كتاب من تأليف ليديا كانغ ونيت بيدرسون عنوان الكتاب بالانجليزية (Quackery: A Brief History of the Worst Ways to Cure) صدرت ترجمته حديثاً من دار نابو للمترجمة في العلوم الحقيقية رؤى الشيخ وفيما يلي مقدمة الكتاب:
اُستخدمت كلمات شتى عبر التاريخ كالدّجال، والمشعوذ، والمحتال، والمخادع، لوصف أولئك الذين استغلوا خوفنا من الموت والمرض وتاجروا بسلع لا تعمل أو ربما سببت الأذى أو أودت بحياتنا في بعض الأحيان. لكن الدجل لا يكون دائماً خِداعاً صريحاً. على الرغم من أن المصطلح يُعرّف عادة على أنه ممارسة وترويج لعلاجات طبية خرافية عن قصد، إلّا أنه يتضمن أيضاً الحالات التي يروّج فيها الناس لما يؤمنون حقاً بأنه يُجدي. ربما يتجاهلون أو يتحدون الحقيقة العلمية، أو ربما عاشوا قبل قرون، قبل أن يدخل المنهج العلمي وعي الحضارة. يمكن أن يُنظر لعلاجات مثل خصيتي ابن عرس كوسيلة لمنع الحمل، والفصد للمساعدة في علاج نزيف الدم، والكي بالحديد المتوهج لعلاج مرض الحب، من خلال عدسة العصر الحديث على أنها سخيفة تماماً.
ولكن وراء كل علاج مضلل – من أكل العثمانيين الطين لإبقاء الطاعون بعيداً إلى رجال العصر الفيكتوري الذين كانوا يجلسون في غرفة بخار الزئبق لعلاج مرض الزهري إلى مرضى الصرع وهم يحتسون دماء المصارع في روما القديمة- قوة مذهلة للرغبة البشرية في العيش. وهذا الدافع مصدر إلهام محض: نحن على استعداد لالتهام الجثث وحتى تعريض أنفسنا للزيت المغلي، وتحمل العلاجات التجريبية مثل ديدان العلق، وكل ذلك باسم البقاء.
يقود هذا الدافع أيضاً إلى ابتكارات مدهشة. بعد معركة طويلة لتحقيق معدلات وفيات أقل (وتخفيف الصراخ من الألم)، يقوم الأطباء الآن بالجراحة بعد تخديرنا دون أن نشعر بألم. ودون أن يقطر القيح من أيديهم جرّاء حالة جراحية سابقة أجروها. يمكننا محاربة السرطان على المستوى الجزيئي، بطرق لم يحلم بها أسلافنا. لم تعد الأمراض مثل الزهري والجدري عبئاً ثقيلًا على المجتمع. من السهل أن تنسى أنه على طول الطريق إلى هذا التقدم، تعرّض المبتكرون للسخرية والعار؛ وعانى المرضى من أخطاء أطبائهم، بل وماتوا في غالب الأحيان. لم يكن ليحدث أي من هذه الإنجازات الطبية اليوم دون تحدي الوضع القائم حينها.
لكن هناك بالطبع جانب مظلم. تلك الرغبة في الشفاء والعيش لفترة أطول هي حالة إدمان كإدمان الأفيون. ينتحل العلماء شخصية إيكاروس يحاولون أن يبذلوا ما بوسعهم لجعل الأدوية أكثر فعالية وقوة. كان الأباطرة يرسلون الخيميائيين لديهم في مهام سخيفة لكشف أسرار الخلود. وكان الدجالون يقررون أنك بحاجة إلى زرع زوج جديد من خصيتي الماعز. في بعض الأحيان، نكون في أمس الحاجة إلى علاج، ونجرّب أي شيء، حتى وإن كانت تحاميل مُشعّة.
لنكن صادقين، إن التمتع بالصحة الجيدة ليس أمراً كافياً بالنسبة للكثيرين منا. نحن نريد المزيد من الشباب الأبدي والجمال المثالي والطاقة اللامحدودة وفحولة زيوس. وهنا بالضبط يزدهر الدجّال. هذا هو المكان الذي نبدأ فيه في الاعتقاد بأن رقائق الزرنيخ ستمنحنا بشرة نضرة وأن إكسير الذهب المخادع سيصلح قلوبنا المكسورة.
ادراكنا المتأخر لذلك يجعلنا نسخر ببساطة من الكثير من العلاجات الواردة في هذا الكتاب، ولكن لا شك أن الدكتور غوغل Googleقد ساعدك في البحث عن علاج بسيط لمشكلة مزعجة. جميعنا بلا استثناء نسعى لإيجاد حل سريع. منذ مائة عام، ربما كنت أنت الشخص الذي اشترى منشط الإستركنين!
من الواضح أننا بحاجة إلى أن نحمي أنفسنا من الدجالين ومن ذواتنا أيضاً. قاد ظهور براءات اختراع الأدوية في القرن التاسع عشر أمريكا إلى نقطة تحول. وبقانون الأغذية والأدوية النقية عام 1906، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة ضد الملصقات الزائفة والمضللة، والمكونات غير الآمنة في الطعام، وغش المنتجات الطبية والغذائية. في عام 1930، أصبح مكتب المراقبة يُعرف باسم إدارة الغذاء والدواء . (FDA) كما غطّت القوانين اللاحقة في عام 1938 الأجهزة الطبية ومستحضرات التجميل، وأضاف قانون عام 1962 الدّقة العلمية في صناعة الأدوية.
هل عالجت تلك القوانين أمريكا مما فيها من دجل؟ بالطبع لا. بالرغم من التقدم في العلوم الحديثة، وإدارة الغذاء والدواء، والفهم الجيد جداً لكيفية عمل جسم الإنسان، لا تزال مخالب الدجالين تلامس تقريباً كل جانب من جوانب الرعاية الصحية وصناعة مستحضرات التجميل. ولهذا السبب ستقرأ بعض المستجدات العصرية في العديد من فصولنا. بشكل غير مُتوقع تحولت بعض علاجات الدجالين، مثل ديدان العلق إلى علاجات حقيقية وفاعلة. ولكن في العديد من الحالات (مثل تناول الديدان الشريطية لفقدان الوزن)، ما يزال الدجل ببساطة باقياً ومستمراً.
لمواصلة محاربة الدجالين، نحتاج إلى فهم أكثر اكتمالاً لكيفية عمل جسم الإنسان وكيفية عمل المرض. نحن بحاجة أيضاً لأن نُبقي العقول متيقظة لمعرفة طرق مكافحة المرض وزيادة طول العمر. أخيراً، نحن بحاجة إلى البقاء حذرين. سيكون هناك دائما دجالون على استعداد للاستفادة الكاملة من اليأس البشري قبل أن يتمكن العلم والطب من إيجاد حلول قوية.
فكيف يمكن للمرء أن يصبح مستهلكاً حذراً وواعياً وذو عقل منفتح؟ انتبه إلى أن الطب الزائف يعتمد غالباً على الأدلة القصصية، أو على تأييد طبيب مشهور لإقناعنا بنجاحه. انظر أيضاً بشكل أعمق في الادعاءات التي تقول بأن “الدراسات تظهر أن XYZ مذهل.” كان ينبغي إجراء هذه “الدراسات” بصرامة، ومراجعتها من قبل الأقران،
واختبارها بشكل متكرر على يد شخصيات اعتبارية مستقلة لإظهار فعاليتها، ونادراً ما يكون الأمر كذلك. انحيازاتنا الخاصة والانحياز التأكيدي والانحياز للمجموعة والانحياز لتأييد القرار، وغيرها من الانحيازات لها تأثيرات قوية على قدرتنا في تقييم العلاجات المتنوعة منهجياً مثل شراب السعال العشبي، أو صاعق السرطان الإلكتروني، أو حقن الوجه بالبلازما الذي يكلف الكثير من المال.
في النهاية، نصل لبعض الأسئلة البسيطة. هل تصدق أن هناك دليل قوي على أن تلك المنتجات ستعمل؟ هل أنت على استعداد للتأثيرات الجانبية؟ ويجب ألا ننسى، هل تملك المال الكافي لشرائها؟
بعد كل ذلك، يُعد هذا الكتاب في الحقيقة مجرد تاريخ موجز لأسوأ طرق العلاج التي ادعت أنها تعالج كل شيء. لا شك أن هناك المزيد من “أسوأ الطرق” التي لم تأت بعد.