مع اطلاعي على العلاج النفسي وعلم النفس فُوجِئتُ بمركز للعلاج النفسي وهو يعرض فيديو دعائي في انستاغرام تظهر فيه معالجة نفسية في بلد عربي وهي تستخدم تخطيط كهربية الدماغ (EEG)، أو صنف آخر منه وهو تخطيط كهربية الدماغ الكمي (Quantitative Electroencephalography). هل هي معلوماتي المحدودة حول الأمر؟ هل هناك اكتشاف جديد يقترح لنا أن هناك فوائد معينة تشخيصية من استخدام هذه التقنية لأغراض دقيقة بخلاف ما نعرفه من استخدامات؟ يستخدم تخطيط كهربية الدماغ في حالات حرجة في العادة مثل تقييم حالات الصرع وأورام الدماغ وإصابات الرأس والغيبوبة ووضع المرضى تحت التخدير. هل يمكن أن يكون هذا ترند آخر وبذخ وتبذير بتصنيع أجهزة ثمينة تبدد موارد الأرض لأغراض دعائية ثانوية؟
يُعد تخطيط كهربية الدماغ الكمي (qEEG) تقنيةً غير جراحية تستخدم البيانات الرقمية للموجات الدماغية (EEG) لرسم “خريطة دماغية” تُظهر النشاط الكهربائي للدماغ. ومن خلال تحليل الترددات والسعات وأنماط الموجات الدماغية، يوفّر التخطيط بيانات رقمية لتحديد الانحرافات عن الأنماط الطبيعية، لكن بم يختلف عن تخطيط كهربية الدماغ؟ وهل يساعد في كشف ما هو أكثر دقة من حالات مثل القلق مثلاً؟
الفرق الجوهري بين تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG) وتخطيط الدماغ الكمي (qEEG) يتلخّص في “الكَمّية”. فبينما يسجل التخطيط الدماغي التقليدي (EEG) النشاط الكهربائي للدماغ بشكل مباشر، يقوم التخطيط الدماغي الكمي (qEEG) بتحليل هذه الموجات الدماغية رقمياً باستخدام خوارزميات إحصائية متطورة، ثم يقارن النتائج بقاعدة معطيات معيارية تراعي العمر والجنس. ترجع تقنية التخطيط الكهربي للدماغ الى بدايات القرن العشرين أما التخطيط الكمي فهو إضافة حديثة تحليلية ولا تمثل تغييراً في كيفية عمل التقنية وما تستقبله من بيانات من الدماغ.
يتضح أن أول محاولات للتشخيص بواسطة التخطيط الكمي (QEEG) كانت في بداية التسعينات. دراسة من سنة 1992[1] تحدثت عن محاولات لتشخيص الفصام، الخرف، ادمان الكحول، اضطرابات التعلم، والاكتئاب بشقيه ثنائي القطب واحادي القطب. كانت هناك بعض النتائج الواعدة من تلك الدراسة لكن ليس بما يسمح بتسويق التقنية.
في عام 2022 كان هناك دراسة[2] تناولت بضعة مرضى يعانون من اضطراب القلق العام (general anxiety disorder) باستخدام التخطيط الكمي. لكن الباحثين نوهوا أن دراستهم ليست سوى بداية وأن البحث يتطلب دراسة تلك التقنية على أعداد أكبر من البشر. رغم عدم كوني مختصاً فإن النظر للاختلافات بين نتائج الأشخاص يجعلني أفكر بكيفية تفسير بيانات من هذا النوع من قبل مختصي الصحة النفسية ومدى واقعية الأمر في غياب الدراسات الكافية والخبرة في فهم تلك الإشارات.
مع ذلك، فإن البحث في الدراسات من مختلف الفترات وسواء للتخطيط الكمي أو تخطيط كهربية الدماغ الاعتيادي (EEG) يظهر لنا أن هناك استخدامات وقصص نجاح في الحالات الحرجة. كما أن الدراسات والتطبيقات تميل الى المفاهيم العصبية والإصابات الدماغية بدلاً من تطبيقات في مجال الصحة النفسية والعلاج النفسي.
من الطرف الآخر نجد أشخاصاً مثل جيمس ليك (James Lake) وهو أستاذ مساعد من جامعة أريزونا يكتب في موقع سيكولوجي تودي (Psychology Today)[3] عن تلك العلاقات بين إشارات معينة في تخطيط كهربية الدماغ مع حالات نفسية معينة. يقول مثلاً: ” تُظهر نتائج مراقبة تخطيط كهربية الدماغ (EEG) وجود نشاط موجي غير طبيعي في ما يصل إلى 40% من المرضى المصابين بالاكتئاب. وكثيراً ما يُلاحَظ وجود أنماط غير سوية تُعرف باسم “النبضات الحادة الصغيرة” لدى المرضى الذين يعانون من اكتئاب حاد مقترن بميول انتحارية.” لم أجد أبحاثاً لجيمس ليك أو أبحاثاً تدعم هذه لكنه بلا شك يتحدث عن مصادر معينة كونه شخص اكاديمي. والقضية هنا ليست بمسائلة هذه الادعاءات بل بمعرفة مدى يقينيتها ومدى سهولة استخدامها أو مدى جاهزيتها للاستخدام في مجال الصحة النفسية.
في الحالات التي يتحدث فيها مختصون مثل جيمس ليك أو مثل جاي جاتيس (Jay Gattis)[4] عن التقنية نجدها توصف بأنها تقنية مساعدة للتشخيص في حالات معينة كالاكئتاب والقلق واضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه. لكن من الضروري أيضاً أن ننتبه الى عدم وجود ما يكفي من الأبحاث التي تدعم هذه التطبيقات. ثم نأتي للسؤال: هل هناك اكتئاب واحد أو وصف واضح للاكتئاب فيما لو استثنينا حالات مثل الاضطراب ثنائي القطب؟ أدعو لمراجعة مقالنا “الاكتئاب: اضطراب في الدماغ أم في الجسم؟“.
قد تتوصل الدراسات الى المزيد من الحقائق حول الارتباط بين الحالات النفسية المختلفة وما يحدث بالضبط في الدماغ، وبالتالي ما يمكن تشخيصه بوضوح عبر تقنيات مثل تخطيط كهربية الدماغ. لكن حتى الآن فنحن بعيدون عن هذا ويبدو أن استخدام التقنية الباهضة الثمن يبدو استباقاً من قبل بعض مختصي الصحة النفسية لاستخدام تلك التقنيات دون وجود الدعم العلمي الكافي لها.
المراجع
[1] Prichep, Leslie S., and Erwin Roy John. “QEEG profiles of psychiatric disorders.” Brain topography 4.4 (1992): 249-257.
[2] Kopańska, Marta, et al. “Quantitative electroencephalography (QEEG) as an innovative diagnostic tool in mental disorders.” International Journal of Environmental Research and Public Health 19.4 (2022): 2465.
[3] James Lake, MD, “Quantitative Electroencephalography in Mental Health Care”, Psychology Today, September 20, 2017
[4] What is a QEEG? with Psychologist Dr. Jay Gattis, https://www.youtube.com/watch?v=rpj5ecBjafQ
