يعاني الكثير من الناس من ذكريات اليمة تشتمل على الخيانات العاطفية او خسارة بعض الاشخاص المقربين الذين يشكلون اهمية عاطفية ومادية بالغة في حياتنا, كما يعاني اناس اخرون من وجود ذكريات مؤلمة مليئة بالعنف والدماء كالاشخاص الذي نجوا من تفجيرات مميتة في احد الايام او الاشخاص الذين تعرضوا لتجربة السجن في دولهم التي لا تحترم حقوق الانسان بأي شكل من الاشكال, وتشكل هذه الذكريات عائقا بارزا في التقدم بالحياة بسلاسة وقد تكون عائقا ابديا امام تقدم الشخص ونظرته للعالم.
إذا فإن احد المواضيع المهمة في علم الاعصاب وبمجال الذاكرة بالاخص هو هل نستطيع ان نرغم ادمغتنا على نسيان احداث معينة؟
قبل ان قراءة هذا المقال المختصر انصح بالرجوع الى باقي المقالات التي تتعلق بالذاكرة:كيف نقوي ذاكرتنا وكيف نتذكر ولماذا ننسى (الاسس البايولوجية والنظريات) ولماذا ننسى.
على الرغم من ان الامر مختلف به, وان بعض اراء الباحثين كانت تشير الى عدم قدرة الانسان على ارغام دماغه على نسيان اشياء معينة فإن مجموعة من الباحثين الامريكان من جامعتي ستانفورد واوريگون توصلوا حديثا الى ما هو خلاف ذلك .
وقد تم ذلك من خلال تجربة طبقت على مجموعة من الاشخاص تم اطلاعهم على عدد من ثنائيات الكلمات مثل (ordeal-roach, steam-train and jaw-gum) وطلب منهم ان يحفظوا بعضها وان ينسوا البعض الاخر. وقد ثبت بعد الاختبار ان الاشخاص نسوا الكلمات التي طلب منهم ان ينسوها في حين انهم كانوا قادرين على تذكر ما طلب منهم ان يتذكروه من الكلمات. ويشير هذا الى تحكم الانسان فيما يتذكره وما ينسه او خضوع النسيان والتذكر الى المؤثر الارادي. يقول الدكتور (Michael Anderson) انه بصدد تطوير هذا النموذج وفهمه بشكل اعمق للوصول الى نتائج افضل قد تفيد الاشخاص الذين تعرضوا لكوارث بشرية تهدد كيانهم مستقبلا مثل الاشخاص الذين تعرضوا لأحداث 11 سبتمبر.
نقطة اخرى نثيرها على ضوء المقالات السابقة وبعرض حالتين من اغلب الحالات التي يود الناس نسيانها, الاولى هي تجربة السجن او المستشفى او الرحلة السيئة وهنا على ضوء فكرة الارتباطات التي تنشأ من كثرة الحواس المستخدمة في تذكر الشئ وكثرة الاماكن والاشخاص المرتبطة به, بناء على ذلك فإن نسيان هذه الاحداث سيكون سهلا إذ ان تجربة السجن بجميع ما فيها من انتهاكات او مساوئ غير انها مختزلة بمكان واحد لن يراه الشخص ثانية وبأشخاص لن يراهم ثانية وسيخرج الى عالم جديد بعدها لن تؤدي رؤية اشياء فيه الى ارتباطات تتعلق بالسجن. وكذلك الحال مع المستشفى او مع الرحلة السيئة الى بلد او مدينة اخرى.
اما الحالة الثانية وهي حالة المغامرات العاطفية ذات النهايات غير المحمودة كالانفصال بأسبابه المتعددة فالارتباطات الناتجة منها تثري جميع مرافق الحياة وسرعان ما تترك العلاقة الوانها على جميع ما موجود في حياة الشخص اليومية وإذا فكرة ان الارتباطات تنشأ في قشرة الدماغ فإنها هنا ستكون مشبعة بالذكريات عن كل ما خاضه الشخص من يوميات, إذا فسيكون النسيان اكثر صعوبة عدا اهمية دور العواطف في تقوية الذاكرة التي تمت الاشارة اليها في المقال ( كيف نقوي ذاكرتنا) ومع ان الالم الناتج قد لا يكون معادلا لتجربة السجن غير ان اضمحلال هذه التجربة لن يكون سهلا دون اصطباغ مرافق الحياة بذكريات جديدة.