انحياز جديد محتمل في ميدان النشر العلمي تحدده الأبحاث، ألا وهو المحاباة في المجلات العلمية.
بقلم: ستيفن نوفيلا
ترجمة: علي الخطيب
قد يُنظر إلى المشروع العلمي بأكمله على أنه محاولة للتخلص المنظم من الانحياز في نظرتنا إلى الواقع، وهذا على الأقل عنصر جوهري من عناصر المنهج العلمي. ولكن الانحياز قد يكون طفيفاً، وقد يطرأ في مراحل عدة بدءاً من فكرة البحث وحتى الاستشهاد بأبحاث منشورة؛ فمواضيع البحث قد تنطوي على انحياز ما، وطرائق البحث قد تنطوي على انحياز فيما يتعلق بكيفية إنجاز القياسات أو تدوينها أو في المقارنات التي اطُلع عليها أو في الطرائق الإحصائية المستخدمة أو في كيفية جمع البيانات. كما أن الانحياز قد يجد طريقه إلى عملية النشر أيضاً، وإلى الطريقة التي يصل فيها الباحثون إلى الدراسات المنشورة ويقيمونها ويستشهدون بها.
يمكن لمصادر الانحياز هذه جميعاً أن تشوه الدراسات العلمية وبالتالي العملية الأكاديمية والنتائج التي يصل إليها العلماء والأطباء الممارسون، ويرافقها تأثيرات سلبية في مناحٍ عديدة لكيفية قيادة مجتمعنا. ولكن نقطة القوة الأساسية في العلم بأنه (عندما يُنجز بشكل صحيح) يمكنه مراجعة نفسه وتصحيحها. وينبغي لعملية التصحيح الذاتي ألّا تطبق فقط على نتائج العلم، بل على العملية العلمية والمؤسسات العلمية على حدّ سواء؛ وهذه إحدى المهام الأساسية لجمعية الطب السلوكي وهي أن تتفحص وتراجع العلاقة التي تجمع بين تطبيق العلم ونتائج العلم وممارسة الطب وتنظيمه.
في هذا المنحى نحن متيقظون على الدوام لأي فرصة لإلقاء الضوء على أنماط جديدة من الانحياز ضمن مؤسسات العلم، مع تطلعنا إلى كيفية تصحيح هذا الانحياز أو كشفه على الأقل. والمجلات العلمية محط تركيز رئيسي لهذا الاهتمام لأنها المدخل الأساسي للبحث كي يصبح ضمن الدراسات العلمية، وهي المرجع الرسمي للدليل العلمي. يمكن أن يكون للانحيازات في الكيفية التي تقرر بها المجلات العلمية ما الذي ستنشره أثراً عميقاً على الدراسات العلمية، ولهذا تستحق الكثير من الاهتمام؛ وقد ناقشنا سابقاً على سبيل المثال تأثيرات المجلات المخادعة [وتسمى المفترسة أيضاً]، والميل لعدم نشر الدراسات السلبية أو التكرارات الدقيقة لها، والتحديات المختلفة للوصول المفتوح في مقابل النماذج التجارية التقليدية للمجلات.
والآن يمكننا أن نضيف ظاهرة أخرى إلى قائمة الانحيازات الممكنة في المجلات العلمية ألا وهي المحاباة فيها.
ففي مراجعة شاملة للمنشورات في ٥٤٦٨ مجلة من مجلات الطب البيولوجي المفهرسة في المكتبة الوطنية للطب بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٩، درس سكانف وآخرون توزّع المؤلفين في كل مجلة، وقد استخدموا مقياسين لقياس ذلك وهما: النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً (PPMP)، ومؤشر جيني (مستوى عدم المساواة في توزيع التأليف بين المؤلفين).
وجد الباحثون أن وسيط النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً في المجلات المُراجعة يبلغ ٢.٩٪، ما يعني أن ٣٪ تقريباً من الأوراق البحثية التي تنشرها هذه المجلات تعود للمؤلف ذاته. كما استخدموا أيضاً نموذج انحرافين معياريين، وحددوا قطع الـ ٩٥٪ للنسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً، ووجدوا أن ٩٥٪ من المجلات العلمية تبلغ النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً لديها أقل من ١٠.٦٪، أو أن ٥٪ منها تبلغ لديها النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً ١٠.٦٪ أو أكثر. كما ارتبط ارتفاع النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً بارتفاع في مؤشر جيني، ما يشير إلى أن توزيع المؤلفين غير عادل أو منحاز بدرجة مرتفعة. وأيضاً، وربما يكون الأكثر خطورة أنهم وجدوا ترابطاً بين المؤلفين المحددين الأغزر إنتاجاً والاختزال في الوقت اللازم للنشر، كالنسبة المئوية للأوراق العلمية المنشورة خلال مدة ثلاثة أسابيع من تسليمها؛ وهذا ربما يدل على عملية مراجعة مستعجلة بل وغير وافية حتى.
ولكن الترابط الأبرز الذي وجدوه كان أنه من بين نسبة ٥٪ من المجلات الأعلى بالنسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً، كان المؤلف الأغزر إنتاجاً في ٦٠٪ من هذه الحالات عضواً من أعضاء هيئة التحرير.
ويبقى هذا النموذج صحيحاً عندما تؤخذ الأوراق البحثية فقط بعين الاعتبار (لذا لا تحسب المقالات والافتتاحيات التي قد يكتبها المحررون بنسب غير متكافئة). وهذه كانت المجلات التي اعتبر أن فيها «محاباة».
هناك احتمالية في كل مرة يعالج فيها الباحثون الأرقام في مجموعة بيانات ضخمة لوجود عوامل التباس (شكل آخر من أشكال الانحياز). فيمكن أن تكون المجلات الصغيرة ذات المنشورات الأقل مثلاً أكثر عرضة لأن ترتفع فيها النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً، حيث يشكل عدد قليل من المنشورات لذات المؤلف نسبة مئوية مرتفعة؛ في حين تنخفض هذه النسبة بالضرورة في المجلات الكبيرة التي يرسل إليها عشرات آلاف الأوراق خلال الفترة الزمنية هذه؛ فإذاً هناك الكثير من الأوراق التي يمكن لباحث واحد أن يؤلفها. وبالمثل، قد يكون لمجلة علمية ذات مجال ضيق مجموعة قليلة نسبياً من الباحثين وعدد قليل جداً من المجلات لينشروا فيها.
ولكن حتى مع أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار يبدو أن هناك مجموعة جزئية من المجلات المنحازة التي تدعم واحداً أو أكثر من أعضاء فريق تحريرها، وتسمح لهم بنشر عدد كبير من الأوراق البحثية بوجود القليل من العوائق في التحرير أمامهم، ويمكن لهذا أن يكون أسلوباً للتلاعب بالمنهج، ويؤثر على التقدم الأكاديمي وعلى الحصول على المنح. إن هؤلاء المؤلفين من المحررين أيضاً يمكنهم أن يستخدموا هذه الأوراق ذاتها للإحالة المقصودة إلى أوراق أخرى في نفس المجلة (أو في مجلة شقيقة)، وبذلك يتلاعبون بمقياس معامل التأثير أيضاً.
ومن الأمور الهامة الأخرى التي لم تتمكن هذه الدراسة من تفحصها هي الجودة العلمية للأوراق العلمية المنحازة، فبأخذ الانحياز بالمحاباة وانخفاض مستوى المراجعة من هيئة التحرير بعين الاعتبار، هناك مخاوف بتسلل انخفاض الجودة العلمية إلى الدراسات العلمية عن طريق هذا النهج. ولعل القيام بدراسة تتبعية صغيرة يجري فيها تحليل كيفي للأوراق البحثية التي ترتفع فيها النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً ستكون مثيرة للاهتمام. وسيكون من المثير للاهتمام لي الكيفية التي يرتبط فيها هذا العامل بالمجلات التي ترتفع المخاوف بانخفاض الجودة العلمية لديها، كالمجلات الموجودة في مجتمع الطب البديل.
ولعل الإصلاح الجزئي لهذه المشكلة (كما العديد من الأشياء في العلم) هو الشفافية. فلعله يُطلب من المجلات أن تنشر النسبة المئوية للأوراق البحثية للمؤلف الأغزر إنتاجاً ومؤشر جيني لديها إلى جانب عامل تأثيرها (مقياس لتكرار الاستشهاد بها). فلأن المجلات غزيرة الإنتاج قد تخفي ما فيها من أفعال محاباة عن طريق عدد منشوراتها الكبير، فإن نشرها للعدد الصريح للمنشورات التي تعود لأغزر مؤلفيها إنتاجاً قد يفيد. كما أن عدد أو النسبة المئوية للأوراق البحثية التي نشرها في المجلة باحث ينتمي لهيئة التحرير، أو كلاً من العدد والنسبة المئوية، أمر حاسم أيضاً. فعن طريق هذه الشفافية يمكن للباحثين الزملاء والأكاديميين في لجان الترقية على الأقل أن يحددوا بسهولة ممارسات المحاباة الفاضحة، فيقللوا الاستفادة منها.
المقال الأصلي:
Steven Novella, Nepotistic Journals, from: sciencebasedmedicine.org/nepotistic-journals/, November 24, 2021