رصد فريق من العلماء ارتقاء كائنات وحيدة الخلية (Unicellular Organisms) إلى كائنات متعددة الخلايا (Multicellular) في المختبر وقاموا بتصوير ذلك بالفيديو، كما نشروا ذلك في ورقة علمية نُشرت في (Nature).
من أهم الاسئلة المطروحة في علم الأحياء التطورية هو: كيف نمت وتطورت الحياة على كوكب الأرض بشكل كائنات متعددة الخلايا من كائنات وحيدة الخلايا؟.كيف لكائن وحيد يتكون من خلية واحدة أن يتطور بحيث يصبح عبارة عن تجمع لخلايا كثيرة (cluster)؟ كيف انتقلت الحياة من أشكال بسيطة وحيدة الخلايا كالبكتيريا لأنظمة معقدة وشديدة التعقيد كالإنسان.
من الفرضيات التطورية التي تشرح ارتقاء متعددة الخلايا من وحيدات الخلايا هي فرضية الافتراس (Predation Hypothesis)، والتي تقول ببساطة شديدة إن وحيدات الخلايا كانت تتعرض لضغط انتقائي (Selective Pressure) يتمثل بالافتراس من المنافسين لها في بيئاتها، وكانت من الطرق الناجحة في تخطي الضغط والتغلب على الإفتراس هو أن تتحد الخلايا وتكون بني تركيبية معقدة تتخطى بواسطتها حاجز الافتراس (predation Threshold)، الذي لا يستطيع عنده المفترس الطبيعي أن يتغلب على فريسته وأن ياكلها. بالنسبة لأحادية الخلية، الحاجز هذا يشمل تعقد الكائن وحجمه، حيث كلما كانت الفريسة كبيرة في الحجم، سيكون تمكن المفترس منها أكثر صعوبة (المفترس في التجربة الحالية هو وحيد الخلية أيضاً).
يرتبط مفهوم البقاء للأصلح في نظرية التطور بمفهوم الضغوط الانتقائية بشكل أساسي، صلاحية الفرد تتأثر بمجموعة من العوامل أو الضغوطات التي تؤثر على قدرته التكاثرية، وبالتالي فالأفراد الأصلح من منظور التطور هم الأفراد القادرون على مجابهة الضغوطات الإنتقائية التي تهدد بقاءهم.
وبناءًا على الفرضية، فإن صلاحية وحيدات الخلايا في بعض البيئات كانت متأثرة بوجود مفترس طبيعي، ومع امتلاكهم للتعقيد والتعدد، فإن قدرتهم التكاثرية صارت أعلى لأن الضغط التقليدي لم يعد قادراً على أن يقلل من أعدادهم بالافتراس، وبالتالي فإن لياقتهم (fitness) أصبحت أفضل من السابق. فالتعدد الخلوي كان وسيلة أنجح في تخطي ضغوطات البيئة الانتقائية، وبالتالي فقد نشأت كائنات متعددة الخلايا عن وحيدات الخلايا، وانتشرت في بيئات مختلفة، وارتقت بأشكال الحياة كما نعرفها اليوم.
في يوم 20 فبراير الجاري، نُشرت ورقة علمية بعنوان جذور استحداث تعدد الخلايا بالاستجابة للافتراس (De novo origins of multicellularity in response to predation) في مجلة ساينتفك ريبورتس (Scientific Reports) التابعة للدورية العلمية الأشهر (Nature). الدراسة تضمنت مجموعة من التجارب التي أجريت على نوع مهجن من الطحالب الخضراء وحيدة الخلية اسمه (Chlamydomonas reinhardtii) ومفترسها وحيد الخلية الخطير (Paramecium tetraurelia).( الباراميسيوم يتغذى على الصحالب والفطريات والبكتيريا، ويعيش في بيئات مائية).
استطاعت خلايا الطحالب بعد حوالي 750 جيل من التكاثر اللاجنسي، أن تتجمع وتتكاتف وتكون كائنات متعددة الخلايا في عينتين من أصل خمس عينات في التجربة، على مدى 50 أسبوعاً. 750 جيل في 50 أسبوع بالنسبة للطحالب، توازي 25 ألف سنة من حياة الإنسان (على أساس إنها المدة التي قد يحتاجها جنس الإنسان لإنتاج 750 جيل، بافتراض أن جنسنا ينتج 3 أجيال كل 100 سنة، يعني أسلافنا الذين نعتبر بالنسبة لهم الجيل رقم 750، كانوا يعيشون على الأرض قبل اختراع حضارة الفراعنة والسومريين للكتابة بحوالي 21 ألف سنة). وبامتلاكنا القدرات التجريبية التي تجعلنا قادرين على فهم الآليات الأصيلة لعملية الحياة، التي في العادي يتطلب ذلك وقتاً طويلاً جدا، في أقل من سنة واحدة، هو إنجاز حقيقي لا خلاف عليه.
الورقة هذه تعطينا واحداً من أهم الدلائل التجريبية لتفسير واحدة من القضايا المهمة في التطور، وهي خطوة انتقال الحياة من الوحدانية للتعدد، والتي هي خطوة كبيرة في التاريخ البيولوجي، وتفسير ذلك، أمر مهم جداً.
الورقة العلمية الأصلية مدعمة بالفيديوهات (قابلة للتحميل): https://www.nature.com/articles/s41598-019-39558-8
الصورة: تصف مجموعة من العينات في التجربة، A-D، ويُمكن أن نلاحظ إن الخلايا فيِ A وحيدة ومنفصلة، ومع مرور الوقت وانحدار الأجيال، في B بدأت تظهر متعددة الخلايا، يجمعها قالب خارجي خلوي (Extracellular Matrix) على هيئة كبسولة بدائية، ثم أشكال مختلفة أكبر وأكثر تعقيدا، في C وD.
ما يجب فهمه في الصورة، إنها ليست مجرد تجمعات خلوية، لكن التجمعات الخلوية في الصورة هي كائنات مستقلة لها دورة حياة خاصة بها مختلفة عن الكائنات وحيدة الخلايا المستقلة حتى أنها تتكاثر أيضاً.