هل العلم نوع آخر من الإيمان؟ إن من يسأل هذا السؤال عادةً هو شخص أجاب نفسه عن سؤال آخر ربما أكثر أهمية (ألا يتوافق العلم مع الدين؟ فكلاهما في نهاية يجيب عن الأسئلة ذاتها؟) وهنا يُجِبُ الشخص نفسه بـ : نعم اكيد!
وفي الحقيقة السؤال هنا قبل الجواب هو سؤال فضيع فآلية السؤال اساساً في الدين او الفلسفة تختلف كلياً عن العلم، أما طريقة الإجابة فتختلف أكثر بكثير، فعندما تسأل في الدين تكون الإجابة موجودة قبل السؤال فإذا قال دين معين ان قوة خارقة (سواء كانت الهاً او أيما كانت بحسب المعتقد) مسؤولة عن كل شيء فهذا يعني انك لو بقيت تسأل أسئلة مختلفة الى الابد ستكون الإجابة ذاتها (لأنها موجودة اساساً قبل السؤال ومُسَلَمْ بها دون استدلال او سؤال عن الكيفية؟ وهي لا تختلف ضمنياً او كلياً مع أي عصر او وقت ) أما إذا جئنا على الفلسفة فقد نجد طبيعة مختلفة في تقبل الاسئلة والإبحار للبحث عن إجابات للأسئلة المطروحة لكن آليات الإجابة هنا ستكون مقيدة جداً، فالفلسفة هي إبحار عقلاني في الحقائق، الفلسفة تقوم على دور الفكر لا التجربة. آلية كل مما سبق مختلفة تماماً عن آلية العلم في الإجابة عن الأسئلة فالعلم لا يعرف إجابات مباشرة، ولا اجابات أساساً قبل أن تمر الإجابة عبر ثلاث نقاط أساسية:
- اقتفاء الدليل أين ما كان الاتجاه الذي سيؤدي إليه ذلك الدليل.
- لو أن لدى شخص معين نظرية فهو بحاجة الى أن يحاول إثبات خطئها بقدر ما يحاول إثبات صحتها (راجع قابلية التخطئة لكارل بوبر).
- إن الفيصل النهائي للحقيقة هو التجربة.
وهنا نلاحظ اختلاف تام عن ما سبق من الطرق لمعرفة الإجابة (الدين و الفلسفة)، فهنا ليس الارتياح الذي يستقيه الشخص من المعتقدات السابقة هو أساس الحقيقة او الجمال أو الحسن، و هكذا تكون الإجابة غير متوقعة مسبقأً لأنها تمر على تجربة و تنتج أدلة، وعادة ما لا تراعي مشاعرنا.
أذاً هل العلم نوع آخر من الايمان؟
نستنتج مما سبق ان الجواب: طبعاً لا. لأن طريقة السؤال في العلم تختلف اساساً عن طريقة السؤال في الدين (وإن كان السؤال نفسه) أما الإجابة فهي حتماً مختلفة كلياً نظراً لأنها في العلم تجريبية تعتمد على الدليل، وهي معرضة لجميع النقد العلمي وإن ثبت أنها خطأ فسوف يكون العلماء سعداء بتغييرها ولا يأبه احد ان كانت مشاعرك الرقيقة أحبت هذه الإجابة ام لا، وبالتالي فإن الهدف والطريقة في السؤال مختلفين، وطريقة الإجابة التجريبية مختلفا تماماً، والنتيجة حتماً مختلفة و تجريبية وقابلة للإدراك، وهنا سوف أترك إجابة الفيزيائي النظري لورانس كراوس نصاً عن هذا السؤال:
هل العلم نوع اخر من الايمان؟ “بالتأكيد لا، لأن العلماء من تفكيرهم بواسطة العلم، العلماء يعترفون أنهم مخطئون و سعداء ومتشوقون لأن يتخلوا عن أفكارهم لو اتضح أنها غير صالحة. إننا لا نعرف بالتأكيد وعن يقين إجابات عن الأسئلة قبل أن نطرحها، إذن ومن ثم فإننا نؤمن بأن الكون ممكن فهمه لكن أعظم ما في العلم أن إيماننا متزعزع. يمكن أن نتخلى في أي لحظة عن إيماننا بأي شيء آمنا به ذات مرة لو طرحت الطبيعة عكسه”.
ملاحظة: هدف المقال ليس المقارنة او مهاجمة أي دين بل على العكس هو مجرد توضيح لكيفية سير الأمور و الأجابة على سؤال لطالما يُسئل وبما أنه يخص العلم فنحن نرى ان من واجبنا الإجابة عليه كمجموعة مختصة بالنشر عن العلم.