يروج لاعبو بناء الأجسام لكل ما عرفته الرياضة من منتجات زائفة أو غير مفيدة منذ ظهورها حتى الآن، وتتبعهم جموع غفيرة من الشباب بالملايين أو مئات الملايين ممن يعتقدون أن تلك “المكملات” هي السبب في الهيئة المثالية التي يمتاز بها لاعبو بناء الأجسام. تزدحم علبة الشاب بكمية كبيرة من الحبوب الملونة التي سيسرد عليك قصة كل منها وتأثيره أو سيقول أن المدرب أوصاه بها، ثم يتجه لعلب بروتين مصل اللبن في توقيتات دقيقة باليوم ولا ينسى بالتأكيد أن يأخذ جرعة كبيرة من مسحوق ما قبل التمرين (pre-workout) وكأنه إحدى العجائز اللواتي يخلطن الأعشاب ويصنعن التمائم عند الغروب لتحقيق امانيهن. لكن مسيرة الشاب المتقنة هذه ستنتهي بثلاثة طرق، حقن الهورمونات، أو ترك الرياضة، أو الاستمرار مع التيقن بأن كل الأساطير التي سمعها عن تلك المنتجات ليست كافية لجعله شبيهاً بمن نصحه بها.
بعيداً عن بناء الأجسام – وهي الرياضة الوحيدة التي يتعاطى الكثير من محترفيها الستيرويدات – يُمكن ملاحظة الأشكال الطبيعية ونسب الدهون الطبيعية للرياضي النموذجي الذي لا يُمكنه أن يستخدم الهورمونات لأن مسيرته الرياضية ستنتهي ببساطة. المصارعون ذوو الأجسام التي تبدو عليها نسبة الدهون المرتفعة، العداؤون النحيفون، لاعبو كرة القدم والسلة، عداؤو المئة متر ذوو الأجسام الشبيهة بتماثيل اليونان والتي نحتت قبل اختراع الحقن الستيرويدية بآلاف السنين. ماذا يفعل هؤلاء؟ هل هم نحيفون لأنهم لا يتناولون تلك الوصفات السحرية؟
في الواقع لو أردت أن تتوقع أفضل نتيجة ممكنة للتمارين الرياضية فعليك أن تسلم بأمرين، مهما أنجزت من تمارين ومهما طالت الفترة لذلك فلن تكون أفضل من عدائي المئة متر من حيث الشكل أو من الرباعين من حيث القوة. نعم فالرباعون هم النظير الأقرب لبناة الأجسام، لكن هل ترغب أن تنال شكل البطل الجورجي لاشا تلاخزاده (Lasha Talakhadze) وقوته معاً؟ حقق لاشا رقماً قياسياً بتمرين الخطف (snatch) وصل إلى 220 كيلوغرام، بالمقابل ومن بين مشاهير بناء الأجسام يقال إن ارنولد شوارتزينغير قد رفع نصف ذلك الوزن في نفس الحركة كرقم قياسي له، وربما يستطيع آخرون من رياضة بناء الاجسام مثل روني كولمان أن يزيدوا على ما رفعه شوارتزينغير بقليل لكن شتان بين لاعبي بناء الأجسام وبين الرباعين.
لاشا تلاخزاده
يتناول أشخاص مثل لاشا ما يقارب الخمسة آلاف سعرة حرارية في اليوم ويؤدون التمارين لما يقارب الأربعة ساعات. القوة القصوى التي يُمكن أن يبلغها البشر تتواجد بين هؤلاء. هل يُمكن أن تجد السكس باكس في مسابقة أقوى رجل في العالم؟ شاهد صورة بريان شو. القوة لا تتزامن مع الهيئة الرشيقة دون حقن الستيرويد، وحتى تلك الحقن لا تحقق ذلك المستوى من القوة.
إذاً، لا يُمكن بناء تلك العضلات دون ضريبة قاسية من الشحوم، ولن يخاطر أحد هؤلاء بما يسمى “التنشيف”، فعندئذ سيخسر الاثنان سوية. وهذا ما سيحدث لنا جميعاً أيضاً لكن بمعدل غير محسوس، نحن نتخيل فقط أننا قمنا ببناء العضلات وتناولنا الكثير من الطعام ثم سنحافظ على كل شيء، لكن هذا غير واقعي وغير موجود. هل من رياضة طبيعية وصلت لذلك؟
في كثير من الرياضات وفي نفس الرياضة، يُمكن ملاحظة بعض الرياضيين ممن لديهم بنية عضلية متميزة أكثر من أقرانهم حتى ولو لم يكن اداؤهم هو الأفضل في تلك الرياضة. السبب قد يعود لما طرحناه في مقال سابق (هل يمكن حقاً زيادة التستوستيرون عبر الوسائل الطبيعية لتعزيز البناء العضلي؟) في المقال شاركنا مخططاً من دراسة أجريت على نسب التستوستيرون لعدد كبير من الرياضيين من رياضات مختلفة، ويُمكن ملاحظة التباينات الشديدة في نسبة الهرمون الطبيعية بين الذكور بينما تتكثف قيم النساء في منطقة واحدة ضمن المخطط، هذا فضلاً عن عوامل فردية أخرى كثيرة.
هل يُمكن خرق تلك العوامل الجسمية التي تجعلنا مختلفين؟ هل استطاع الرياضيون ذلك؟ وهم الذين خصصوا جميع وقتهم لممارسة الرياضة بشكل احترافي، على الأغلب لن تستطيع خرق تلك الاختلافات مثلما لم يستطع هؤلاء. هناك استثناءات، لكن تلك الحالات الفردية ليست كثيرة، فكثيراً ما تتشابه بنية الرياضيين ضمن الرياضة الواحدة. السبب ذاته يجعل ظهور النساء بمظهر عضلي شبيه بالرجال أمر غير ممكن دون استخدام الستيرويدات التي تغير الصوت وتغير خصائص انثوية كثيرة.
ماذا عن نسبة الدهون في الجسم؟ تتراوح نسبة الدهون في أجسام لاعبي بناء الأجسام من الذكور بين 3-8% بينما نرى في دراسة نشرت في الدورية الأمريكية للطب الرياضي أن نسبة الدهون لدى الرجال في معظم الرياضات الحقيقية (التي تمنع استخدام الهورمونات) يزيد عن 10% بل ويزيد على 15% في بعض الرياضات. أين السر في ذلك؟ لعله استخدام الهورمونات، ومن المعروف أثر الستيرويدات في تخفيض نسبة الدهون في الجسم.
في الختام، يمكننا ملاحظة ترابط واضح بين بناء العضلات وتجميع الدهون، والوصول الى مرحلة حرجة تجمع الاثنين هي تحدٍ كبير. يُمكن أن تجد بشكل نادر بعضاً من الرياضيين الذين يمارسون رياضات حقيقية ولهم نسبة دهون منخفضة وبنية عضلية شبيهة بلاعبي بناء الأجسام، لكن الغالب أن مشاهدة الرياضات المختلفة هي الصورة الأفضل لما يُمكن أن تكون عليه أجسامنا عند ممارسة الرياضة بالتزام شديد كما يفعل هؤلاء الرياضيون لا كما يخبرنا المدربون في صالات بناء الأجسام أو في مجموعات الرشاقة وبناء الأجسام في فيسبوك، والصور التي نراها في الرياضات الحقيقية هي الأقرب لما يمكن أن تتوقعه لو اجتهدت في تمارين رياضية جدية كما يتمرن محترفوها وللفترة الكافية.
مصادر:
[1] Haerinejad, Mohammad Javad, et al. “The prevalence and characteristics of performance-enhancing drug use among bodybuilding athletes in the south of Iran, Bushehr.” Asian journal of sports medicine 7.3 (2016).
[2] Leigh Reason, “What Is a Good Body Fat Percentage for a Bodybuilder?”, Livestrong.com
[3] Fleck, Steven J. “Body composition of elite American athletes.” The American journal of sports medicine 11.6 (1983): 398-403.