إنَّ متابعة الاستكشاف العلمي لحالة مرضية جديدة لحظةً بلحظةٍ أمرٌ مثير للاهتمام، إذ يكشف الكثير عن وظيفة العلوم الطبية، وكيف يتناول العلماء المشاكل المُعقَّدة، وهو أحد أسباب متابعتي عن كثب قصة “كوفيد” طويل الأمد، وقد تكشفت تدريجيًّا على مدار السنوات القليلة الماضية، كما أعالج مرضى مصابين بأعراض فيروس “كوفيد” طويل الأمد؛ لذا فهو مهم لممارستي السريرية أيضًا.
“كوفيد” طويل الأمد مصطلحه العلمي: مضاعفات ما بعد الإصابة الحادة بفيروس “كورونا” المرتبط بالمتلازمة التنفسيَّة الحادة الشديدة مِن النوع الثاني “سارس-كوف 2″، وهو مجموعة من الأعراض التي تستمر بعد زوال أعراض مرض سارس-كوف 2″.
وتُشير التقديرات إلى أنَّ نسبة تتراوح من خمسة إلى ثلاثين في المئة من الأشخاص الذين أُصيبوا بـ”كوفيد” لديهم بعضُ أعراض “كوفيد” طويلة الأمد، التي قد تستمر لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات بعد الإصابة، وهذا التفاوت في التقديرات ناجم عن الطبيعة غير المتجانسة للمتلازمة.
ما أعراضُ “كوفيد” طويل الأمد؟
هناك تباين ملحوظ في كيفية الإبلاغ عن المتلازمة وتشخيصها، وقد تظهر الكثير من الأعراض المحتملة، ولكن أكثرها شيوعًا الإرهاق، وضبابية الدماغ، والشعور بالوهن، والدوخة، والرعاش، وأعراض في الجهاز الهضمي، نُدرك أن مرض “كوفيد” يؤثر في العديد من الأنظمة، ولا يقتصر على الجهاز التنفسي فقط؛ لذلك فإنه من المنطقي أن العديد من أجهزة الأعضاء المختلفة يمكن أن يتأثر بـ”كوفيد” الطويل الأمد، مما يجعل التشخيص والاستقصاء عن الأسباب المحتملة أمرًا صعبًا، كما أدّى ذلك إلى عَدِّ أعراض العديد من المرضى الأوائل أعراضًا نفسيَّةً، لكنْ أصبح الآنَ فهم أعراض “كوفيد” طويلِ الأمد اعتياديًّا.
لا تزال هناك قائمة طويلة من الأسباب المحتملة لفيروس “كوفيد” طويل الأمد، بما في ذلك: غزو الفيروس المباشر أو غير المباشر للدماغ، وخلل التنظيم المناعي، والاضطرابات الهرمونية، وارتفاع مستويات “السيتوكين” بسبب رد الفعل المناعي الذي يؤدي إلى إلتهاب مزمن، وتلف الأنسجة المباشر للأعضاء الأخرى، والإلتهاب المستمر المنخفض الدرجة، كما اقتُرِحَ ضمن الأسباب المحتملة استمرار النشاط الفيروسيِّ أو كمونُه أو إعادةُ تنشيطه على مدى السنوات القليلة الماضية، واتجهت البحوث نحو خلل التنظيم المناعي، لكن لم يثبت ذلك إثباتًا قاطعًا، على الأرجح هناك أسباب مختلفة لدى مختلف الأشخاص.
أظهرت دراسةٌ حديثة -على سبيل المثال– أنَّ المُسْتَضِدّاتِ التي خلَّفَتْها عدوى “كوفيد” تغير طريقة الاستجابة للـ”كورتيزول”، خاصةً في الدماغ، ممّا قد يتسبب في استجابة مفرطة للإجهاد الالتهابي.
لا يزال التشخيص صعبًا؛ لأنه لم يحدد أي مؤشر حيوي مفيد سريرياً حتى الآن. المؤشرات الحيوية هي تغييرات لمعيار قابل للقياس؛ مثل اختبار الدم للقياس الفسيولوجي، الذي يرتبط بوجود متلازمة سريرية يمكن تحديدها، على سبيل المثال، يعد ارتفاع نسبة السكر في الدم علامة لمرض السكري، ويمكن استخدامه للتشخيص، ولكنَّ “كوفيد” طويل الأمد ليس لديه مثل هذا المؤشر الحيوي.
وهذا لا يشكك في وجود “كوفيد” طويل الأمد، حيث تفتقر العديد من الحالات الطبية المعترف بها إلى المؤشرات الحيوية؛ مثل الصداع النصفي، كما يصعب تحديد المؤشرات الحيوية ولا سيما عندما يكون المرض متعدد العوامل، أو يتضمن العديد من الظواهر ذات الصلة. باختصار، “كوفيد” طويل الأمد على الأرجح سيظهر بأكثر من طريقة، وإن أجهزة الأعضاء المختلفة تتأثر بعدوى “كوفيد” بطرق مختلفة.
إضافة إلى وجود علاقة ثنائية الاتجاه بين المؤشرات الحيوية وفهم الفيسيولوجيا المرضية للمتلازمة السريرية، إذا حددنا علامة بيولوجية، فهذا دليل على ما يسبب الأعراض، وإذا أدركنا ما الذي يسبب أحد الأعراض أو العديد منها، تلك التي من شأنها أن تشير إلى العلامات الحيوية المحتملة، أخذناها في الاعتبار. حتى الآن لم نتحقق تحققًا أكيدًا من كلا الأمرين، لذلك ما زلنا في مرحلة الاستكشاف.
بغض النظر عن فهمنا المبدئي لفيروس “كوفيد” طويل الأمد، هل يمكن علاجه؟ نعم ولا، وفقًا لمراجعة منهجية حديثة لعلاجات “كوفيد” طويلة الأمد، أظهرت ست تجارب منشورة تحسُّنًا ملحوظًا في أعراض “كوفيد” طويل الأمد مع علاجات محددَّة، ومع ذلك، فإنَّ جميع هذه العلاجات قائمٌ على الأعراض، ولا يستهدف أيَّ مسببات محتملة، أو قُل: إذا عالجت التعب بالمنشطات، أو الصداع بالمسكنات، فقد يكون لها تأثير، لكنَّ هذا لا يخبرنا شيئًا عن أسباب التعب أو الصداع.
كما أظهرت الدراسة أننا في المراحل الأولى من هذا البحث، حيث النتائج غير متجانسة للغاية، وخلص الباحثون إلى “أنَّه من الضروري توحيد معايير التشخيص أكثر، وإدراج المشاركين المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية المزمنة المصاحبة في الدراسة، وتوحيد النتائج في التجارب السريرية المستقبلية.”
على مدار أربع السنوات الماضية، شهدنا انتقال “كوفيد” طويل الأمد من المراقبة السريرية، التي غالبًا ما تعده نفسيَّ المنشأ، إلى متلازمة معترف بها، لها تأثير كبير في جودة حياة المريض وقدرته على العمل. “كوفيد” مرض معد خطير يؤثر في أجهزة الجسم، وليس من المستغرب احتمالية تسببه في أعراض ما بعد العدوى، فهذا أمرٌ شائع جدًّا مع الالتهابات الجهازية الخطيرة، لقد بدأنا التركيز على الأسباب المحتملة، ويبدو أنًّ جزءًا منها على الأقل هو خلل التنظيم المناعي بعد الإصابة بالعدوى. يتضمن العلاج حتى الآنَ معالجة الأعراض، ولكنَّه قد يكون مفيدًا للغاية ويحسن من جودة الحياة.
وما زال يتعيَّنُ إجراءُ الكثير من الأبحاث، والمزيد من الدراسات، مع استمرار تكشُّف هذه القصة العلمية المثيرة للاهتمام.
Steven Novella, More on Long COVID, August 21, 2024