Podcast: Play in new window | Download
يشرح د. رياض عبد نظريته حول المساواة التكاثرية لدى البشر والعلاقة بينها وبين صفاتنا الشخصية وكيف تؤثر نسبة من يستطيعون التزاوج في صنف أحيائي معين كالبشر على نواحي عديدة في السلوك. يشرح د. رياض عبد أيضاً التباين التكاثري وأثر التباين الناتج في الصفات وفي الشخصية على أمور مثل تقسيم العمل لدى البشر. وأخيراً في هذا الجزء يناقش اثر تعدد الزوجات في المساواة التكاثرية لدى البشر. فيما يلي نص الجزء الأول من اللقاء.
أعزائي المستمعين، مرحباً بكم في حلقة جديدة من بودكاست “العلوم الحقيقية”. معي في هذه الحلقة الطبيب النفسي والباحث في الطب النفسي التطوري، وضيفنا للمرة الثانية، د. رياض عبد. أهلاً وسهلاً بك دكتور.
أهلاً وسهلاً، وشكراً على الاستضافة أستاذ عمر. لكن دعني أذكرك أن هذه استضافتي الثالثة وليست الثانية.
نعم، لأن البودكاست السابق عرفناه بلقاء واحد، لكننا نشرناه في حلقتين. ونأمل أن تكون هذه الحلقة أيضاً من جزأين لإثراء المحتوى العربي، خاصة في مجال الطب النفسي والطب النفسي التطوري بشكل عام.
ستناقش هذه الحلقة نظرية جديدة طرحها د. رياض عبد بناءً على بعض الأبحاث والقراءات، وهي حول ما يُعرف بـ “المساواة التكاثرية لدى الإنسان” (reproductive egalitarianism) وتأثيراتها على نفسية الإنسان والمجتمعات وتركيبتها، وإمكانية التعرض للأمراض النفسية. لذا، سؤالي الأول لك دكتور قد يدور حول هذا المصطلح نفسه وما يعنيه، فقد يكون غامضاً بالنسبة للمستمع: ما هي المساواة التكاثرية؟
شكراً جزيلاً مرة أخرى. في البداية، أريد أن أنبه المستمعين إلى أن استخدام المصطلحات العربية في هذا الموضوع سيكون فيه بعض الإشكاليات والصعوبات. لذلك أرجو من المستمع أو المشاهد أن يدرك هذا الأمر. ما سأفعله هو أنني سأذكر المصطلح بالإنجليزية قدر الإمكان مع مرادفات عربية، لأنه في كثير من الأحيان لن تكون هناك مصطلحات عربية متداولة في هذا المجال. ولكن أتمنى أنه بمرور الوقت، تتطور الأدبيات العلمية العربية لتطوير المصطلحات في مجالات الأنثروبولوجيا وعلوم النفس وغيرها.
ما هي المساواة التكاثرية؟
النظرية التي نتناولها اليوم تسمى بالإنجليزية “Human Reproductive Egalitarianism” المساواة التكاثرية لدى الإنسان. وهي تشير إلى خصائص المنظومة التكاثرية البشرية التي تتسم بطابع مساواتي بشكل عام، وليس فقط بين الجنسين. بشكل عام، المنظومة التكاثرية البشرية تتميز بمساواة أكثر وضوحاً من أي صنف حيواني آخر. وبطبيعة الحال، وعندما يأخذ المرء موقفاً داروينياً، فإنه يعتبر البشر جزء من المنظومة الأحيائية العامة على الكرة الأرضية وليسوا منفصلين عنها. لذا، عندما ينظر المرء إلى البشر ضمن المنظومة الأحيائية عموماً، يصبح لديه مجالاً للمقارنة بين خصائص التكاثر عند البشر مقارنة بالأصناف الأحيائية الأخرى، وخصوصاً الثدييات، لأننا ننتمي إلى صنف الرئيسيات، وتحديداً إلى القردة العليا.
القردة العليا هي أربعة أصناف فقط: الأورانغوتان الذي يعيش في آسيا، والغوريلا الذي يعيش في أفريقيا، والشمبانزي (وهناك صنفان: الشمبانزي والبانوبو)، والبشر. عند مقارنة البشر ومنظومتهم التكاثرية مع القردة العليا والرئيسيات والثدييات عموماً، نجد أن هناك ظاهرة مساواتية واضحة أكثر من أي صنف أحيائي آخر. وهذا لا ينطبق فقط على العلاقة بين الجنسين، وإنما بشكل عام. دعني أوضح هذه الفكرة.
لغير المختصين، قد يتخيلون أن المنظومة التكاثرية عند الحيوانات أو الأصناف الأحيائية الأخرى هي عبارة عن فوضى، ولكنها ليست بهذا الشكل. كل صنف أحيائي له منظومته التكاثرية الخاصة، وهذه المنظومة تشمل عموم ذلك الصنف الحيواني. على سبيل المثال، إذا أخذنا الشمبانزي، وهو أقرب فصيل من القردة العليا إلى البشر (حيث أن لدينا أصل مشترك مع الشمبانزي قبل حوالي سبعة إلى ثمانية ملايين سنة)، نجد أن منظومته التكاثرية لا تحتوي على علاقة أو رابط بين ذكر وأنثى معينين. التكاثر عند الشمبانزي يقوم على الذكر المهيمن (Alpha Male)، وهو أقوى ذكر في المجموعة، الذي يحاول استغلال موقعه للتكاثر مع أكبر عدد من الإناث اللواتي يكونن في فترة الخصوبة، وهي فترة قصيرة. نتيجة لذلك، الذكر المهيمن هو أب لحوالي 30% إلى 50% من الولادات. هذه نسبة هائلة، وليس هناك رابط بين أنثى معينة وذكر معين.
أما عند الغوريلا، التي كان لدينا أصل مشترك معها قبل حوالي 10 إلى 11 مليون سنة، فهناك نظام تكاثري مختلف، حيث يوجد ذكر واحد مهيمن على مجموعة من الإناث يعشن معه، وهذا الذكر يحتكر التكاثر مع هذه الإناث. أن غالبية ذكور الغوريلا لا تُتاح لهم الفرصة للتكاثر إطلاقاً، فيبقون بدون أبناء لأجيال قادمة، مما يعني أن جينات هؤلاء الذكور “الفاشلين تكاثرياً” تُستبعد من “المجمع الجيني” (Gene Pool)، أي مجموعة الجينات في صنف أحيائي معين.
قارن ذلك مع البشر. النظام التكاثري أو المنظومة التكاثرية عند البشر تعتمد على وجود رابط، وهو ما يُعرف بـ “الرابط الزوجي” (Pair Bond)، بين أنثى معينة وذكر معين. بالطبع هناك اختلافات تعتمد على الثقافة والمجتمع، ولكن هذه الخاصية – أي وجود رابط بين رجل وامرأة – موجودة. للرجل عادة مسؤوليات تجاه الأطفال الناتجين عن هذه العلاقة، مثل توفير الحماية والغذاء أو مساعدة المرأة أو الأم في تأمين الغذاء. هذه المسؤوليات تختلف باختلاف المجتمع والظروف، لكنها موجودة بشكل عام. على سبيل المثال، في مجتمعات الصيد وجمع الثمار، كان دور الرجل يتركز في الصيد وتأمين اللحم، الذي له قيمة غذائية عالية جداً مقارنة بالنباتات.
عمر: دكتور، أردت أن أسأل سؤالاً قد يكون خارج السياق، لكنك ربما متجه إليه أصلاً. السؤال حول العلاقة بين نفسية الإنسان وعقل الشمبانزي. لقد لاحظت أن ذكور الشمبانزي فرصتهم في التكاثر أفضل قليلاً من الغوريلا، بينما الإنسان فرصته أفضل بكثير. وأذكر من كتاب “لماذا الجنس متعة” – الذي ترجمه أحد أعضاء “العلوم الحقيقية” – أنه لو كان هناك كلب يراقب البشر وينظر إلى سلوكهم الجنسي، لرآه فاحشاً أو مبالغاً فيه، بل وهو سلوك للمتعة. فالسؤال هو: هل نحن نتحلى بصفات معينة أدت إلى سلوكنا هذا، أم أن سلوكنا وواقعنا ككائنات ذات عقل معين هو ما جعلنا نتصرف بشكل مساواتي؟
د. رياض: العلاقة بين تشكيل الصفات السيكولوجية والنظام التكاثري والمجتمعي هي علاقة ديالكتيكية، أي علاقة ديناميكية ومتبادلة. ليس بالإمكان أن نحدد بالضبط السبب والنتيجة، لأن السبب والنتيجة في حالة تفاعل مستمر. علينا أن نتذكر أننا كداروينيين وتطوريين نفكر بمنطق مئات أو آلاف الأجيال. فخلال هذه الفترة الطويلة، تتشكل الصفات السيكولوجية والسلوكية والمجتمعية والتكاثرية من خلال تفاعل هذه العوامل المتعددة.
التباين التكاثري
سوف أعود إلى وصف النظرية. من خلال فهم الفروقات بين البشر والأصناف الحيوانية الأخرى القريبة منا وغير القريبة، نجد أن “التباين التكاثري” (Reproductive Skew) عند البشر هو الأدنى. والتباين التكاثري مفهوم جوهري وأساسي لفهم الداروينية وآلية التطور، لأن التطور يعتمد بالأساس على النجاح التكاثري. فبدون نجاح تكاثري، لا يمكن للصفات أن تنتقل إلى الأجيال القادمة. على سبيل المثال، الأفراد الذين لم يكن لهم أطفال عبر آلاف السنين – لأي سبب كان – اختفت صفاتهم من الجنس البشري، بينما انتشرت صفات أولئك الذين كان لديهم أطفال كثيرون.
الدراسات تشير إلى أن التباين التكاثري عند البشر هو الأقل بين جميع أصناف الثدييات. هذا أمر يجب الوقوف عنده والتساؤل عن تبعاته النفسية والمجتمعية. فما المقصود بالتباين التكاثري بالضبط؟
التباين التكاثري يعني مقارنة عدد الأطفال بين الافراد. هناك فرق بين الرجال والنساء؛ فمعظم النساء تجدن فرصة للتكاثر، بينما هناك دائماً، في كل المجتمعات، رجال يفشلون في التزاوج والتكاثر أكثر من النساء. لذا، التباين التكاثري عند الرجال أكبر منه عند النساء.
ومقارنة بالتباين التكاثري عند أصناف الحيوانات الأخرى، نجد أن التباين التكاثري هو الأدنى عند البشر. أي أن عدد أو نسبة الرجال الذين يفشلون كلياً في التزاوج والتكاثر عند البشر هي الأدنى مقارنة بالأصناف الأخرى. على سبيل المثال، عند الغوريلا، عدد هائل من الذكور يفشلون في التكاثر كلياً، بينما النسبة أقل عند الشمبانزي، وهي الأدنى عند البشر، ليس فقط مقارنة بالقردة العليا، بل مقارنة بالثدييات عموماً.
هناك دراسات كبيرة حول هذا الموضوع، لكن يبدو أن علماء الأنثروبولوجيا الذين أجروا هذه الدراسات لم ينتبهوا إلى التبعات النفسية والاجتماعية لهذه الخاصية الفريدة عند البشر. وهذا هو موضوع نظريتي. افتراضي هو أن هذه المساواة العالية جداً في النظام التكاثري البشري أدت – وهذه افتراضات مبنية على دراسات سابقة – إلى أن نسبة فشل انتقال الصفات أو الجينات منخفضة وهذا بدوره أدى الى أن تنوع الصفات، وخاصة السلوكية، سيكون أكبر عند البشر، لأن هناك نسبة أكبر من الرجال يساهمون في الأجيال القادمة أو في “الحوض الجيني” (Gene Pool).
هذا يعني أن “التباين بين الجنسين” في النجاح التكاثري عند البشر هو الأقل مقارنة بالشمبانزي أو الغوريلا. على سبيل المثال، إناث الغوريلا عموماً تنجب بتباين قليل، لأن أي أنثى ستجد ذكراً مهيمناً تتزاوج معه، فلا مشكلة لديها. عند الشمبانزي أيضاً، لا تواجه الأنثى صعوبة في إيجاد ذكر للتزاوج في وقت الخصوبة. لذا، التباين التكاثري عند الإناث واطئ، والفرق في النجاح التكاثري بين الذكور والإناث عند البشر هو الأقل مقارنة بالأصناف الأخرى.
من هذا أفترض أن التباين في “السمات الشخصية” (Personality Differences) سيكون أكبر عند البشر مقارنة بالأصناف الأخرى من الحيوانات. وذلك لأنه ستكون هناك مجموعة أوسع من الصفات والجينات والسلوكيات التي تنتقل إلى الأجيال القادمة، مقارنةً بالأصناف الأخرى التي فيها نسبة عالية للفشل التكاثري.
هذا التباين في الشخصيات له تبعات أيضاً. فأفترض في نظريتي إلى أنه يمكن أن يشجع على “تقسيم العمل” (Division of Labor) في المجتمعات البشرية. على سبيل المثال، الصفات الشخصية للصياد الجيد تختلف عن المحارب، والتي تختلف عن الحرفي الذي يصنع الأدوات، وفي مراحل لاحقة عن المزارع الجيد، وهكذا. إذن، الاختلاف أو تباين الشخصيات كان له دور في التعقيد المجتمعي وتقسيم العمل وتطور المجتمعات البشرية بالشكل الغني الذي حصل.
عند الثدييات الأخرى، تقسيم العمل بدائي جداً ولا يتجاوز في الغالب وظيفة أو وظيفتين داخل المجموعة. في الواقع، هو غالباً مجرد تقسيم عمل بين الأنثى والذكر، حيث تنجب الأنثى وتُرضع، وقد يكون للذكر دور في الحماية من الذكور الآخرين، كما في حالة الأسد الذكر الذي تكون مهمته المحدودة في الصيد (حيث الإناث هن من يقمن بالصيد أساساً) لكن دوره مهم في حماية الأشبال من الذكور الغرباء. هذا هو تقسيم الأدوار عموماً في الأصناف غير البشرية.
أما تقسيم العمل المعقد في الكائنات غير البشرية فهو موجود عند “الحشرات الاجتماعية” (Social Insects)، والتي لديها تركيب مجتمعي معقد. وهذا أمر مدهش لأن الحشرات الاجتماعية بعيدة جداً عن البشر تطورياً، حيث أن الأصل المشترك بيننا يعود لمئات الملايين من السنين.
أثر تعدد الزوجات
عمر: دكتور، كل هذه النقاط تقودني إلى ملاحظة. أولاً، نلاحظ في التركيبة الاجتماعية للبشر، أو حتى في التركيبة النفسية للأفراد، إذا تحدثت عن الوحشية، قد يظهر البشر أحياناً أكثر وحشية من الحيوانات، وفي أطراف أخرى قد يظهرون أنهم في قمة السلم والرحمة. في سياق التكاثر، يحضرني مثالان: الأول هو تعدد الزوجات الذي قد يصل إلى معدلات مفتوحة كلياً في بعض المجتمعات، ويتزامن مع تباين في مستوى المساواة المتاحة للمرأة. والسؤال هنا: هل هناك ترابط إحصائي بين الحقوق والمساواة بشكل عام، وبين المساواة التكاثرية؟ المثال الآخر حديث، وهو بنوك النطف، حيث يمكن لرجل ذي مواصفات معينة أن ينجب مئات الأطفال، متجاوزاً بذلك أي حيوان آخر.
بالعودة إلى أمثلة التعدد والأنظمة الذكورية المتسلطة، مقارنة بمجتمعات تميل إلى التحرر، نجد اقتراناً أيضاً مع انخفاض معدلات المواليد في الغرب. هل يمكن أن يخرق الإنسان هذه القاعدة – مثل قصة جنكيز خان الذي يُقال إنه يساهم في 1% من جينات البشر اليوم؟ ما هي العوامل الأساسية التي تجعل مجتمعاً ما يتميز بهذا التطرف، حيث يرتفع عدد أطفال رجل معين بشكل هائل، مقابل مجتمعات أخرى يكون فيها معدل الإنجاب منخفضاً أو قد لا يكون للرجل أطفال؟ أذكر أيضاً مثال المخصيين تاريخياً أو العبيد الذين كان لا يحق لهم التكاثر.
د. رياض: لقد أثرت أربع محاور في سؤالك. دعنا نبدأ بموضوع تعدد الزوجات. تعدد الزوجات هو ظاهرة قديمة وليست حديثة، وكانت موجودة حتى قبل ظهور الزراعة. في الواقع، النظام التكاثري للغوريلا الذي ذكرته سابقاً (حيث يهيمن ذكر قوي “سيلفرباك” على مجموعة من الإناث) يشبه نظام تعدد الزوجات.
تشير الدراسات الأنثروبولوجية على المجتمعات التي تعتمد على الصيد والجمع (ما قبل الزراعة) إلى أن 85% منها كانت تقبل بممارسة تعدد الزوجات. ومع ذلك، ظلت ممارسته نادرة. السبب في ذلك هو أنه في تلك المجتمعات، لم تكن هناك إمكانية لرجل واحد لأن يمتلك القدرة على إعالة أكثر من امرأة واحدة وتوفير الحماية والغذاء لها ولأطفالها. الطفل البشري يحتاج إلى عناية وموارد هائلة لفترة طويلة جداً مقارنة بأي كائن آخر حتى يصبح مستقلاً. على سبيل المثال، في مجتمعات ما قبل الزراعة، كان توفير 13 مليون سعرة حرارية من الغذاء لتربية طفل واحد حتى الاستقلال يتطلب جهداً هائلاً.
(عمر: قد يقال إن الأمر مكلف للشمبانزي أيضاً، لكن هناك موارد للمجموعة توفرها للطفل. وكذلك في حالة البشر، يمكن لشخص مثل ملك أو قائد ديني أن يكون لديه موارد جماعية.)
د. رياض: سأتناول هذا الموضوع لاحقاً. دعني أولاً أكمل فكرة تعدد الزوجات. تشير الدراسات إلى أن ما لا يزيد عن 14% من الذكور كان لديهم أكثر من زوجة في مجتمعات ما قبل الزراعة، أي حوالي سدس إلى سبع الذكور. وفقط 20% إلى 21% من الإناث كن يعشن في ظل تعدد الزوجات (كضرات). هذا العدد يمثل المعدل في مجتمعات ما قبل الزراعة.
هذا يعني أن الغالبية العظمى من الرجال والنساء في مجتمعات ما قبل الزراعة كانوا في علاقات أحادية، وذلك ببساطة لأن الموارد لم تكن متوفرة لرجل واحد ليتمكن من توفير ما يلزم لتربية وتغذية أطفال أكثر من امرأة واحدة.
لكن بعد ظهور الزراعة، اختلفت الأمور. الأمثلة التي ذكرتها – مثل القادة الدينيين أو الأمراء أو الملوك – كلها من عصور ما بعد الزراعة. بعد ظهور الزراعة ونشوء الدولة، أصبح بإمكان بعض الرجال الهيمنة على موارد ضخمة، مما أتاح لهم إمكانية إعالة عدد كبير من النساء. لكن هذه الحالات بقيت نادرة، لأن عدد الملوك أو الكهنة أو الأمراء الذين يمكنهم احتكار النساء بهذا الشكل كان دائماً قليلاً مقارنة بمجمل السكان. هذه ظاهرة حديثة نسبياً في تاريخنا التطوري، حيث أن الزراعة ظهرت منذ 10-12 ألف سنة فقط، والدولة منذ حوالي 5 آلاف سنة.