“سوف ننظر الى الكون من دون تواجد علم الكونيات ,عندها لن نجد شيئا لنراه ,وسيكون الكون فارغا”
حصل البروفيسور براين شميدت الباحث في الجامعة الوطنية الاسترالية في كانبيرا على جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة عام 2011,وجاء في التقرير الرسمي لجائزة نوبل عن اسباب الحصول على الجائزة :((لاكتشاف التوسع المتسارع للكون والذي سيكون من خلال ملاحظة النجوم المتفجرة البعيدة )).
عمل براين وفريقه على التوسع الكوني جذريا والذي غير الفيزياء الفلكية ,حيث فتح الامر مجالا جديدا لعلوم الفيزياء ,وادخل مفهوم الطاقة المظلمة للعالم .
وفيما يلي حوار موسع مع براين عن انجازه العلمي هو وفريق عمله ومستقبل العلوم الفيزيائية وما يمكن ان يسفر عنه:
_سؤال:دعنا نبدا منذ انتقالك من استراليا عام 1994 حتى حققت اكتشافك عام 1998,هل يمكنك ان تشرح لي باختصار ما قمت باكتشافه انت وفريق عملك ,وكيف تم هذا الاكتشاف ؟
_انهيت رسالة الدكتوراه في جامعة هارفارد عام 1993 ,وبدات في زمالة الدكتوراه بمركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية ,والحقيقة انني كنت جزءا من مركزسميثونيان اكثر من انتمائي الى جامعة هارفارد .
في العام 1994 كنت افكر في موضوع بحث يمكنني ان اعمل عليه ,وظهر (ماريو هومي)من تشيلي انذاك ,وعرض علينا اكتشافاته الجديدة عن النجوم المتفجرة التي اظهرت امكانية استخدامها في قياس المسافات بدقة متناهية ,وفي الوقت نفسه ,وبينما كان يحاول (سول بيرلماتر)اكتشاف النجوم المتفجرة لحوالي 6 سنوات فجاة عثر على سبع منها!
فقد كنت ذاهبا للملاحظة في تشيلي عام 1994,واجريت عددا من المناقشات والحوارات العلمية عن الموضوع مع المجموعة اسفرت في النهاية عن خطة فكرت في تنفيذها ,وبمقتضاها فكرت في امكانية ان نقوم بمراقبة وتدوين ملاحظاتنا على فريق (سول بيرلماتر)في قياس سرعة الكون الذي كان يتباطا مع مرور الوقت ,وكان ذلك قبل انتقالي الى استراليا بوقت قصير.
توصلت الى انه على الرغم من ان فريق سول كان يعمل على هذا الامر لوقت طويل ,الا ان فريقنا كان يعمل عليه انطلاقا من فكرة اخرى تتعلق بما يطلق عليه “النجوم المتفجرة”,وبدا لي منطقيا للخروج ومحاولة القيام بهذه التجربة.
عند انتقالي الى استراليا كنت اقوم بمحاولة قياس ما فعله الكون سابقا في الوقت بالنظر الى الموضوعات البعيدة بالفعل.
وعملت على المشروع بكل جهدي من قلبي وروحي منذ وصولي الى استراليا ولمدة ثلاث سنوات ونصف السنة.
_سؤال:هذه احدى القصص المثيرة للاهتمام والتي توضح بدقة فائدة العلم ,فقد كنت في الحقيقة تتوقع العكس تماما لاكتشافك وهو فتح امامك مجالا جديدا لعلم الفيزياء ,هل يمكنك ان تخبرني بالمزيد عن ذلك ؟
_احب دائما العمل على الاسئلة الكبيرة ,فعند قدومي الى استراليا قررت الاجابة عن السؤال الكبيرالخاص بمدى سرعة الكون عند التباطؤ,فقد تبينت ان اجابة هذا السؤال سوف تخبرنا عن الحكم على مستقبل الكون ,فاذا كان التوسع يتباطا بشكل كبير عندها سيصل الكون الى اقصى درجات الجاذبية الارضية والتي ستجعل الكون يعمل بشكل عكسي ,تماما كما يحدث عند رمي الكرة في الهواء ,فسوف تسقط الى اسفل ,بعد فترة من التحليق ,وعندها سيحدث الانفجار الكبير بشكل معاكس.
بعد نحو ثلاث سنوات من بدء الابحاث توالت البيانات ,وعند حديثي مع “ادم ريس” الذي كان يقود هذا العمل (لقد قمنا بتوزيع جميع اجزاء المشروع على الشباب ,وكان ادم واحدا من الشباب في الفريق),وقد كان يقوم بكم هائل من العمل ,وقد اظهرت البيانات ان تمدد الكون لم يكن يتباطا بالمرة بل كان يتسارع ,وقد كان هذا شيئا جنونيا يواجهنا ,فقد كان غير ذي معنى .لقد بدا لنا الامر مستحيلا ,كان شيئا مخيفا جدا عند رؤية النتائج لاول مرة!
_سؤال:كم مرة قمت بالتحقق من النتائج مرتين او ثلاثة ,قبل ان تقرر اعلان الاكتشاف؟
_بداية انت عادة ما تبدا البحث عن المشكلات ,ثم المراجعة واعادة التحقق من كل شيء ,ولكن بعد فترة تجد انك فعلت كل ما يمكنك القيام به ولا يبدو هناك اي خطا ظاهر, وبعدها اعلناها للفريق قائلين ((حسنا يا رفاق لقد وصلنا الى هذه النتيجة المجنونة ,ولو كانت هناك اية اختبارات تشعرون بحاجتكم لاجراءها فسوف نقوم بها على الفور …لكننا نعتقد اننا قمنا بكل شيء))
بعدها مباشرة اثار الفريق كل ما يمكن ان يثار من اسئلة او يرد على الخاطر بخصوص الموضوع ,متتبعين كل ما مررنا به من تجارب ,وكان هذا يحمسنا للمزيد من العمل المتواصل للتوصل الى نتائج نهائية ,لكن عند نقطة معينة كنا نتاكد بهدوء من ان التسارع الكوني الذي رايناه لم يكن ليختفي بعيدا!
استغرق الامر بضعة اشهر,وقمنا بعمل كل شيء مرات عدة وعن طريق عدد مختلف من الافراد ,لكن المحصلة النهائية كانت وصول كل منهم الى النتائج نفسها.
_سؤال: عند اعلان الاكتشاف هل كان مثل الاعلان الاخير للنيترونات الخفيفة الاسرع من الضوء ,ماذا كان رد الفعل في جميع انحاء العالم وهل كان العلماء يشككون؟
_لقد توقعت ردود فعل مشابهة للاعلان الاخير للنيترونات الخفيفة الاسرع من الضوء ,حيث انهم خرجوا كفريق جيد للاعلان قائلين ((حسنا لقد راينا ذلك ))اما اغلب العلماء في العالم فقالوا ((لابد ان هناك خطا ما))
اما في حالتنا فقد توقعت القول بان هذا الامر خطا واننا سنقوم بمعرفة المشكلة ,بعض الناس قاموا بالتشكيك في الامر وانا لا الومهم في تشككهم بالامر ,حيث انني نفسي كنت متشككا ايضا حين وصلنا الى هذه النتيجة اول مرة .
لقد كانت هناك بعض المشكلات في علم الكونيات عام 1998,وتختص بمفاهيم الطاقة المظلمة ,وهو ما ادى الى ان الامور لم تسر بشكل صحيح ,فالثابت الان ان التسارع الكوني لم يكن ليحدث الا في حالة امتلاء الكون بالطاقة والتي لم يتم عمل حسابها سابقا,وهوماكان اينشتاين اطلق عليه الطاقة المظلمة_وما يطلق عليه اينشتاين “الثبات الكوني”.
لقد اتضح الان ان هذه الطاقة المظلمة ثابتة بمعظم المشكلات العالقة في علم الكونيات ,لم يكن ذلك ان هذه الطاقة المظلمة تم دحضها ,فقد كان من الجنون ان نعرف بطريقة ما اننا فقدنا نسبة 75%من الكون ,وان نسبة ال 75%من الكون تسببت في عمل الجاذبية الارضية بشكل عكسي.وهذا الامر يبدو في غاية الجنون ليصدقه احد .
لقد اثنيت على الفريق الذي قام باكتشاف واعلان ((النيترونات الخفيفة الاسرع من الضوء)),وعلي ان اعترف بانني تشككت في انه لابد ان يكون هناك خطا ما ,ولكن من الممكن ان اكون مخطئا ,ربما يكون الكون مجنونا ولسبب ما تكون هذه النيترونات ذات طاقة عالية جدا مما يجعلها تتحرك اسرع من النيترونات الاخرى والتي قمنا بقياسها من النجوم المتفجرة على سبيل المثال.
_سؤال:من اين ظهر مصطلح الطاقة المظلمة .هل كان فقط خيارا واضحا كمصطلح “المادة المظلمة”والذي كان يستخدم بالفعل؟
_اعتقد ان مصطلح “الطاقة المظلمة”تم اختراعه هنا في كانبيرا ,استراليا 1998 او بعده بعام بواسطة “ماتيك تيرنر”وهو مشهور جدا في علم الكونيات ,حيث قمنا بدعوته لالقاء محاضرة في علم الكونيات مباشرة بعد اعلان التسارع ,وقمنا بعقد مؤتمر كبير هنا ,وهو من قام باختراع المصطلح في حواره مطلقا عليه “الطاقة المظلمة”
لقد سميت الطاقة لانها مرتبطة بالفضاء ومظلمة لاننا لا نستطيع رؤيتها ,عندما يقوم الفلكيون باكتشاف شيء لايستطيعون رؤيته ,نسميه “اكس المظلم”حيث يكون “اكس”عبارة عن طاقة في هذه الحالة .وبدا المصطلح جيدا وذا معنى ومناسبا للامور المظلمة ويصف مايدور.
_سؤال:ماذا يعني التسارع بالنسبة للمستقبل البعيد للكون؟
الان عندما يسافر الضوءعبر الكون عند استخدامه ,عليه ان ينافس توسع الكون ليصل الينا ,فالضوء يستغرق وقتا طويلا للوصول الينا ,ولكنه يصل الينا في النهاية .
وفي المستقبل وبسبب تسارع الكون ,فانه سوف يتمدد بشكل اسرع مع مرور الوقت ,ويمكننا ان نراه الان عبر نقطة معينة للمجرات ,حيث سيتمدد الكون كثيرا بيننا وبين تلك المجرات لذا فلن يصل الينا الضوء ابدا.
ولو تعمقنا بالامر اكثر فسيتضح لنا ان الكون باكمله لم يكن متجها الينا بالجاذبية الارضية والان سيمتد لابعد من قدرتنا على رؤيته ,سوف ننظر الى الكون من دون تواجد لعلم الكونيات ,عندها سوف لن نجد شيئا لنراه ,وسيكون الكون فارغا جدا.
وفي هذا الجزء من الكون والذي نعد جزءا منه سينهار باكمله داخل مجرة ضخمة عملاقة وستقوم النجوم في المجرة العملاقة باستخدام طاقتها النووية وتحوله الى جمرات صغيرة ستتلاشى تماما في غياهب النسيان ,ليصبح كونا باردا وحيد في المستقبل .
_سؤال:ماذا تعني الجائزة للعلوم الاسترالية.وما ردود الفعل العامة والاعلامية؟
_لقد كان الامر ايجابيا حقا,لم تحصل استراليا على جائزة في الفيزياء منذ عام 1915,والحقيقة ان استراليا تنفق الكثير من الجهد في مجال العلم ,وهناك نظام جيد حقا بالجامعة, ولكني اعتقد ان فرحة جائزة نوبل قد ابهرت الجميع,وكان علي القيام بلقاءات مع اعضاء الحزبين,رئيس الوزراء ووزير المالية ,فالجميع بالفعل مسرورون ,كما انني اصفها بالاذاعة ب”الصدمة المفرحة”والتي اسعدت العالم.
لقد كانت ايجابية بشكل لا يصدق,وقد اثرت في الدولة لاقصى درجة يمكنني تخيلها ,لتعكس مدى اهمية العلم ,وهذا ما يعنيني حقا ,اريد ان يتفهم الناس ان ازدهار مستقبل الدولة يعتمدةكليا على تعليم الناس والحصول على علماء لديهم القدرة على المضي قدما واختراع تقنيات حديثة ,حيث يعم الازدهار.
_سؤال: كيف تجيب عن هذا السؤال التقليدي من سياسي_كيف تحصل على المال من وراء ابحاثك؟
_كان لدينا حفل توزيع جوائز العلوم في تلك الليلة حيث كنت القي خطابا ,وكان العالم الاسترالي للعام هو من اخترع تقنية البوليمرات والتي استخدمتها استراليا لكسب المال لدينا,واشرت الى الجميع قائلا:”غوش لقد ساورني القلق حول امكانية استغلال اكتشافاتي في كسب الاموال ولكن هذا الرجل سلك اقصر الطرق مباشرة لكسب المال من خلال اكتشافه ,لا يمكنك لا يمكنك توقع مدى الفائدة التي ستعود من اكتشافك”.
كان احد زملائي يدعى “جون سوليفان”وهو عالم فلك اذاعي والذي كان يبحث عام 1970 في تبخر الثقوب السوداء,كما تنبا بها “ستيفن هوكينج”لم يتمكن من العثور عليها مطلقا ولكنه تمكن من ادراك ان عليه تصحيح موجات الراديو في مختلف الاتجاهات المتعددة للارض عبر الفضاء ,ما اسمله “الانتشار المتعدد”,وقد ادرك انها المشكلة نفسها التي واجهتنا عند عمل الاتصالات اللاسلكية السريعة –في الاساس هو مخترع الواي فاي ,فقد كان المسؤول البوتوكول 802.11 ,وهو ما حقق مليارات الدولارات في استراليا ,والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات على الصعيد الدولي.
فقد تحولت البحوث الاساسية في علم الفلك الى مئات الدولارات بقيمة الاشياء ,البحث هو امر طريف فلو قمت باختراع ما تعرفه فانت لن تحصل على اي تغيير في النهج,فالبحث الاساسي يحدث الثورات .
لقد خرج المجتمع من العصور المظلمة بسبب العلوم الاساسية والتعليم وانتقل الى سلسلة المعرفة والتي منحتنا التكنولوجيا في نهاية الامر ,واحاول جاهدا ان اشرح تلك السلسلة المعرفية للحكومة والتي اعتقد انهم استوعبوها ولست متاكدا ما اذا كانوا يؤمنون بها ,ولكني اعتقد انها وصلت اليهم.
_سؤال:ما خطتك المقبلة من هنا.وما الذي تعمل عليه؟
_انا اعمل على المراحل النهائية لوضع تليسكوب جديد في السماء يدعى “سكاي مابر”,ويعمل هذا التليسكوب من استراليا والذي سيقوم بمسح كل بوصة مربعة من السماء في جنوب البلاد بمعدل رؤية اكثر من 10 ملايين مرة مما يمكنك رؤيته بالعين المجردة لعدد 36 مرة.
“سكاي مابر” دولة من الفن وهو تليسكوب الي واسع المدى يقع بجانب المرصد الربيعي بالقرب من كونابرابران في استراليا(صورته من ويكيبيديا).
هذه الخارطة للسماء سوف تعمل على فهرسة مليارات ومليارات من الكائنات ,انها مفيدة حقا للعثور على كائنات نادرة جدا في السماء ,والتي تساعدنا على فك كيفية عمل الاشياء ,على سبيل المثال:سيمكننا معرفة اذا كانتهناك كائنات على بلوتو لم يتم اكتشافها بعد في السماء الجنوبية والتي لم يتم النظر اليها بعناية فائقة بعد,سوف تساعدنا في العثور على اكثر الكائنات بعدا في الكون ,وايضا ستساعدنا في العثور على النجوم التي تم طردها من المنطقة المركزية الضخمة من منطقة الثقب الاسود في درب اللبانة , وستمكننا من ايجاد الحفريات النجمية والتي خلفها الانفجار الكبير ,ستكون خريطة ثمينة حيث يمكننا استخدام اضخم التليسكوبات وسنقوم بعمل الدراسات التفصيلية من خلالها .
انه مشروع عملاق تم البدء به في الوقت الراهن وسيستغرق اكثر من البتابيت من البيانات ((1000 تيترابيت,لكل تيترابيت 1000جيجابايت)).
نقلا عن العربي العلمي
صديقي رعد , كعادتك تتحفنا بكل جميل , لكن لدي ملاحظة , وردت عبارة (الجاذبية الارضية) بأكثر من موضع واعتقد إن المراد منها هو قوى الجاذبية وليس قوة جذب الأرض للأجسام (التي هي الجاذبية الأرضية) يرجى الإنتباه مع مودتي الكبيرة