا الرخاء وانتشاره ليشمل كافة أصقاع المعمورة (وهذا شرط أساسي حسب رأي المؤلف) أو انكفائه ليعود بنا إلى العصور الهمجية. والشروط الأخرى، بخلاف شمول الرخاء لكل أصقاع الأرض، هي: التخلص من الحروب، واستقرار عدد السكان، وتوزيع السلطة ضمن حكومة عالمية بصورة عادلة، وتوفير عنصر المبادرة للأفراد في العمل وفي اللهو… إنها شروط قاسية، لكن المؤلف متفائل حول إمكانية تحقيقها، إذ يعتقد أن الإنسان لا بد أن يلجأ إلى خيار العقل بدل خيار الموت. وسيلاحظ القارئ أن العديد من المشاكل التي تناولها المؤلف لا تزال قائمة، لا بل أن بعضها قد تفاقم، كما إن معظم توقعاته قد برهن الزمن على صحتها. لذا، فإن الكتاب مؤلف (كلاسيكي) لا ينال من قيمته تقادم الزمن وتصح قراءته اليوم كما صحت يوم نشر لأول مرة. هنالك شيء مؤسف، هو أن راسل توفي قبل أن يرى ثورة الإلكترونيات والحاسبات التي رفعت التقنية العلمية إلى مستوى لم يكن معهوداً زمن ألقى محاضراته التي نشرت بهذه الهيئة. لا شك أن التغييرات التي أحدثتها هذه الثورة الجديدة في التقنية والطريقة التي يمكن أن تؤثر بها على مستقبل الإنسان تفتح أفاقاً جديدة هائلة تضاف إلى ما عالجه المؤلف. وسيكون للتكنولوجيا النانوية وللهندسة الوراثية تأثير أكبر بكثير من الحاسبات والإلكترونيات خلال النصف الأول من هذا القرن، وسيتمكن من يمتد به العمر من معايشة تأثيراتها. وقد توقع المؤلف مثل هذه التطورات، إذ قال إن التقنية العلمية وتأثيراتها لا يزالان في المهد. أما إلى أين سينتهي بنا المطاف. فعلم ذلك عند ربي. إن الفصل الثالث من الكتاب حول (التقنية العلمية في الحكم الأوليغاركي) ذو أهمية خاصة للقارئ العربي. فغالبية الحكومات في العالم العربي أوليغاركية إلى حد ما. ويشمل هذا التعبير أي نوع من الحكم تنفرد فيه مجموعة من المجتمع فقط بالسلطة دون غيرها من مكونات المجتمع. وبطبيعة الأشياء يكون هذا النوع من الحكم شمولياً. لكن ما يطمئن هو أن الأوليغاركيات العربية ليست (علمية) إلى الحد الذي تمثل خطورة مستديمة. كذلك فإن استنتاج المؤلف باستحالة استمرارية الحكم الأوليغاركي ما لم يعم العالم كله تعطي الفرد العربي الأمل بزوال هذا المد من الحكم الشمولي.