بقلم: سمير سعيد فارع
من بين الآلاف وربما الملايين من الدجالين حول العالم لا يهتم موقعنا بإضافة المزيد من الشهرة. لكن هذه المرة حين نكتب في جوجل اسم “مناهل ثابت” فإن محرك البحث يقول أنها خبيرة اقتصاد سعودية. في الأسفل حيث مقترحات البحث هناك مقترحات لأبحاث مماثلة تتضمن ستيفين هوكنج وكيم اونغ يونغ (Kim Ung-yong) الكوري الحاصل على أعلى معدل آي كيو نعرفه وعالم الرياضيات الصيني تيرينس تاو (Terrence Tao) فهل أضعنا مناهل ثابت من على غلاف مجلة العلوم الحقيقية؟ هل اضاعتها الجامعات؟ أم أن محرك البحث اخطأ لكثرة النتائج التي ترجع لمصادر مشكوك بها؟
الضجيج الإعلامي والألقاب المشكوك فيها
أثارت مناهل ثابت ضجة إعلامية كبيرة منذ عام 2012. بدأت هذه الضجة بلقب “ملكة البورصة“، والذي زعمت أنه أطلق عليها من قبل صحيفة وول ستريت جورنال، لكن البحث كشف أن الصحيفة لم تقم بأي تحقيق صحفي حولها، وأن القصة تعود إلى تصريح لمناهل نفسها ربطت فيه بين كونها من اليمن (أرض ملكة سبأ) وسوق الأوراق المالية.
تبع ذلك الحديث عن كونها أصغر امرأة تحمل درجة الدكتوراة في الهندسة المالية وادعاءات حول عبقريتها الخارقة ومعدل ذكائها المرتفع (168)، رغم عدم وجود دليل على ذلك. ثم أمر اختيارها ضمن “أذكى 30 شخصية على قيد الحياة” من قبل موقع “سوبرسكولار”، وهو أمر مثير للسخرية؛ حيث أن الموقع مختص بمساعدة الناس في إيجاد التخصص الجامعي، واعتمد في تصنيفه على المعلومات التي قدمتها مناهل عن نفسها (مثل أنها أصغر امرأة تحصل على دكتوراة، وأنها اخترعت معادلة لقياس المسافات في الفضاء، وارتفاع معدل ذكائها). تشير هذه الأمثلة إلى أن ما تقوم به مناهل لا يعدو كونه “تلميع وصناعة اسم وبراند” يهدف إلى إحلال التسويق الإعلامي محل المنهجية العلمية.
معادلة “رياضيات الكم” والادعاءات العلمية
لم يقتصر الأمر على التلميع الإعلامي، إذ أعلنت مناهل عن “اختراعها” لمعادلة لقياس المسافات في الفضاء في غياب الضوء، زاعمة أن المعادلة تقع في 350 صفحة، وأنها قدمتها لجهة ما للحصول على براءة اختراع دون الإفصاح عن تلك الجهة خوفاً من سرقة حقوقها العلمية. يثير هذا الادعاء تساؤلات منهجية عميقة، إذ أن البحث العلمي عمل مؤسسي يتطلب باحثين ومشرفين ومؤسسات بحثية، ونشر الأوراق في مجلات علمية محكمة ذات معامل تأثير عالي، وهي أسئلة لم تجب عليها مناهل كما لم نر تلك المعادلة ولم يرها أحد حتى الآن.
تنطبق على تصرف مناهل في التعامل مع معادلتها سبع نقاط لتمييز “العلم الزائف“ (كما حددها روبرت بارك في كتابه “الفودو العلمي”): مثل التوجه إلى الإعلام بدلاً من المحافل العلمية المتخصصة، والادعاء بوجود مؤامرة لسرقة الأبحاث، والعمل منفردة بدون مؤسسة بحثية، وعدم وجود أبحاث سابقة أو لاحقة في نفس المجال.
الجوائز والعضويات المشتركة (“الشلّة”)
تثير الجوائز والألقاب التي حصلت عليها مناهل شكوكاً كبيرة بسبب ارتباطها بشبكة من المنظمات والأفراد المتكررين. على سبيل المثال، تم اختيارها كعبقرية العالم من قبل منظمة “برين ترست”، وبالبحث، يتضح أن مناهل نفسها ممثلة لهذه المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأنها نائبة رئيس منظمة “وورلد انتلجنس نتورك” (WIN). وتتكرر أسماء توني بوزان وريموند كين والأمير محسن علي خان كأعضاء ورعاة في هذه المنظمات، مما يوحي بأنها “شلة واحدة” تمنح الألقاب لنفسها وتعتبر ذلك إنجازاً. العديد من الجوائز الأخرى التي تدعي أنها تلقتها (مثل جائزة امرأة العام 2000 أو جائزة التميز الدولية) لا يُعثر لها على أي توثيق معتبر من مصادرها الأصلية.
التشكيك في الشهادات العلمية الثلاث
- الدكتوراة الأولى (الهندسة المالية): زعمت أنها من جامعة ديبول في شيكاجو. بالبحث، لا يوجد مساق دكتوراة في الهندسة المالية في الجامعة. كما أن الجامعة لا تضع أطروحة باسم مناهل ثابت في قاعدة بياناتها (ProQuest)، ووجد خطأ إملائي في كتابة اسم الجامعة على الشهادة نفسها.
- الدكتوراة الثانية (“رياضيات الكم”): ادعت مناهل حصولها عليها لاحقاً لتثبيت ادعاء معادلتها. لم تقدم أي دليل على الجامعة أو المؤسسة البحثية التي منحتها هذه الدرجة.
- الدكتوراة الثالثة (نظرية تربية الموهوبين): زعمت الحصول عليها من “معهد كيمياء الدماغ والتغذية البشرية” (IBCHN). تم “إسباغ” هذه الدرجة عليها خلال حفل عشاء برعاية منظمة برين ترست، بحضور نفس “الشلة”. المعهد المذكور يفتقر إلى موقع مادي ثابت ويقع في كل مكان، وصورته الظاهرة على الموقع (في واجهة قديمة) تعود لقاعة بونيثون بجامعة أدليد بأستراليا، مما يؤكد كونه وهمي. كما أن رئيس المعهد، مايكل كراوفورد، وهو أيضاً مؤسس “أكاديمية الموهوبين” التي تشغل مناهل منصب نائبة رئيسها، قام بالثناء المبالغ فيه عليها خلال الحفل قبل تسليمها الشهادة.
استغلال المنابر لتعزيز المصداقية
لتعزيز صورتها الإعلامية، استغلت مناهل مناسبات ذات بريستيج عالٍ:
- تكريم مجلس اللوردات البريطاني: حصلت على جائزة “السلم والإزدهار” من منظمة تابعة لمحسن علي خان (أحد رعاة برين ترست). تم التكريم في قاعة بمجلس اللوردات بعد أن تم استئجار القاعة مقابل مبلغ مالي، حيث يمكن للمنظمات المسجلة في بريطانيا استئجارها. لم يقم مجلس اللوردات بتكريمها ولا علاقة له بالجائزة.
- لوحة شرف الجمعية الملكية للعلوم الطبية: تم تسجيل اسمها على “لوحة الشرف” مقابل التبرع بمبلغ 2500 باوند، وهو إجراء متاح للجميع وليس إنجازاً علمياً.
- موسوعة جينيس: دخلت الموسوعة لقيامها بأكبر محاضرة من حيث عدد الحضور (في الخرائط الذهنية/الذاكرة)، وهو إنجاز يقوم على دفع الرسوم وحشد الحضور، ولا يعني بالضرورة عملاً عظيماً، ويتفق مع طبيعة جينيس التي تسجل أرقاماً قياسية في مجالات بسيطة مثل طبخ المعكرونة أو الماكياج التي تضعها صفحة جينيس لمناهل في نفس الخانة.
غياب الإثبات الأكاديمي الرسمي
فيما يتعلق بأي مساهمة علمية حقيقية، أظهرت الأبحاث الأكاديمية اللاحقة أن كل ما يتم ترويجه هو “تضليل للعين والعقل”:
- ResearchGate : محتوى مرفوع ذاتيًا بواسطة مناهل، وليس أبحاثاً منشورة في مجلات محكمة.
- Google Scholar : تقود النتائج إلى أوراق منشورة فقط في موقع SSRN، وهو مستودع مفتوح للأوراق غير المحكمة أو الأولية (pre-prints)، وليس قاعدة بيانات علمية معتمدة مثل Scopus أو Web of Science.
- معهد IBCHN: لا يوجد أي ذكر رسمي لمناهل ثابت بين الأساتذة أو الباحثين في السجلات الرسمية للمعهد التابع لجامعة إمبريال كوليدج لندن.
تكمن خطورة هذه الممارسات في التعاطي مع العلم بشكل غير منهجي واستخدامه كوسيلة ترويج إعلامي، مما ينعكس سلباً على مفهوم العلوم ويسمح بالاختراق الذي يحققه أصحاب العلوم الزائفة. ويجب التعامل مع الأخبار العلمية بالبحث والتحقق، خصوصاً عبر أدوات مثل جوجل سكولار لمعرفة الأبحاث المنشورة، المجلات التي نُشرت فيها، وعدد الاقتباسات.
الباب مفتوح لمناهل ثابت أن ترد على موقعنا بأي أدلة معاكسة.
