حالما تدخل ستصدم بكمية العلب التي تصل إلى السقف، وألوان العلب وتصاميمها التي تستعرض مهارات تسويقية عالية فضلاً عن أحجام العلب وأشكالها. في نهاية المحل ينظر إليك إثنان من العمالقة وهم أصحاب المحل، تسألهم عن مفعول إحدى العلب فيجيب أحدهم أنها تذيب شحوم البطن وتبني العضلات، طيب ماذا تفعل هذه العلبة الزرقاء المجاورة لها؟ إنها تزيد من التمثيل الغذائي وتبني العضلات. ماذا عن تلك البرتقالية؟ إنها تسرع الالتئام والبناء العضلي بعد التشققات التي تحدث إثر التمرين. وهكذا يُحاول هؤلاء العمالقة وأمثالهم أن يقنعوك أو أن يقنعوا أنفسهم بهذه الأنماط المفصلة التي صنعوها لكل علبة. لكن ما الذي تحتويه العلب فعلياً؟ وما مدى فعاليته؟

ملاحظة: لا يتضمن هذا المقال مناقشة الأضرار الناتجة من بروتين مصل اللبن أو البروتينات المشابه له كما لا يتضمن عرضاً شاملاً لجميع تأثيراته، ويركز بشكل رئيسي على البناء العضلي وفقدان الوزن.

بروتين مصل اللبن، مسحوق البروتين المعروف بالوي (Protein whey) هو مسحوق مشتق من عملية صناعة الجبن ويتضمن تشكيلة جيدة من الأحماض الأمينية. يتواجد بأنواع عديدة وأسعار مختلفة وكميات مختلفة من المواد الغذائية والسعرات الحرارية. غالباً ما تتراوح السعرات الحرارية فيه بين 100 و 150 كيلو كالوري في الملعقة، كما تتراوح كمية البروتين بحسب النوع بين 20 – 80%.

بعض العلب التي تضم الملعقة الواحدة (عادةً ما تكون بحدود الـ 30 غرام) منها ما يقارب الـ 120 سعرة تنصح بتناول 3-4 ملاعق، ويُمكن بوضوح ملاحظة أثر ذلك من حيث إستهلاك السعرات الحرارية. بالمقابل فإن هناك تأثيرات أخرى في المسحوق تعد ايجابية من حيث تخفيض الوزن. سنتناول أدناه مجموعة من الدراسات التي تبحث تأثير بروتين مصل اللبن على البناء العضلي وفقدان الدهون. أما بالنسبة للأنواع الأخرى فقد تناولناها جزئياً مثل بروتين الكيسين، كما لم تفرق كثير من الدراسات بين الأنواع المختلفة لبروتين مصل اللبن بنفس الشكل الذي يوهمنا به بائعي المكملات الرياضية.

الأحماض الأمنية الموجودة بوفرة في بروتين مصل اللبن تُعد عاملاً فعالاً في إيقاف التراجع العضلي لدى كبار السن كما أن بضعة دراسات تؤكد أن بروتين مصل اللبن يساهم في زيادة تأثيرات تمارين المقاومة (resistance exercises) خصوصاً عندما يتم التزود بالمسحوق في الساعات المقاربة لوقت التمرين[1].

يساهم بروتين مصل اللبن فيما يلي[2]:

  • تقليل إستهلاك الطعام عند مقارنة تأثيره مع كل من أنواع البروتينات الأخرى، البلاسيبو والكاربوهيدرات.
  • يؤثر على الشعور بالشبع من خلال الأحماض الأمينية والببتيدات الحيوية-النشطة الموجودة فيه والتأثير المزدوج الحاصل من الأحماض الأمينية الصادرة أثناء هضم المسحوق ومن الببتيدات و/أو الأحماض الأمينية وتفاعلها مع مكونات الحليب الأخرى (الموجودة أساساً في بروتين مصل اللبن). كما أن بروتين مصل اللبن يُحسن كفاءة الإنسولين.
  • الببتيدات الناتجة من هضم بروتين مصل اللبن تؤدي إلى التأثير على جهاز الرنين – أنجيوتنسين الذي يحبس الماء والصوديوم ويقلل الإدرار ويزيد ضغط الدم وتأثيرات أخرى كثيرة. حيث تؤدي الببتيدات الناتجة من هضم المسحوق إلى تحسين تحول الأنجيوتنسين 1 الى الأنجيوتنسين 2 والذي يسرع عمل دورة الرنين أنجيوتنسين.

تقترح الورقة البحثية أن بروتين مصل اللبن مفيد لمرضى السمنة ولما يرتبط بها من سكري النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم.

دراسة مثيرة للإهتمام أجريت على 3 مجاميع من الشرطة ذوي الوزن الزائد، المجموعة الأولى إعتمدت على حمية قائمة على السعرات الحرارية، والثانية على حمية مشابهة مع تغذية بروتينية عالية بواسطة بروتين الكيسين الحُلامي (casein protein hydrolysate) (مادة بروتينية معلبة) وتمارين مقاومة، أما الثالثة فقد كانت مطابقة للثانية مع تناول بروتين مصل اللبن، نزول الوزن كان مطابقاً للمجاميع الثلاث، أما خسارة الدهون فقد كانت الأكبر في المجموعة الثانية (تقريباً ضعف مجموعة بروتين مصل اللبن وثلاث أضعاف خسارة المجموعة الأولى)، أما زيادة الكتلة العضلية (Lean mass gain) فقد كانت بمقدار الضعف في المجموعة الثانية عن المجموعة الأولى فيما لم تكن واضحة في المجموعة الأولى. زيادة القوة العضلية أيضاً كانت أكبر في مجموعة الكيسين فيما يقارب الضعف وكانت الزيادة في عضلات الساقين والأكتاف والصدر ويُعزى ذلك التأثير في مجموعة بروتين الكيسين إلى دورها في حفظ النيتروجين  [3]. بينما وجدت دراسة أخرى أن مستخلص بروتين مصل اللبن (whey isolate) له تأثير أكبر في زيادة القوة العضلية من الكيسين وذلك في مجموعة من 13 شخص من لاعبي بناء الأجسام[5].

دراسة أخرى أجريت على مجموعة من 36 شخص، بمجاميع تتضمن استخدام بروتين مصل اللبن لوحده أو استخدام البروتين مع الكرياتين مع مجموعة ثالثة تناولت مكملات وهمية (بلاسيبو). كانت النتيجة افضل مع من استخدموا الكرياتين مع البروتين[6].

دراسة أجريت على الفئران وجدت أن فيتامين دي مع الكالسيوم وبروتين مصل اللبن قد خفضت من شحوم الجسم وزادت من الكتلة العضلية[7].فيما وجدت دراسة أن الصويا، الكاربوهيدرات وبروتين مصل اللبن لهم تأثير متقارب من حيث بناء الكتلة العضلية وذلك بالتزامن مع تمارين المقاومة[8] الغريب أنه في نفس الدراسة، فقد كان للكاربوهيدرات زيادة 2.3 كيلوغرام للكتلة العضلية مقابل 3.3 كيلوغرام لبروتين مصل اللبن! وفي دراسة أخرى أجريت على 36 شخص قارنت بين البلاسيبو، بروتين مصل اللبن مع بروتين الكيسين بالإضافة إلى مجموعة ثالثة تناولت الأحماض الأمينية وبروتين مصل اللبن والجلوتامين، وجدت الدراسة انخفاض نسبة الدهون وزيادة الكتلة العضلية بشكل أكبر لدى مجموعة بروتين مصل اللبن مع بروتين الكيسين وقد تم قياس الدهون والكتلة العضلية بواسطة أشعة أكس (dual-energy x-ray absorptiometry) [9].

مناقشة الدراسات

لا تشجع هذه الدراسات بالضرورة على التأثير الخارق الذي تروج له الدعايات عبر الرياضيين لبروتين مصل اللبن أو الكيسين. فالدراسة حول رجال الشرطة[3] أجريت على رجال ذوو وزن زائد كانوا قد عاشوا في نمط حياة غير صحي في السابق، وظهور نتائج جيدة عليهم لا يعني بالضرورة تحول ممارسي بناء الأجسام بالطرق الطبيعية الى مستوى مشاهير بناء الأجسام المعتمدين على الستيرويدات والذين يروجون أن التأثير الحاصل عليهم يعزى للبروتين. أما الدراسة الثانية[5] ذات العدد القليل من المشاركين من الرياضيين الذين حصلوا على مستوى أعلى للقوة بالمقارنة بين نوعين من منتجات البروتين، فهي تؤكد لنا أهمية البروتين لكنها لا تقارن بين مصادر اخرى للبروتين كاللحوم، البيض والحليب مثلما وجدت الدراسة [8] من تأثير متقارب بين الكاربوهيدرات والبروتين، فماذا ستكون النتائج لو كانت المقارنة مع الحليب مثلاً؟

اما الدراسة التي أجريت حول الفئران[7] فإن الباحثين ليسوا واثقين من السبب الدقيق وراء الزيادة العضلية ولم يقوموا بعزوه للكيسين، بل أن أول شيء قاموا بعزو التأثير له بشكل محتمل هو زيادة مستقبلات الانسولين، وتطرقوا أيضاً لتأثير فيتامين دي الذي كان جزءاً من حمية الفئران الذين تناولوا مسحوق الكيسين. وقد ذكرنا حول الدراسة [8]  كيف أن مقارنة مواد مغذية مختلفة أظهرت أن التباين لم يكن كبيراً بين البروتين والكاربوهيدرات وليس حتى مصدر آخر من البروتينات، الأمر الذي لا تقوم به كثير من الدراسات مثل  [9] التي تقارن أيضاً البلاسيبو بنوعين من البروتينات المعلبة. كل هذا يعني أن لا نعول على مسحوق مصل اللبن كمصدر متميز للبروتينات وأن نأخذ بنظر الاعتبار كمية الاعلانات والترويج التي يتلقاها والسعر المرتفع له مقابل تأثير قد يكون مساوياً لتأثير أي مادة بروتينية أخرى.

الفرق بين مصل اللبن والكيسين

يذكر أن الفرق بين بروتين مصل اللبن والكيسين هو أن بروتين مصل اللبن سريع الإمتصاص ويؤدي ذلك إلى تأكسد الكثير من البروتين (أي استخدامه كطاقة) بينما يشكل الكيسين تخثراً متكتلاً في المعدة ويتم تفككه على فترة طويلة مما يضمن أفضل إمتصاص ممكن، حتى أنه تذكر إحدى الدراسات أن تناول نفس الكمية من بروتين مصل اللبن بشكل منتظم على مدى 4 ساعات فإن ذلك يعطي إمتصاصاً أفضل من الكيسين ومصل اللبن رغم صعوبة الأمر لكنه يشير إلى علاقة القضية بالإمتصاص أكبر، الدراسة حول الشرطة المذكورة أعلاه توضح لنا فعالية الكيسين بشكل أكبر من مصل اللبن.

خلاصة:

  • لا يُمكن الحسم حول تأثير بروتين مصل اللبن في البناء العضلي رغم وجود عدة دراسات حول ذلك إلا أن هناك دراسات أخرى تقول العكس، الموضوع ليس محسوماً.
  • بروتين الكيسين قد يكون ذو مفعول أكبر من بروتين مصل اللبن نظراً للفترة التي يعمل بها ولتأثيره على الاحتفاظ بالنيتروجين وتأثيره على هورمون النمو الشبيه بالأنسولين.
  • من جهة يضم بروتين مصل اللبن تأثيرات تدعو لنزول الوزن مثل تأثيره على الشهية، ولكن من جهة أخرى فهو يحتوي على سعرات حرارية كثيرة ومواد تؤخذ أساساً من أجل زيادة الوزن، لكن مع ملاحظة أكثر من دراسة فيمكن الانتباه إلى الحالات التي تم فيها فقدان بعض الدهون مقابل كسب الكتلة العضلية مع عدم وجود نسبة حاسمة قاطعة لما سيكون عليه الوضع، هل سيكون ربحاً في الوزن نتيجاً زيادة الكتلة العضلية؟ أم خسارة في الوزن نتيجة غلبة نسبة الشحوم المفقودة على نسبة الكتلة العضلية المضافة؟ هناك من يقول أن بروتين الكيسين أعطى ضعف ما أعطى بروتين مصل اللبن، وهناك من يقول أن مستخلص بروتين مصل اللبن أفضل من بروتين الكيسين، وهناك من يقول أن بروتين مصل اللبن يُمكن الإستعاضة عنه بالصويا أو الحليب، وهؤلاء يمثلون دراسات محكمة وليسوا أشخاصاً عاديين، الأمر بإختصار غير محسوم.
  • يبقى التأثير المذكور لبروتين مصل اللبن إذا تم الجزم به تأثيراً محدوداً يحدث مع التمرين المستمر والمنتظم ولا يحدث بشكل سحري كما لا يخلق صعوداً سحرياً في الكتلة العضلية حتى مع أكثر المزاعم جرأة في الترويج له. ما تراه من أجسام ضخمة مفتولة العضلات على صور الإعلانات ليس نتاجاً لبروتين مصل اللبن لوحده أو التمرين لوحده بل هو نتيجة للمواظبة مع التغذية ومع هذه المواد المساعدة بالدرجة الثانية، ومع ذلك فإن الساحة الرياضية لا تخلو من مواد أخرى تسبب صعوداً مذهلاً مع مخاطر صحية.

المصادر

[1] Hayes, Alan, and Paul J. Cribb. “Effect of whey protein isolate on strength, body composition and muscle hypertrophy during resistance training.” Current Opinion in Clinical Nutrition & Metabolic Care 11.1 (2008): 40-44.

[2] Luhovyy, Bohdan L., Tina Akhavan, and G. Harvey Anderson. “Whey proteins in the regulation of food intake and satiety.” Journal of the American College of Nutrition 26.6 (2007): 704S-712S.

[3] Tomas, F. M., et al. “Increased weight gain, nitrogen retention and muscle protein synthesis following treatment of diabetic rats with insulin-like growth factor (IGF)-I and des (1–3) IGF-I.” Biochemical Journal 276.2 (1991): 547-554.

[4] Demling, Robert H., and Leslie DeSanti. “Effect of a hypocaloric diet, increased protein intake and resistance training on lean mass gains and fat mass loss in overweight police officers.” Annals of Nutrition and Metabolism 44.1 (2000): 21-29.

[5] Cribb, Paul J., et al. “The effect of whey isolate and resistance training on strength, body composition, and plasma glutamine.” International journal of sport nutrition and exercise metabolism16.5 (2006): 494-509.

[6] The Effect of Whey Protein Supplementation with and Without Creatine Monohydrate Combined with Resistance Training on Lean Tissue Mass and Muscle Strength

[7] Siddiqui, Shamim MK, et al. “Dietary intervention with vitamin D, calcium, and whey protein reduced fat mass and increased lean mass in rats.” Nutrition research 28.11 (2008): 783-790.

[8] Volek, Jeff S., et al. “Whey protein supplementation during resistance training augments lean body mass.” Journal of the American College of Nutrition 32.2 (2013): 122-135.

[9] Kerksick, Chad M., et al. “The effects of protein and amino acid supplementation on performance and training adaptations during ten weeks of resistance training.” The Journal of Strength & Conditioning Research 20.3 (2006): 643-653.

تدقيق: علي البهادلي