سكوت جافورا (Science-based Medicine): الاوسيلوكوكسينوم (Oscilliococcinum) هو أحد العلاجات المثلية (Homeopathic) التي تتم عن طريق أخذ القلب والكبد من بطة (وتحديداً البطة الروسية) وتخفيفها (dilution) ملايين المرات لتصبح مجرد ماء. إنها دواء وهمي (Placebo)، لكنها تباع على نطاق واسع من قبل الصيدليات باعتبارها “علاجًا” لنزلات البرد والإنفلونزا.
واجهت الصيدليات لبعض الوقت مشكلة بيع حبوب مصنوعة من السكر على أنها أدوية ذات فعالية لكنها في الحقيقة أدوية وهمية (placebo). قد تبدو “العلاجات” المثلية (Homeopathic) مثل الطب التقليدي عندما تكون معروضة على رفوف الصيدليات. ولكن على عكس الطب التقليدي الذي يحتوي على مكونات فعلية، فمنتجات المعالجة المثلية لا تحتوي على أي “دواء” على الإطلاق. فمن غير المستغرب أن هناك أدلة مقنعة تثبت أن المعالجة المثلية لا فائدة منها من الناحية الطبية، وأنها تتعارض بشكل أساسي مع الفهم العلمي للطب والكيمياء الحيوية وحتى الفيزياء. إذن لماذا تباع في الصيدليات على الرغم من أن هناك أسباب مقنعة تؤكد أن هذه الممارسة غير أخلاقية؟ حيث أن مبيعات الصيدليات قد تضلل المستهلكين وتقودهم إلى الاعتقاد بأن هذه المنتجات آمنة وفعالة، ومع ذلك أظهر مسح أجري مؤخرا أن ثلثي الصيدليات في مونتريال في كندا تبيع علاج دواء الزكام الوهمي (Oscillococcinum). في خضم موسم الإنفلونزا ، فلماذا تبيع الصيدليات مادة غير فعالة للمستهلكين؟
إنها حقًا مخففة جدًا
يعتمد جزء من الاعتراضات على المعالجة المثلية في الصيدليات على حقيقة أنها ليست سوى علاج وهمي. غالباً ما يُساء فهم المعالجة المثلية حيث يُظن أنها علاج طبيعي، شبيه بنوع من الأدوية العشبية. اخترعت العلاجات المثلية بشكل كامل في 1796 من قبل صموئيل هانمان (Samuel Hahnemann)، وهو طبيب ألماني وصف هذه الممارسة بأنها تقوم على مبدأين رئيسيين، أطلق عليهما “القوانين”:
- “قانون” المماثلات(The “Law” of Similars): حيث اعتقد (Hahnemann) أن المواد التي تنتج أعراضًا محددة لدى الأشخاص الأصحاء ستُعالج نفس الأعراض في الشخص المريض. في بعض الأحيان يشار إليها بـ”المشابهات تعالج مشابهاتها”، إن قانون المماثلات هو مجرد شكل من أشكال التفكير السحري. يمكن تركيب “العلاجات” المثلية باستخدام المكونات الطبيعية مثل الملح أو البصل ، ولكن أيضًا مواد مثل حطام السفن، والمصابيح الكهربائية، وجدار برلين، وحتى غبار المكنسة الكهربائية أو ضوء القمر. عندما يتم استخدام المواد المُعدية ، يسمى العلاج “nosode” حيث يعتقدون أن هذه المنتجات يمكنها علاج أو منع العدوى. يتم تحديد المواد التي سوف تعالج الأعراض من خلال عملية تسمى “الإثبات” (Proving) والتي لا أساس علمي لها أصلًا.
- “قانون” لامتناهية الصغر (Infinitesimals): يعتقد هانمان أن فعالية علاج تزيد عندما يكون العلاج مخففًا. وقام بترويج سلسلة من التخفيفات المتتابعة للعلاج مع هز العبوة بعد كل تخفيف، معتبرًا أن الماء سوف “يتذكر” الاتصال مع المادة الأصلية. وفقا لنظريات هانمان، عندما تمت إضافة كمية كافية من الماء لتخفيف المادة الأصلية بحيث لن يبقى أي جزء من المادة أصلًا، كان يعتقد أن “العلاج” يكون في أقوى حالاته. تخيل وضع قطرة واحدة من مادة في وعاء من الماء. لكن الاختلاف الوحيد هو أن قطر هذا الوعاء 131 سنة ضوئية. الآن قم برجّها. هذا ما يعادل ما يدعونه (30C) الذي يحظى بشعبية في المعالجة المثلية. سيكون عليك تناول قرص من السكر بحجم الأرض للحصول على جزيء واحد من المادة الأصلية.
يتم تحضير الـ (Oscillococcinum)عن طريق قطع رأس بطة روسية، مع أخذ 35 غرام من كبدها و15 جرام من قلبها وتخميرها لمدة 40 يومًا:
اقطع رأس البطة ثم قم بأخذ 35 غرام من قلبها و 15 من كبدها ثم اخلطها مع سوائل البنكرياس و الغلوكوز واتركها لتتخمر لأربعين يومًا ثم مددها ومددها ومددها…
يتم غلي البطة المخمرة ثم يتم تعريضها لتخفيفات متسلسلة (جزء واحد من100 جزء) ل200 مرة على التوالي لتدعى عندها (200C). يتم تعبئة السائل الممدد النهائي في أقراص اللاكتوز والسكروز. (200C) تعتبر قوية بشكل كبير عند أتباع هذا العلاج. وقد لوحظ أنه من أجل الحصول على جزيء واحد من البط الأصلي المخمّر، فإن حجم الأقراص يجب أن يزيد عن كتلة الكون بكامله. في ما يلي جدول يوضح مدى تمدد المحلول:
من المستحيل رياضياً أن يكون هناك أي من المخمّر الأصلي في المنتج النهائي. ومع ذلك قد لا تعرف أيًا من ذلك إذا قرأت العبوة.
بيع الهراء
لا يوجد أي جدل علمي جاد حول العلاج المثلي. وبناءً على ذلك فإنك تتوقع أن تكون كليات الصيدلة، المليئة بحملة شهادات الدكتوراه مع خلفيات في علم الصيدلة والكيمياء الطبية والعلاجات، الذين لديهم الخلفية العلمية والمبادئ الأخلاقية الضرورية لتحذير الطلاب، والمجتمع الصيدلاني ككل، حول عدم جدوى العلاجات المثلية وتعارض أخلاقيات المهنة مع عرض العلاجات المثلية للبيع. إن كنت تتوقع أن المهنة (التي تخضع للتنظيم الذاتي في معظم البلدان) ترغب في تجنب الارتباط بالعلم الزائف فأنت على خطأ:
وجد مسح من 150 صيدلية في مونتريال أجراه مكتب ماكغيل للعلوم والمجتمع (McGill Office for Science and Society) في الشهر الماضي أن ثلثيهم قد خزنوا الأوسيلوكوكسينوم (Oscillococcinum)، على الرغم من حقيقة أن المنتج “غير فعال و لا يمكن أن يكون فعالًا وفقًا لمعرفتنا العلمية”، وفقًا لمنشور على موقع المكتب كان المنتج، الذي يدَّعي اختصار مدة أعراض الأنفلونزا، يباع مقابل 37.99 دولار لعلبة من 30 جرعة في صيدلية “جان كوتو” في مونتريال يوم الأربعاء.
أجرى مكتب العلوم والمجتمع في جامعة ماكجيل مؤخرًا دراسة استقصائية في مونتريال لفهم مدى سهولة العثور على(Oscilliococcinum) في الصيدلية :
ركزنا حصريًا على أكبر خمس سلاسل صيدليات في كيبيك: (Jean-Coutu) و (Familiprix) و (Uniprix) و (Proxim) و (Pharmaprix). لكل سلسلة، تم اختيار عينة من 30 صيدلية عبر مولد أرقام عشوائي.
وبدأت المكالمات، كلها باللغة الفرنسية، بالنص التالي: “أود أن أعرف ما إذا كان لديكم علاجًا مثليًا يطلق عليه (Oscillococcinum)، وهو علاج مثلي ضد الانفلونزا مصنّع من قبل (Boiron)”. وإذا لم يكن موجودًا عندهم، كنت أسألهم إذا كان موجودًا لديهم عادةً. كنت أتحدث إلى أحد موظفي الطابق أو أحد أعضاء فريق الصيدلة، بناءً على من كان يعرف الإجابة. واحتفظتُ بالحصيلة.
من أصل 150 صيدلية في جزيرة مونتريال التي تم شملها في التحقيق، أفاد 66٪ منهم بامتلاكهم للأوسيلوكوكسينوم في حين30٪ لم يفعلوا ذلك بينما لم يتم الوصول إلى 4٪ منهم، غالبًا بسبب إغلاق الصيدلية المذكورة. كان من المرجح أن تبيع بعض السلاسل المنتج أكثر من غيرها، حيث أظهر التحقيق أن (Jean-Coutu) و (Pharmaprix)هما الأكثر احتمالًا (80٪ من متاجرها) وكانت (Proxim) الأقل احتمالًا (50٪ من متاجرها تملكه).
من يبحث عن المستهلكين؟
أنا لست مندهشًا من النتائج. لقد وجدت (Oscilliococcinum) تقريبًا في كل صيدلة قمت بزيارتها. في المرات القليلة التي سألت فيها الصيدلاني عن سبب بيعها، كان الرد دائمًا “لا نملك قرارًا حول ما الذي يوضع على الرفوف”، وهي نقطة عادلة، لأن معظم الصيادلة يعملون كموظفين لدى الشركات الكبيرة، والحكم الذاتي الذي قد يكون لديهم في الصيدلية قد اختفى من مدة طويلة. ومع ذلك، من الجدير بالذكر أيضًا الإشارة إلى أن بيع المستحضرات المثلية يتعارض مع أخلاقيات المهنة، وهي نقطة قمت بالإشارة إليها قبلًا وتم الإشارة إليه في التقرير التالي.
مهنة قائمة على الأدلة تبيع لك حبوب السكر
حقيقة أن ثلثي الصيدليات التي مقرها في مونتريال ستبيع لنا معالجة زائفة للإنفلونزا التي تستهدف البالغين والأطفال والرضع على حد سواء من الصعب التوفيق بينها وبين بيان أخلاقيات المهنة الصيدلانية الصادر عن مدينة كيبيك. ويصفون المهمة المذكورة بأنها “ضمان حماية للجمهور”، ولكن كيف تتم حماية الجمهور عندما تبيع الصيدليات لهم أقراص الدواء الوهمي؟ فجزء من الضرر مادي حيث أن 30 جرعة من هذه الكرات الخالية من المفعول منها تباع مقابل 36 دولار كندي. والجزء الآخر للضرر يتمثل بالاعتقاد الخاطئ بالأمان تجاه استخدام الدواء الذي سيحصل عليه الآباء والتأخير في العلاج المناسب إذا لزم الأمر. وفي نهاية المطاف، يكون الضرر الأخير في إضفاء الشرعية على العلوم الزائفة التي يقوم مبدؤها الأساسي على أنه كلما زاد إضافة الماء إلى شيء ما (مثل الكحول)، كلما أصبح أكثر قوة.
هذه ليست مشكلة فقط في كيبيك، فهي قضية عالمية لمهنة الصيدلة. بالنظر إلى أخلاقيات المعالجة المثلية، من المخيب للآمال أن نرى بعض الجمعيات الصيدلانية تغير قواعد أخلاقياتها لتسهيل بيع المعالجة المثلية، بدلاً من إزالتها ببساطة من رفوف الصيدليات. في المقابل، تدعو جمعيات صيدلانية أخرى إلى إزالتها، كما نرى في أستراليا:
صرحت الجمعية الصيدلانية في أستراليا (PSA) اليوم بأن راية الصيدلية المجتمعية ومجموعات الشراء يجب أن ترسم خطاً في الرمال وتوقف جميع الأنشطة التي تشجع على تخزين الأدوية المثلية أو الترويج لها أو التوصية بها أو تسويقها. نشر رئيس منظمة (PSA) الدكتور كريس فريمان رسالة مفتوحة وكتب إلى العلامات التجارية الضخمة ومجموعات الشراء، مشيرًا إلى أن الكثير من الناس لم يكونوا على دراية بأنه لا يوجد دليل موثوق على استخدام منتجات المعالجة المثلية.
وقال: “إن الصحة العامة معرضة للخطر إذا ما اختار الناس المعالجة المثلية بدلاً من العلاجات التي أثبتت الأدلة أنها آمنة وفعالة”.
وقدمت (PSA) المشورة للصيادلة في توصياتها المختارة بحكمة الشهر الماضي. واحدة من التوصيات الست كانت:
“لا تشجع أو تقدم منتجات المعالجة المثلية لأنه لا يوجد دليل موثوق على فعاليتها. في الحالات التي يختار فيها المرضى الوصول إلى العلاجات المثلية، ينبغي على المختصين في مجال الصحة مناقشة عدم فائدتها مع المرضى”.
وقال الدكتور فريمان: “عندما تكون منتجات المعالجة المثلية متاحة في الصيدليات المجتمعية، قد يرى المرضى ذلك كتأييد لاستخدامها”. إن توريد منتجات المعالجة المثلية يتعارض مع قواعد(PSA) في أخلاقيات الصيادلة . تنص مدونة الأخلاقيات، المعترف بها من قبل مجلس الصيدلة في أستراليا، على أنه يجب على الصيادلة “فقط توفير أو تعزيز أي دواء، أو دواء تكميلي، أو علاج بالأعشاب، أو غيرها من منتجات الرعاية الصحية حيث يوجد دليل موثوق على أن فعالية وفائدة الاستخدام تفوق المخاطر. “يوضح قانون (PSA) في أخلاقيات الصيدلة أن منتجات المعالجة المثلية لا ينبغي تخزينها أو بيعها في الصيدليات المجتمعية. وقال الدكتور فريمان: “يجب أن تقوم كل من العلامات التجارية ومجموعات الشراء بكل ما في وسعها لإزالة هذه المنتجات من رفوف العرض في الصيدليات”.
هذا التوتر المستمر بين “تجارة الصيدلة” والمسؤوليات المهنية للصيادلة، كمتخصصين في الرعاية الصحية، كانت دائمًا موجودة. في إحدى الأوقات، باعت معظم الصيدليات السجائر. الآن (على الأقل في كندا) توقفوا عن ذلك، لقد كان قرارًا مهنيًا لوقف البيع، فرضته المهنة نفسها. لكن هذا الضغط للحصول على الزبون بأي طريقة وبيعه ما يريده (وليس فقط ما يحتاج إليه) يستمر. وعلى الرغم من الأدلة، يُسمح ببيع المنتجات المثلية، ويتم تسويقها للحالات الطبية. لكن يبدو أن بعض الصيدليات على استعداد لرفض بيعها رغم خسارة محتملة. نعم، يعتبر الصيادلة من المهنيين الصحيين الموثوقين. وقد اكتسبوا تلك الثقة عن جدارة. لكن هل ستحافظ هذه المهنة على الثقة الممنوحة لها؟
المقال الأصلي:
Scott Gavura, Pharmacies continue to sell sugar pills as flu remedy, sciencebasedmedicine.org, January 24, 2019