ترجمة: مرام الصرّاف. أنت على متن قارب أو طائرة أو أفعوانية، أو ربما في غرفة المعيشة في الصباح التالي لحفلة صاخبة للغاية، ويراودك شعور سيء شعور بالرهبة واضطراب في معدتك وتسارع في ضربات القلب وقطرات العرق البارد تغطي جبهتك، عندها ستعلم أنك تشعر بالغثيان وأنت على وشك التقيؤ. ما الذي تفعله؟ الى جانب أخذ الحيطة وجلب وعاء، هل يجب عليك التأكد من وجود حبة الدرامامين[1] في متناول اليد والاستسلام للنعاس الذي تسببه؟ أو تناول شراب الببتو بزمول[2] وأنت تغلق أنفك في محاولة لتجنب مذاقه الطباشيري؟ ماذا لو بدلاً من ذلك تستنشق القليل من الكحول الطبي؟
لابد أنك تعرف مسبقًا أن الغثيان ليس بالإحساس المريح على الإطلاق. عندما تم استجواب مرضى العمليات الجراحية، فأنهم قاموا بتصنيف القيء والغثيان بعد الجراحة على أنهما من أكثر الاثار الجانبية غير المرغوب فيها، وكان مؤشر عدم الرضا عن الغثيان بعد الجراحة أقوى أي مضاعفات أخرى بما في ذلك الألم الشديد.
يمكن إعطاء الأدوية المضادة للغثيان للوقاية أو كدواء مُنقذ، وايضًا يتم استخدامها بشكل شائع لعلاج دوار الحركة وغثيان الصباح أو الآثار الجانبية للأدوية الأخرى مثل التخدير أو عقاقير العلاج الكيميائي او المواد الأفيونية، كما وجدوا له وظيفة أخرى وهي معالجة الغثيان الناتج عن التسمم الغذائي وآثار الثمالة والمغص. هناك عدد من الفئات المختلفة من مضادات القيء، ويرجع ذلك جزئيًا الى عدد من الناقلات العصبية التي تتوسط في الشعور بالغثيان. قد تتناول في المنزل مضادات الهيستامين كالديمينهيدرينات (درامامين) أو مضاد للكولين[3] مثل السكوبولامين (سكوبوديرم) أو البيزموت سبساليسيلات (ببتو بزمول)، اما في المستشفى، فغالبًا ما يفضل الأطباء الأوندانسيترون[4] أو بروكلوربيرازين[5]، لكن الخدعة التي تستخدمها الممرضة المتمرسة لعلاج الغثيان هي شم رائحة كحول الإيزوبروبيل.
في دراسة استقصائية شملت 231 ممرض وممرضة مُسجلة من المختصي التخدير في الولايات المتحدة، استخدم 92 في المائة منهم هذه الحيلة لعلاج الغثيان أو القيء بعد الجراحة (PONV) على الرغم من أن 3 في المائة فقط تلقوا تعليم رسمي حول هذه التقنية، إلا أنها بالتأكيد ليست طريقة صعبة، كل ما عليك فعله هو التلويح بضمادة مشبعة بكحول الإيزوبروبيل (المعروف أيضًا بأسم إيزوبروبانول) بالقرب من أنف المريض. أنها طريقة رخيصة وسريعة وتستخدم فيها مواد موجودة دائمًا في متناول اليد، كما إنها تقنية يمكن الاستفادة منها حتى أثناء انتظار موافقة الطبيب على دواء مختلف مضاد للقيء أو أثناء انتظار الدواء للبدء بالعمل. كما أنه لا يشكل أي ضرر على المريض، وفي أسوأ الأحوال لن يعمل، والأهم من ذلك أنه يمكن أن يساعد المريض بمجرد إعطائه شيئًا ليفعله. ولكن حتى مع انخفاض مخاطره هل نحن نضيع الوقت والكحول في هذه الحيلة القديمة؟ بعبارة أخرى، هل هذه الحيلة تعمل بالفعل؟
كان هناك عدد هائل من الدراسات حول هذه الظاهرة، والتي تنحصر على أشكال العلاج العطري، يقارن البعض استنشاق الإيزوبروبانول مع الدواء الوهمي المالح أو المائي، والبعض الآخر مع روائح العلاج العطري المختلفة مثل النعناع أو الخزامى، والبعض الآخر مع مضادات القيء التقليدية. تضمنت مراجعة كوكرين لعام 2018 ستة عشر تجربة سريرية خاضعة للرقابة، وشملت أطروحة دكتوراه في التمريض لعام 2021 عشر تجارب، وهناك أيضًا مراجعة منهجية لعام 2022 تضمنت ثلاثة عشر تجربة، في حين أن جميعهم قيموا الأدلة المتاحة بشكل مختلف بعض الشيء، إلا أنهم توصلوا للنتيجة ذاتها تقريبًا وهي: عند مقارنتها بالدواء الوهمي أو العلاجات المضادة للقيء المعتاد عليها هناك بعض الأدلة على أن رائحة كحول الإيزوبروبيل يمكن أن تساعد في علاج الغثيان والقيء.
بالمقارنة مع مضادات القيء الإعتيادية يبدو أن كحول الإيزوبروبيل يعمل بشكل أسرع، حيث أفاد المرضى عن انخفاض كبير في الوقت الذي استغرقه خفض الغثيان بنسبة 50 في المائة، وفي سياق مماثل، كانت احتمالية طلب المرضى الذين استنشقوا الإيزوبروبانول لمضادات القيء أقل.
ما لم يفعله استنشاق الإيزوبروبانول هو تقليل شدة الغثيان بشكل عام أو عدد الأشخاص الذين ما زالوا يعانون من الغثيان بعد انتهاء العلاج. لذلك باختصار، في حين أن الكحول قد يعمل بشكل أسرع قليلًا، فإن استنشاق الإيزوبروبانول لا يعمل بالضرورة بشكل أفضل من مضادات الغثيان التقليدية.
وعلى الرغم من أن هذه الطريقة قد تبدو فعالة، إلا أن الآلية التي تعمل بيها ليست واضحة، فعند شم المادة لفترة قصيرة نسبيًا، من غير المرجح أن تدخل كميات مناسبة سريريًا من الإيزوبروبانول الى أنظمة الجسم، بالنظر الى الطبيعة الذاتية للغثيان، فأن الإلهاء القصير الذي تسببه رائحة جديدة قد تأتي بنتيجة. كما هناك نظرية أخرى شائعة وهي أن التنفس العميق المتحكم فيه الضروري لشم شيء ما هو المخفف الحقيقي للغثيان، حتى لو كان الإيزوبروبانول عرضيًا، نظرًا لمدى توفره ورُخصه، يبدو أنه أداة جيدة لمساعدة المرضى على إبطاء تنفسهم.
لكن بما أن جميع الدراسات تقريبًا قد أُجريت على المرضى الجراحيين الذين يعانون من الغثيان أو القيء بعد العملية الجراحية، فمن غير الواضح ما إذا كانت الاستنتاجات تنطبق على أسباب الغثيان الأخرى، ونظرًا الى أن هناك دراسة واحدة فقط يبدو أنها تشمل الأطفال، فمن المحتمل أن هذه التقنية لن تعمل بشكل جيد معهم. شيء آخر لا يستطيع الإيزوبروبانول فعله هو منع الغثيان، على عكس ابتلاع حبة مضاد للغثيان بمجرد صعودك إلى الطائرة، فإن شم الإيزوبروبانول قبل الشعور بالغثيان من غير المتوقع أن يعمل.
إذا كنت ترغب في استخدام هذه الحيلة على نفسك، فسيتوجب عليك تخزين زجاجة كحول الإيزوبروبيل أو بعض ضمادات الإيزوبروبيل التي توضع في علب محكمة الغلق لتسهيل استخدامها أثناء التنقل. وللحصول على أفضل النتائج ربما يجب أن تلتزم بالإيزوبروبانول بدلاً من الإيثانول. فعلى الرغم من بيعه بشكل شائع لأغراض تنظيف الجروح، إلا أن للإيثانول رائحة أقل حدة لذلك قد لا يعمل أيضًا، كما يمكنك شم رائحة معقم اليدين الحاوي على الإيزوبروبانول، أو قم فقط بأخذ نفس عميق ببطئ، وإن فشلت فسيكون لديك على الأقل بعض الكحول في متناول اليد للمساعدة في إزالة القيء.
المصدر:
Ada McVean, Can This Smell Relieve Nausea? , Skeptical Inquirer, December 2, 2022
[1] الديمينهدرينات: الذي يُسوق باسم درامامين وغرافول من بين أسماء أخرى، هو دواء متاح دون وصفة طبية يُستخدم لعلاج دوار الحركة والغثيان
[2] تحت ساليسيلات البزموت بالإنجليزية: (Bismuth subsalicylate) ويُباع تحت الاسم التجاري ببتو بزمول، هو دواء مضاد للحموضة، يُستخدم في علاج حالات عدم الراحة المؤقتة في المعدة والقناة الهضمية، مثل الإسهال، وعسر الهضم، وحرقة المعدة والغثيان. يُعرف أيضًا باسم البزموت الوردي.
[3] الأدوية المضادة للكولين بالإنجليزيةanticholinergic) (مضادات كولينية بالإنجليزية: (Cholinergic Antagonist) هي أحد مجموعات الأدوية العلاجية التي تفيد في خفض تأثيرات الأستيل كولين في الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي المحيطي.
[4] الأُوندانسيترون (بالإنجليزية: Ondansetron) يسوق تحت العلامة التجارية باسم زوفران (بالإنجليزية: Zofran) هو دواء يستخدم لمنع الغثيان والقيء الناجم عن العلاج الكيميائي للسرطان أوالعلاج الإشعاعي أو الجراحة. ويفيد أيضا في التهاب المعدة والأمعاء.
[5]بروكلوربيرازين Prochlorperazine ، الذي كان يُباع سابقًا تحت الاسم التجاري Compazine من بين آخرين، هو دواء يستخدم لعلاج الغثيان والصداع النصفي والفصام والذهان والقلق.
راجعت المقال لغوياً ريام عيسى ضمن العدد 54 من مجلة العلوم الحقيقية