من ذبابة بيونسيه إلى أبوسوم ديفيد أتينبرا، فإن الأسماء التي نطلقها على الحيوانات تمتلك تأثيراتٍ حقيقيةً في الحفاظ عليها.
ميكروليو أتينبرا، سكابتيا بيونسى، كرايكي ستيف إروين. إن هذه ما هي إلا القليل من الأسماء العلمية لحوالي 25 ألف نوع من النباتات، الفطريات، والكائنات الدقيقة، التي اُكتشفت وسُميت بأستراليا في العقد الماضي.
ففي كل حالة، يتم تحويل اسم الشخصية الشهيرة المكرَمة إلى اللاتينية، وإضافته إلى اسم جنس موجود أو مكتشف (الجنس هو مجموعة من الأنواع قريبة الصلة والتي تتشارك ميزات مشتركة). ففي الأمثلة بالأعلى، يُشير ميكروليو إلى أسد صغير – وهو جنس من الأبوسومات آكلة اللحوم، بينما يُشير سكابتيا إلى جنس غني بالألوان من ذباب الخيل. وفي حالة، كرايكي ستيف إروين – فإنه يُشير إلى حلزون نادر من شمال كوينز آيلند، وحتى كرايكي هنا (الجنس) تُكرم ستيف إروين كشكل من أشكال عاميته المفضلة.
لقد قام العلماء بتسمية الأنواع تكريماً للمشاهير بداية من القرن الثامن عشر. وقد قام أبو علم التصنيف الحديث، كارلوس لينيوس بسك أسماء عديدة لكسب محاباة ودعم الرعاة الأغنياء.
ولكننا في هذه الأيام نقوم به لكسب القليل من الانتباه من العامة، وذلك بحقن قدر من الاهتمام الممتزج بالتفاهة. ومثال على ذلك، سكابتيا بيونسيه والتي أُطلق عليها هذا الاسم لامتلاكها مؤخرة لامعة وذهبية اللون.
ولكن فإنه بالنسبة للتصنيفيـن – العلماء الذين يكتشفون، يسمون، يصنفون، ويقومون بتوثيق الأنواع الحية والحفرية بالعالم – فإن تسمية الكائنات عمل مجدٌ للغاية.
ضع بعين الاعتبار، أن أفضل التقديرات الحالية تُشير أن أستراليا متضمنة شواطئها، والمحيطات المطوقة لها موطن لأكثر من 600 ألف نوعٍ من النباتات، الفطريات، الكائنات الدقيقة، والكائنات الأخرى.
مما يجعل أستراليا واحدة من أكثر الأمم تنوعاً بيولوجياً، وثراءً أحيائياً على الأرض. فأستراليا واحدة من ضمن مجموعةمن الأمم المختارة والتي تشغل معاً أقل من 10% سطح الأرض، ولكنهم موطن لما يزيد عن أكثر من 70% من أنواعها الحية.
اعتبر الآتي: لم يتم اكتشاف، تسمية، وتوثيق سوى 30% من الأنواع الحية بأستراليا حتى الآن. مما يترك أكثر من 400 ألف نوعٍ، لا نعلم أي شيءٍ بشأنها.
ولكن هل هذا يهم؟ هل تحتاج الكائنات لأسماء؟
نعم، تحتاج الكائنات لأسماء، إن أردنْا الحفاظ على التنوع الحيوي، وصيانة الأنواع المحلية، الزراعة الأرضية والمائية بأمان من الآفات والأمراض الضارة، اكتشاف أدوية جديدة منقذة للحياة، الإجابة عن بعض أعظم الأسئلة العلمية، أو الاستفادة من الفرص التي تقدمها الطبيعة لتحسين وتطوير صحتنا، زراعتنا، صناعتنا، واقتصادنا.
يقوم علماء التصنيف بتشييد الهيكل الذي يسمح لنا بفهم وتوثيق الأنواع، وإدارة معارفنا عنهم. ومثل هذا الهيكل ضروري، إن أردنا التحكم بالحياة بشكل مستمر على الأرض. ولقد أصبح هذا الهدف حيويٌ للغاية الآن، في وقت تواجه فيه الأرض أخطار وأزمات الانقراض والتي سببتها إزالة الغطاء النباتي، التلوث، والاحتباس الحراري.
فـ بدون الفهم الذي يقدمه لنا علماء التصنيف، فإننا سنشبه أضخم وأكثر الشركات تعقيداً، والتي تحاول إنجاز أعمالها بدون إمداد مختزن، وبدون أي فكرة حقيقية لما تمثله منتجاتها أو تفعله.
مما لاشك فيه أن المهمة التي نحن بصددها تبدو هائلة وشاقة، حيث يبدو في ضوء معدل تقدمنا الحالي، أننا لن نكمل هذه المهمة قبل 400 سنة للوصول إلى مستودع تنوع حيوي كامل لأستراليا.
لحسن الحظ، فإننا لسنا مضطرين استكمال المهمة بنفس المعدل، لأن علم التصنيف الآن في منتصف ثورة تكنولوجية وعلمية.
حيث تسمح لنا طرق ووسائل جديدة رخيصة بمعرفة التسلسل الكامل للحمض النووي (DNA) لأي كائن حي. يُمكننا استخراج قطع الحمض النووي الصغيرة لسمكة، الموجودة بنهر سبحت خلاله والتعرف عليها. العالم متصل ببعضه البعض بشكل غير مسبوق. نمتلك حواسب فائقة وخوارزميات ذكية يُمكنها فهرسة وتصنيف أنواع العالم كافة.
وبهذا الصدد، قامت الأكاديمية الأسترالية للعلوم، والمجمع الملكي النيوزيلندي بإصدار خطة استراتيجية لإرشاد التصنيف الأسترالي والنيوزيلندي للعقد القادم في خطوة جوهرية. تحدد الخطة الجديدة سبل مواجهة التحدي الضخم والهائل، والذي يتمثل في توثيق، فهم، وحفط كل التنوع الحيوي لأستراليا.
كما تضع الخطة أيضاً هيكلاً للاستثمارات الاستراتيجية المطلوبة لهذا التحدي الضخم. حيث يتخيل عِقداً من إعادة الاستثمار، والذي يؤدي إلى برنامج “علم التصنيف الزائد” – ويهدف هذا البرنامج إلى اكتشاف جميع الأنواع غير المكتشفة بأستراليا في خلال جيل.
وتقوم هذه الخطة بوضع الأسس التي يُمكن بها استخدام معرفتنا بشأن الأنواع لإفادة المجتمع وحماية الطبيعة، بل والمخاطر المتضمَنة إن لم نتدخل. ومثال صغير للتوضيح: يُوجد هناك حوالي 200 نوع من البعوض الأسترالي غير المسمى والمعروف. فالبعوض أكثر الكائنات تسبباً بوفاة البشر من أي حيوان آخر على وجه الأرض. بل ويتم اكتشاف بعوض حامل للفيروسات والطفيليات بصفة مستمرة. إن الأمر لا يكلفنا كثيراً لوضع هذه الحقائق معاً، لكى نرى المخاطر.
بتحدٍ ضخم مثل هذا، وأهداف هامة فإنه ليس من المفاجئ أن علماء التصنيف أحياناً ما ينغمسون في تسميات غريبة. فأسماء مثل Draculoides bramstokeri، نوع قريب من العناكب الساكنة للكهوف. وأيضاً مثل نوع صغير ، وغير مضر من العقارب الزائفة يُدعى Tyrannochthonius rex. ومثال أخير، Hebejeebi – حيث لم يستطع علماء النبات المقاومة عندما تم فصل جنس جديد من من نبات Hebe.
أحد أعظم المشاهير، السير ديفيد أتينبرا – والذي تم تسمية ما يزيد عن دزينة (دستة) من الأنواع تكريماً له، من بينهم ما لا يقل عن 5 أنواع أسترالية. وتتضمن هذه الأنواع، الحلزون ذو الألوان الفاتحة Attenborougharion rubicundus. بالإضافة إلى حفرية أول كائن معروف – يقوم بولادة صغار على قيد الحياة Materpiscis attenboroughi.
وكما نوه السير دايفيد على أهمية مباشرة الخطة، فإن اكتشاف وتسمية الأنواع ليس هاماً وحيوياً للغاية لمستقبل علم التصنيف فقط، بل أيضاً لمستقبل كوكبنا.
المقال الأصلي
Kevin Thiele, “Why Scientists Name Species”, Smithsonian.com, April 27th ,2018