الدكتور هي جيانكوي (He Jiankui)، أستاذ في علم الوراثة من جامعة (Southern University of Science and Technology) في شنتشن، الصين، قام بإثارة جدل كبير حيث ادّعى أنه قد قام بتعديل جينات فتاتين توأمين مولودين حديثًا اسمهما لولو ونانا (من غير الواضح ما إذا كانت هذه هي أسماؤهم الحقيقية أو إنها مجرد ألقاب وعلى أغلب هي كذلك). هناك عدة أمور مثيرة للجدل هنا، بدءًا من حقيقة أن ادعاءاته لم يتم التحقق منها بعد.
لم يقم جيانكوي بنشر ادعاءاته بعد، لكنه يقول أنه قدمها لمجلة من أجل مراجعة الأقران. إذا كان صحيحًا، فإن ما فعله هو استخدام تقنية كريسبر (CRISPR) لتغيير الأليل (CCR5) عند الفتاتين التوأمين. والأليل (CCR5) هو جين مرتبط بالخلايا التائية وهو مستقبِل مهم:
الأليل (CCR5) هو المستقبل المساعد (Coreceptor) الرئيسي الذي تستخدمه سلالات فيروس نقص المناعة المكتسب النمط 1 و2 للدخول إلى الخلايا البالعة من النمط M، حيث أن هذه الخلايا هي المسؤولة عن انتقال الفيروس.
هناك عدة أنماط (أليلات) من الجين، وفي الأشخاص الذين لديهم نسختين من هذا الأليل، فإنهم يتمتعون بمقاومة عالية (ولكنهم ليسوا محصنين) ضد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). هذه الأليلات المقاومة هي أكثر شيوعا في الأشخاص من المنحدرين من سلالات أوروبية. بالنسبة لأولئك الذين لديهم نسخة واحدة من الأليل فهم يتقدمون ببطء أكثر للإصابة بالإيدز بعد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). يعد هذا اكتشافًا مهمًا، وهو حاليًا موضوع قيد البحث، وذلك لإيجاد أدوية تستغل هذا الجانب من دورة حياة الفيروسات.
ويقول في شريط فيديو أنه “أزال” جينة (CCR5) للفتيات عندما كانتا في مرحلة الخلية الواحدة، بعد إجراء التلقيح الصناعي. والدهم (يسمى “مارك” في الفيديو) لديه فيروس نقص المناعة البشرية. لا يتم ذكر ما إذا كانت الأم تملك الفيروس أم لا، ولكن الحقيقة أن هذا موضوع مقلق.
يدافع جيانكوي عن أفعاله بالإشارة إلى الطريقة التي يعامل بها المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية في الصين، بما في ذلك رفض تقديم الرعاية الطبية لهم وحتى تعقيمهم قسريًا (جعلهم غير قادرين على الإنجاب). إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فإن ذلك يغير سياق قراره إلى حد ما، لكنه لا يبرر ذلك بشكل كامل.
هناك أسئلة علمية وأخلاقية مع هذه القضية. السؤال العلمي الأول هو – هل يمكن أن تعمل هذه التقنية؟ هناك أدلة قوية وراء دور جين (CCR5) في الإصابة، وتغييره أو إزالته هو وسيلة معقولة لزيادة مقاومة العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية.
ماذا أيضًا عن تقنية كريسبر التي استخدمها لإزالة الجين؟ هي تقنية جديدة ومثيرة تجعل تعديل الجينات أسرع وأرخص. إنها نعمة للبحث العلمي. وتسمح هذه التقنية، المستمدة من البكتيريا، باستهداف متواليات جينية محددة من الحمض النووي، ومن ثم يتم قطع هذه المتواليات وإخراجها، ويمكن حتى استبدالها بتسلسلات بديلة.
ومع ذلك، فهذه التقنية جديدة للغاية، فقد قدمت لأول مرة في عام 2012 ،ولا تزال هناك أسئلة كثيرة تحوم حولها، مثل مخاطر التغييرات الجينية خارج الهدف المرجو. تقوم إنزيمات (CRISPR) باستهداف التسلسل المرغوب، ولكن قد تقوم أيضًا بقطع تسلسلات مشابهة لكنها ليست الهدف المطلوب. بالضبط كم عدد التغييرات خارج الهدف، وكيف يمكن ضبط (CRISPR) للتحكم بمثل هذه التغييرات، ولا يزال هذا مجالًا نشط للبحث.
هذا هو القلق الأساسي حول ما فعله حيث أنه لا تزال هناك مخاطر غير معروفة لاستخدام كريسبر لتغيير الجينوم البشري. ويدعي أنه قام بعمل تسلسل كامل للجينوم قبل وبعد علاج كريسبر، وأن التغيير الوحيد على الجينوم هو إزالة جين الـ (CCR5). إذا كان هذا صحيحًا، فهذا مطمئن، ولكن هذه الادعاءات لم تتم مراجعتها من قبل أحد. السؤال الكبير هو – أين يبحثون عن التغييرات؟ هل قاموا بالفعل بفحص الجينوم بأكمله للبحث عن التغييرات، حتى في الحمض النووي “الخردة” الظاهر؟ أم أنهم بحثوا فقط عن تغييرات في جينات مماثلة؟
لكن في النهاية، فإن تقنية كريسبر واستخدام (CCR5) كهدف لعلاج أو الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية هما عملان جيدان مبنيان على أرضية علمية متينة، ومن المعقول تمامًا أن تعديل الجينات الذي قام به على الفتاتين سينجح ويحقق الغرض المطلوب دون آثار جانبية. هذا ممكن، ولكن ليس لدينا بيانات كافية لمعرفة ما هي المخاطر، وهذه هي المشكلة.
إن أي تداخل طبي على الإنسان، حتى عندما يكون مجرد خلية واحدة، يحتاج إلى إجراء تقييم للمخاطر مقابل الفوائد. الانتقاد الرئيسي لما فعله هو أن الفائدة للفتيات مشكوك فيها، لأنه يمكن منع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل عن طريق علاج فيروس نقص المناعة البشرية للحد من الحمل الفيروسي (جعل عدد الفيروسات في الدم قليل جدًا مما يجعل انتقاله للطفل غير مرجّح). مع العلاج الهجومي يمكن خفض خطر انتقال العدوى إلى 2 ٪ أو أقل.
هناك أيضا مسألة انتقال الفيروس عن طريق الحيوانات المنوية للأب، ولكن العلاجات الحالية المتوافرة لهذه الحالة عالية الفعالية حتى أكثر من حالة إصابة الأم. فبالإضافة إلى تقليل الحمل الفيروسي للأب قبل التبرع بالحيوانات المنوية، يمكن غسل الحيوانات المنوية لإزالة الفيروس. لا توجد حالات معروفة لانتقال فيروس نقص المناعة البشرية من خلال الحيوانات المنوية خلال التلقيح الاصطناعي إذا تم اتخاذ هذه الاحتياطات.
إلى أي مدى سيقلل علاجه بالتعديل الجيني من فرص نقل الفيروس؟ نحن لا نعرف. ولكن حتى لو افترضنا أنه قلل معدل الإصابة إلى صفر في المائة، ما زلنا بحاجة إلى معرفة الجانب الآخر من المعادلة وهو الخطر الذي ممكن أن يسببه هذا الإجراء.
وهذا هو النقد الرئيسي لهذا الإجراء، وهو أنه كان يقوم في الأساس بأبحاث بشرية غير موافق عليها. أنا لست على دراية باللوائح في الصين، ولكن هناك معايير دولية لإجراء البحوث البشرية، لحماية المشاركين في التجربة. إن رد الفعل على إعلانه يجعل الأمر يبدو وكأنه مفاجأة، مما يعني أنه لم يحصل على جميع الموافقات المطلوبة قبل إجراء بحثه.
ويقول أيضًا إن هناك أمًّا أخرى حاملًا بطفل قام بتعديل جيني له أثناء التلقيح الاصطناعي، ولكن دون أن يعطي مزيدًا من التفاصيل.
في النهاية آمل أن كل شيء يسير على ما يرام للولو ونانا، وإذا كان تقريره للإجراء حتى اللحظة دقيق فإنه يبدو أن الأمور جيدة. وقد يصبح هذا أيضًا علاجًا قابلاً للتطبيق، ويمكن أن يصبح علاجًا معياريًا لمثل هذه الحالات. لكن إجراؤه الآن كان سابقٌ لأوانه.
تبقى الآن الأسئلة الأخلاقية الأعمق. ما هي أخلاقيات التعديل العمد لجينات البشر؟ علينا أن نميز أولًا بين تعديل جينات الخلايا الجسمية، وتغير الخلايا الجنسية. إذا قمت فقط بتغيير الخلايا غير الجنسية الناضجة في الشخص، فمهما كانت هذه التغيرات فلن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة. ولكن، إذا قمت بتغيير الخلايا الجنسية، فيصبح ممكنًا تمرير هذه التغييرات، وبالتالي يمكن أن تنتشر هذه التعديلات بين الناس. وبما أنه قام بتغييرات على مستوى الخلية الواحدة، فإن هذه التغييرات ستؤثر على جميع خلايا الفتيات، بما في ذلك الخلايا الجنسية. وهذا أمر خطير من الناحية الأخلاقية.
أنا حقًا أعتقد أن التعديل الجيني الموجَّه لمعالجة الأمراض سيصبح مقبولا بشكل عام، وربما أسرع مما يظن معظم الناس. إن الكريسبر تقنية فعالة جدًا، وتتقدم بسرعة. وبمجرد أن نتحكم بشكل أفضل بسلامتها، سيكون من الصعب حرمان الوالدين الحق من خيار إصلاح مرض وراثي رهيب في أطفالهم.
الجدل الحقيقي في ما يسمى “تصميم الأطفال” وهو تعزيز أو اختيار صفات لا علاقة لها بالصحة أو المرض.
إن نوع التدخل الذي قام به معقول منطقيًا، ومن المحتمل أن يتم تبنيه في المستقبل غير البعيد. المشكلة الحقيقية هي أنه تسرّع بتطبيقها. إن تقنية كريسبر لا تزال جديدة للغاية. نحتاج إلى استغلال الوقت لإتقان وتجسين هذه التقنية أكثر، والحصول على بيانات أفضل حول سلامتها. بعد ذلك، ومع المراقبة والشفافية الكاملة، يمكننا التحدث عن بروتوكولات البحث لدراسة استخدامها على البشر.
إذا كنت قد شاهدت الفيديو فمن الواضح أنه فعل هذا بحسن نيّة وأراد بصدق أن يساعد الوالدين. لكنه يبدو أيضًا أنه ظهر قليلًا بمتلازمة المخلص (الاعتقاد الشخص بأنه مسؤول عن مساعدة وتخليص الآخرين من معاناتهم). في النهاية هذا شكل من التعجرف. فالأمر لا يعود إليه لكي يجعل نفسه مخلصًا ومنقذاً. هناك منهجية لتحديد ما هو أخلاقي ومناسب، وليس هناك سبب مشروع لتجاوز هذه المنهجية.
رابط المقال:
Steven Novella, “Chinese Researcher Reports First Gene-Edited Babies”, November 28, 2018, ink: sciencebasedmedicine.orghttps://sciencebasedmedicine.org/chinese-researcher-reports-first-gene-edited-babies/
ملاحظة: تم إضافة التعبير”علامات استفهام” لاضفاء المعنى التشكيكي المستمد من محتوى المقال على العنوان، تمييزاً له عن المقالات الاخبارية التي تناولت الخبر