رغد قاسم، من المعلومات المعروفة أن الأرض تدور حول الشمس دورة كاملة في مدة تعادل تقريباً 365.24 يوماً، ودورة أخرى حول محورها خلال 24 ساعة -23 ساعة و56 دقيقة هو الرقم الفعلي- عمليات الدوران هذهِ، قد لا تبدو محسوسة للإنسان إذ لا يشعر بإن الأرض تتحرك، لكنه بالتأكيد يلاحظ تعاقب الليل والنهار، وظاهرة الفصول الأربع، حيث يتغير المناخ بين الانقلابين الشتوي والصيفي، والاعتدالين الخريفي والربيعي. من الجدير بالذكر أنّ العلماء ظلوا لفترة طويلة يعتقدون أن تغير الفصول ناتج عن دوران الأرض حول الشمس فقط، حتى تمت ملاحظة تعاكس الفصول بين القطبين، فشتاء أمريكا مثلاً صيف في أستراليا، لذا صار واضحاً أن السبب الفعلي في تغير الفصول هو ميلان محور الأرض في دورانها في مدار إهليجي حول الشمس (الانحراف المداري)، تم اعتماد الفصول اليوم حسب تغير طول النهار، الناتج عن مسار أشعة الشمس الساقطة على الأرض، ففي الصيف تكون الأشعة الساقطة على الأرض مباشرة حيث يواجه القطب الشمالي الشمس مباشرة، مما يعني أن أشعة الشمس ستكون بشكل عمودي على النصف الشمالي من الأرض، لذا تكون أشد وتنتشر على مساحة أكبر، مما يسبب طول النهار وارتفاع درجات الحرارة، فيما يحصل العكس في الشتاء، إذ يواجه القطب الجنوبي الشمس، فتصل الأشعة إلى القطب الشمالي بشكل مائل غير مباشر مما يسبب قصر النهار، وانخفاض درجة الحرارة.
للمناخ عناصر عديدة فيما عدا الحرارة الناتجة عن كمية الإشعاع الشمسي، فهناك الهطول (المطر، الجليد، الثلج)، وهناك عامل الرطوبة، وعامل الرياح والضغط الجوي، وهذهِ العناصر كلها تؤثر على جميع الكائنات الحية وبضمنها الإنسان. وجلد الإنسان بالذات يمثل خط الحماية الأول لجسد الإنسان، وبدونه لا يمكن للحياة أن تستمر حتى وإن كانت كل أعضائه الباقية سليمة، لأن الإنسان سيفقد سوائل جسمه دفعة واحدة دون وجود الجلد، مما يعني اضطراباً في ميزان السوائل والأملاح في الجسم، كما سيكون عرضة لكل أنواع العدوى، وبالإضافة إلى الأهمية الصحية للجلد، فهناك الأهمية الجمالية، فقد عُرف عن الإنسان فرط عنايته بهِ، وبالطبع لم يهمله العلماء في أحدث بحوثهم.
خلايا الجلد تتكون من ثلاث طبقات كما هو معروف البشرة وهي الطبقة الخارجية المسؤولة عن تكوين الميلانين – مادة مسؤولة عن لون البشرة، وتعمل كحاجز لتقليل كمية أشعة الشمس الواصلة إلى الطبقات الداخلية من الجلد – والأدمة الحاوية على نهايات الأعصاب والشعيرات الدموية، ونسيج دهني أسفل الطبقتين يعمل كعازل حراري. خلايا الجلد مثلها مثل أي نوع من الخلايا تعتمد على أنظمة التوازن وأهمها توازن الماء والأملاح بين داخل وخارج الخلية، لذا فإن تغير الطقس لا بد أن يكون له أثر على هذهِ الخلايا التي تكون في تماس مباشر مع المحيط الخارجي، أحدث الدراسات تُشير إلى أن التغيرات القوية في المناخ، تقلل بالتدريج من كفاءة بروتين الفيلاجرين المسؤول عن ربط ألياف الكيراتين في البشرة بالطبقات الطلائية أسفلها، وبالتالي التقليل من كفاءة حاجز الجلد، كما يُعتقد بأهميته في الحفاظ على معدل الأس الهيدروجيني (pH) في الجلد، وهذا المعدل مهم جداً في منع أنواع خطرة من البكتريا والكائنات الميكروبية الأخرى من استيطان الجلد. ولا ننسى هنا التغيرات الآنية التي يتعرض لها الجلد والناتجة عن وجود الآت التكييف أو التدفئة، مما يجعل البشرة تتعرض لتغيرات قوية لا يمكن التكيف معها بسهولة.
يسبب الصيف توجه كمية كبيرة من أشعة الشمس المباشرة على الجلد، وبالأخص في مناطق الإستواء والمناطق المدارية مما يوجب على البشرة إفراز نسبة أكبر من الماء لتبريد سطح الجسم، مما يسبب زيادة تركيز الأملاح داخل خلايا الجسم الداخلية، كما أن زيادة العرق والرطوبة يزيدان من انسداد مسامات الجلد، لذا قد تزداد حالات حب الشباب في هذهِ الفترة، ويزيد من خطر المسألة أن أغلب علاجات حب الشباب تزيد من حساسية البشرة لأشعة الشمس، لذا لا ينصح بالتعرض للشمس لفترات طويلة لمن يتناول علاجاً لحب الشباب. كما تتسبب الحرارة العالية بتغير لون خلايا البشرة بسبب زيادة الميلانين كوسيلة وقائية من أجل منع وصول الأشعة فوق البنفسجية بشكل كبير إلى داخل الجلد، لأن هذهِ الأشعة وإن كانت مهمة لإنتاج فيتامين دي من عوامله الأولية في الجلد، إلا أنها في الوقت ذاته تعتبر من العوامل المسرطنة، إذ تقوم بتحطيم الحمض النووي، لذلك ينصح بشدة بإستخدام المنتجات الواقية من أشعة الشمس، على أن تكون خالية من الدهون لمن يعانون في الأساس من حب الشباب. الصيف هو موسم السباحة، والترفيه عن النفس، لكن الكلور المستخدم في تعقيم المياه، وحمامات السباحة، يفاقم العديد من مشاكل البشرة.
هنا تجدر الإشارة أن أمراض سرطان الجلد تنتشر بشكل كبير بين أصحاب البشرة الفاتحة، بسبب قلة إنتاج خلاياهم لمادة الميلانين، بينما يعاني أصحاب البشرة السمراء الداكنة ممن يعيشون في المناطق التي لا تتلقى الكثير من أشعة الشمس في أحيان كثيرة من نقص فيتامين دي بسبب كثافة صبغة الميلانين لديهم، هكذا يلاحظ أصحاب البشرة السمراء الفاتحة (ما يعرف شعبياً بالبشرة حنطية اللون) أن بشرتهم تميل لأن تكون أفتح لوناً بعد العيش لفترة معينة في المناطق القطبية، وتميل لأن تكون أشد أسمراراً إذا ما انتقلوا للعيش في مناطق خط الاستواء وما حوله. ورغم أن الرطوبة تعطي مظهراً جيداً للبشرة، لكن وبحسب الرابطة البريطانية لأطباء الجلد، فإن الرطوبة الطويلة هي الأخرى تقلل من كفاءة الحاجز الجلدي.
بالنسبة للبلدان التي يكون الشتاء فيها طويلاً وقاسياً، تسبب البرودة كما هو معروف خزن السوائل في داخل الجسم لتدفئته، مما يؤثر سلباً على المظهر الخارجي للبشرة، إذ تبدو البشرة بشكل خشن ومفتقر للرطوبة، مما يسهل من إصابة الجلد بالأكزمة والتشققات، كما تعتبر قسوة الشتاء سيئة لحالات حب الشباب، إذ إن الجفاف في البشرة يؤثر في قلة إنتاج الزهم (المادة الدهنية في الجلد) ويؤدي إلى زيادة الالتهابات الجلدية ومنها حب الشباب.
زيادة جفاف البشرة والتهاباتها في الشتاء والجو الجاف بالعموم، يؤدي إلى زيادة المواد المحاربة للالتهابات في الطبقات الخارجية من الجلد، مما يزيد من حالات التحسس الجلدي. مما يستوجب عناية أكبر واستخدام مرطبات الجلد في هذهِ الفترة، وقد يُنصح بإستخدام مكملات فيتامين دي بشكل خاص في الشتاء، للأشخاص الذين لا يتعرضون للشمس كثيراً ويعانون نقصاً في الأساس من كمية هذا الفيتامين، فقد وجدت دراسة أمريكية أن أشعة الشمس في أغلب فصول الشتاء ليست بالجودة الكافية لمساعدة الجلد على إنتاج فيتامين دي من الأساس. فيتامين دي الضروري للجسم وبالأخص لنشاط العضلات وقوة العظام، تسبب قلته خمولاً وضعفاً عضلياً وسهولة الإصابة بالكسور، كانت أضافته لراقصات البالية اللواتي يتدربن داخل القاعات خلال الشتاء، قد أثبتت فعاليته في تحسين الأداء العضلي وتقليل الإصابات لديهن. دراسة تركية قد استنتجت أن نقص فيتامين دي لا يقتصر على الشتاء فقط، فحتى الصيف يمكن أن يصاحب الإصابة بنقص فيتامين دي، للعاملين في مكاتب مغلقة ولا يتعرضون لكمية كافية من أشعة الشمس.
المصادر
“Seasonal change“, University Of Leicester, www.le.ac.uk
ERICA WESTLY, “Why does skin complexion change with the seasons?“, Science line, scienceline.org, JULY 23, 2007
Meyer, Karen, et al. “Evaluation of Seasonal Changes in Facial Skin With and Without Acne.” Journal of drugs in dermatology: JDD 14.6 (2015): 593-601.
Wiley. “Why people experience seasonal skin changes.” ScienceDaily. ScienceDaily, 7 March
Wyon, Matthew A., et al. “The influence of winter vitamin D supplementation on muscle function and injury occurrence in elite ballet dancers: a controlled study.” Journal of science and medicine in sport 17.1 (2014): 8-12.
Engebretsen, K. A., et al. “The effect of environmental humidity and temperature on skin barrier function and dermatitis.” Journal of the European Academy of Dermatology and Venereology 30.2 (2016): 223-249.
Cinar, Nese, et al. “Vitamin D status and seasonal changes in plasma concentrations of 25-hydroxyvitamin D in office workers in Ankara, Turkey.” European journal of internal medicine25.2 (2014): 197-201.