عندما تموت، فإن جسدك لن يخلدُ طويلاً بعدك. إضافةً إلى العدد المذهل من الميكروبات المُوجودةِ في جسمك مسبقاً، فإن البكتيريا والفطريات والحيوانات المُختلفة تستعمرُ الجسم بسرعةٍ كبيرة بعد الموت. عندها يصبحُ الجسم مُتورماً بصورةٍ كبيرةٍ، مُنتفخاً ومشوهاً. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الأعراض التي قد تراها مُروعةً، تُعدُ حدثاً باهتاً مقارنةً بواحدةٍ من أكثر الظواهر غير العادية والمأساوية، وهي الولادة في النعش.[1]
في قبرٍ حجريٍ ضيقٍ أسفل بلدة إيمولا (Emolla) الإيطالية التي تعود إلى القرون الوسطى، ترقدُ امرأةٌ تبلغُ من العمر 1300 عام، ميتةً، وبينَ ساقيها بقايا عظامٍ صغيرة، إنه جنينُها![2]

الولادة في النعش (Coffin birth)، أو بثقُ الجنين بعد الوفاة (postmortem fetal extrusion)، هي حالةٌ طبيةٌ تتمثلُ بطرحِ الجنين عبرَ فتحةِ المهبل من جسد الأم بعد موتها من 48 لـ 72 ساعةٍ، تختلفُ المدة باختلاف الظروف البيئية المحيطة ودرجة الحرارة، وذلك في حالةٍ تشبهُ الولادة الطبيعية. نادراً ما يحدثُ هذا النوع من الولادة خلال تحلل الجثة بعد الوفاة، لكنه يحدثُ على أية حال.[3]

عند الوفاة، وخلال تحلل الجثة، تُنتج البكتيريا الموجودةُ طبيعياً في أعضاء البطن (كالمعدة والأمعاء) غازاتٍ تتراكمُ تدريجياً في البطن مما يسبب انتفاخ الجسم. في بعضِ الحالات، يمكنُ لضغط الغازات المحصور في البطن أن يضغطَ على الرحم -مؤدياً دوراً يشبهُ دور تقلصات الرحم خلال الولادة الطبيعية -لا وبل يجبره على النزول، أو الانقلاب من الداخل إلى الخارج، دافعاً معه الجنين الميت إلى خارج فتحة المهبل.[1]

عبر تاريخ البشرية، حدثَتْ حالاتُ ولادةٍ في النعش، إذ اكتشفَ علماء أمراضِ المومياوات حالاتٍ لنساءٍ في بلدانٍ قديمةٍ فيما تُعرف الآن بقارة أوروبا. مع تطورِ تقنيات التحنيط في ذلكَ الزمن، أصبحت الولادة في النعش أمراً نادرَ الحدوث بنسبةٍ كبيرة.[4] وذلكَ لأن المواد الكيماوية المُستخدمة في تحنيط الجسم تُبطئ التحلل، وتطرد سوائل الجسم الطبيعية وميكروباته خارجاً. ونتيجةُ ذلك التخلصُ من عددٍ كبيرٍ من العناصر التي تُعتبرُ مساهمةً في الولادة في النعش.[1] ما يزالُ هذا النوعُ من الولادةِ يحصل في حالات التحنيطِ غير المُجراة بصورةٍ صحيحة، وفي حالات القتل والجرائم، وفي الأمهات الحوامل التي أدى بهن الإدمانُ إلى الانتحارِ، أو سببَ أمراضاً أدتْ إلى وفاتهن.[4]

إن تأكيدَ حدوث هذه العملية في علم الآثار البيولوجية ليس بالأمرِ السهل. إذ لا يكفي وجود الهيكل العظمي للجنين مع الأنثى، فيمكنُ الجمعُ بينهما حتى لو مات أحدهما قبل الآخر بمدةٍ وجيزة. من المهم تحديدُ موقع مجموعتي الرفات. إن التعرف على الولادة في النعش يتطلب أن تكون بقايا الجنين كاملةً وفي وضعٍ أدنى من مخرج الحوض، ويتماشى معه. ويجب أن يكون رأس الجنين عكسَ رأس الأم. عمرُ الجنينِ مهمٌ أيضاً، لتحديد ما إذا كان صغيراً بما يكفي ليكون حديث الولادة وليس مجرد رضيعٍ.[5]

أول حالةٍ مُسجلةٍ في التاريخ الطبي تعود إلى عام 1551، إذ قامتْ محاكم التفتيش الإسبانية بمُحاكمة امرأةٍ حاملٍ والحكم عليها بالموت شنقاً، بعد أربعِ ساعاتٍ، وبينما كان الجسدُ ما يزالُ مُعلقاً، شوهد جنينان مُتوفيان يتحرران من فتحة المهبل. هذا أمرٌ غيرُ اعتيادي، لقصرِ الوقت المُنقضي بين الوفاة والولادة. ونظراً لعدم توافرِ أي معلوماتٍ عن الظروف المحيطة، فمن غير المعلوم فيما إذا كان السبب تزايداً في سرعة التحلل بسبب عوامل خارجية، أم كانتْ هناك أسبابٌ أُخرى في ساحة الواقعة.[1].

المصادر:

  1. O’rene Daille Ashley, THE CURIOUS CASE OF COFFIN BIRTH, todayifoundout.com, Today I found out, 15 Nov 2015
  2. Brandon Specktor, This Medieval Mother Had a Gruesome ‘Coffin Birth’ After Medieval Brain Surgery, LiveScience.com
  3. Gemma Tarlach, The Coffin Birth Of Liguria: The Science Behind A Sad Story, discovermagazine.com, Apr 3, 2017
  4. Coffin Birth, Encyclopedia.com