قد تكون فكرة غير سارة، ولكن إذا بصقت في كوب، فهل يمكنك إعادة شرب لعابك؟ أليس اللعاب جزءاً منك أم أنه لم يعد جزءاً منك بعد أن بصقته؟ كذلك الأمر مع الشعر أو الأظافر بمجرد خروجها من حدود جسدك. يبدو من السهل التعرف على إحساسنا بالذات من هذا الجانب. وبنفس الطريقة، تسكن أجسامنا مليارات البكتيريا والفيروسات. وأصبح بعضها جزءًا من خلايانا مثل الميتوكوندريا. ولا ينطبق هذا المفهوم على البشر فقط، بل يعود إلى أبسط الكائنات وحيدة الخلية التي تمتلك آليات أساسية حتى لا تدمر أو تلتهم ذاتها. لكن هذه ليست حدودنا الوحيدة.
توسع الحيوانات حدودها لتجعلها تشمل الأعشاش والجحور وتراكيب القنادس وبيوت العنكبوت. كما أننا نوسع حدودنا بالملابس والبيوت والمباني والحدود. لكن المجال الأكثر أهمية الذي يضع فيه البشر حدودهم، وبالتالي إحساسهم بذواتهم، هو اللغة. نحن نبني الحدود بالكلمات والروايات والقصص. إننا، مثل شبكة العنكبوت، نصنع شبكات من الخطابات. هذا جزء يجب إثباته حول حقيقة الذات. ولكن ماذا عن المجتمع الموجود في عقولنا، كم من مارد هناك في نموذج الفوضى الذي افترضه دينيت؟ ألن يسعى هؤلاء لانشاء كياناتهم أم أن البديل سيكون بوجود ذات واحدة تصبح الدكتاتور الأوحد، المسرح الديكارتي الذي يمثل الشعور بالذات بالنسبة لنا؟
اضطراب الشخصية المتعددة (MPD) هو إحدى الحالات التي قد تحدث للأشخاص الذين يتعرضون لسوء المعاملة الشديدة في مرحلة الطفولة ليكون لديهم ذوات متعددة. هذه الحالة الطبية النادرة لا تعني أن لدينا جميعًا ذوات متعددة، ولكنها تتحدى الوهم المركزي. يذكر دينيت أيضًا حالة أخرى لتوأم، التوأم فريدا وجريتا، وهي حالة غريبة للغاية. تتحدث غريتا وفريدا معًا، وتمشيان معًا، وتفعلان كل شيء معًا. من المؤكد أنهم ليسوا متصلين ببعض القوة التخاطرية، بل بطرق معينة للتنسيق بينهما. ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر أن مثل هؤلاء التوائم لديهم بعض الشعور بالذات الذي يوحدهم بشكل مختلف عن الآخرين.
https://www.youtube.com/embed/Zd6OAegy-yo?si=t0TNs_1lucFB54il
الحالة الأخرى التي تتحدى فكرة الذات الواحدة هي حالة انقسام الدماغ. إنها الحالة التي يتم فيها فصل نصف الكرة الأيسر للمريض عن نصف الكرة الأيمن. أبلغ عدد قليل من المصابين بتلك الحالة عن وجود ذوات متعددة بطريقة مشابهة لاضطراب الشخصية المتعددة.
يعيدنا دينيت إلى الفجوات في الوعي التي ذكرها بالفعل في الفصول السابقة ويوضح من خلال التجارب والأمثلة كيف أن وعينا ليس مستمرًا وهو مليء بالفجوات. يجب أن يكون للذوات المتعددة نفس التأثير هنا، في حالات مثل اضطراب الشخصية المتعددة يحدث ما يشبه التشعب في الشعور بالذات. هذه الحالات مثل اضطراب الشخصية المتعددة كافية لزعزعة (إن لم يكن دحضًا كاملًا) فكرة الذات كديكتاتور في المركز. لو لم يكن هذا الديكتاتور موجوداً في تلك الحالات فهو ليس موجوداً.
بالعودة إلى العملاء المتعددين في أدمغتنا. على افتراض أن لدينا ذوات متعددة بناءً على الفكرة الذاتية التي قدمها دينيت سابقًا، فلا يمكن أن تنطبق على العمليات المتوازية التي تصدر مسوداتنا المتعددة. إن هذا المفهوم موروث في نظامنا العصبي منذ نسخه المبكرة جدًا من الكائنات الحية التي يمكنها التعرف على عدم أكل نفسها أو “معرفة” ما هي حدودها وليس كوحدات منفصلة. لذلك، لن يكون للعملاء المتعددين “أنفسهم” أو احساسهم بالذات في هذه الحالة، إلا في حالات مثل متلازمة الشخصية المتعددة.
لقد أصبحنا بعد ذلك مجهزين بنظام قديم للتعرف على الحدود، وقد يكون لدينا في حالات نادرة ذوات متعددة، لكننا لا نزال نواجه تحديًا واحدًا. “ما هو لي؟” أو “أين حدودي؟”
يستطيع الشمبانزي اختبار وجوده وحدوده عندما ينظر في المرآة أو في الشاشة ليعرف ما إذا كان ما يراه هو “أنا” أم لا بحسب التجارب. يذكر دينيت نظام رادار يستخدمه أصحاب القوارب الصغيرة يُظهر نقاطًا على الخريطة، ليتعرف مالك القارب على قاربه، وفي حالة فاته النظر إلى الشاشة التي تظهر فيها جميع القوارب بشكل متساوٍ كنقاط، فإن القارب يُمكن المالكين من عمل دائرة في مسار القارب لتظهر على الشاشة للعثور على النقاط التي تمثلهم. إذن ما هي تجربتنا لنعرف من نحن؟
بدلاً من حركة القارب الدائرية، أو حركة الشمبانزي في المرآة للتعرف على نفسه، لدينا نطاق واسع من الأفعال لمعرفة الذات. لدينا روايات وقصص وهويات. هذه يمكن أن تساعدنا في العثور على أنفسنا ومعرفتها. ومضتنا الرادارية، المشابهة لنظام الرادار المذكور، هي قصة نرويها عن أنفسنا. أنت، أو أنا، نمثل مركز الجاذبية لسردياتنا. نحن المركز في قصة ما.