توضح خريطة الاتصال الوظيفي اعلاه، وهي نوع من “بصمة” الدماغ، كيف تتفاعل المناطق المختلفة مع بعضها البعض عند الأطفال بعمر 12 عامًا. تشكلت هذه الخريطة من التصوير بالرنين المغناطيسي في حالة الراحة، حيث كان المشاركون مستلقين ولا يقومون بأي مهام. وتشير الدوائر الحمراء الأكبر إلى <<العقد>> الدماغية التي تزداد فيها الروابط والصلات.
عندما تستعد للنوم، لا تهتم آفا مانينغ بارتداء قناع العين أو سدادات الأذن، لكنها تستغرق خمس دقائق لربط عصابة الرأس الخاصة بتخطيط كهربية الدماغ (EEG)، ذلك الملحق مصنوع من رغوة فخمة ومزين بستة أقطاب كهربائية تضغط بشكل مريح على صدغيها، مما يتيح لمانينغ النوم بسلام أثناء مراقبة الجهاز وتحليله والعمل على موجات دماغها طوال الليل.
على الرغم من أن عصابات الرأس EEG كانت متاحة للمستهلكين منذ بداية عقد 2010، إلا أن الباحثين يستخدمون هذه الأجهزة الآن لتتبع نشاط دماغ النائم خارج المختبرات الجامعية التقليدية، من خلال إنتاج قراءات دقيقة لأنماط نوم شخص ما في المنزل ونقل البيانات لاسلكيًا إلى الباحثين. تقدم عصابات الرأس هذه نظرة ثاقبة وواعدة للاضطرابات المرتبطة باضطرابات النوم مثل اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، واضطراب طيف التوحد ASD.
تلقت مانينغ التي تم تشخيص إصابتها بالتوحد في سن التاسعة عصابة الرأس EEG كمشاركة في دراسة حول اضطرابات النوم المرتبطة بالتوحد، حيث تستذكر تاريخًا طويلاً من مشاكل النوم وتقول مازحة “تعلمت كيف أركب دراجة قبل أن أتعلم كيف أنام”. تعاني مانينغ ذات الـ 21 عامًا الآن من نوبات الأرق المتقطع، وهي حالة يعتبرها العديد من الأطباء أحد الآثار الجانبية للتوحد.
تستخدم مانينغ عصابة رأس EEG لتتبع “بصمة” دماغها النائم – نمط آلاف الإشارات الكهربائية التي تُطلق عبر مناطق دماغها البالغ عددها 180 منطقة. عندما تُظهر البصمة موجات بطيئة في نشاط الدماغ، والتي تتوافق مع النوم العميق، تنبعث من عصابة الرأس ضوضاء ناعمة لمدة 50 مللي ثانية، يتزامن الصوت مع مناطق دماغ مانينغ ويعزز موجاته البطيئة ويحافظ على نمط نومها السلس. حيث تقول “لأول مرة منذ أن كنت في التاسعة، يمكنني النوم طوال الليل”.
كشفت تقنيات التصوير العصبي الحديث غير الجراحية مثل مخطط كهربية الدماغ الذي تستخدمه مانينغ، عن صفات شبيهة ببصمات دماغنا، والطريقة الأخرى هي رسم الخرائط الشبكة العصبية الوظيفية، والتي تتعقب تغيرات تدفق الدم، حيث تتواصل مناطق الدماغ المختلفة مع بعضها عندما يقوم شخص ما بعمل ما. حتى أثناء النوم، تتزامن مناطق أدمغتهم وتخلق صورة للنشاط العصبي الفردي والمفصل بشكل لا يصدق ولا يتغير من ليلة إلى أخرى، كما هو انطباع الإبهام. هذه البصمات العصبية هي علامات قوية للهوية الفردية ولكنها قد توسع أيضًا فهمنا للحالات العقلية للمرضى مثل مانينغ.
مثل العديد من اضطرابات النمو، يفتقر اضطراب طيف التوحد إلى قياسات واضحة أو اختبارات تشخيصية، حيث يعتمد الأطباء على الاختبارات والاستبيانات السلوكية، والتي تكون بطبيعتها غير موضوعية. تتذكر مانينغ سنوات التشخيص الخاطئ “قيل لوالدي إنني مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD، وصعوبات التعلم، وغيرها الكثير” في المقابل، فإن بصمات الدماغ على الرغم من كونها مختلفة من شخص لآخر، تشترك في خصائص مماثلة تسمح بتصنيفها وتقسيمها. من خلال تلك المجموعات، يمكن للباحثين تحديد العلامات البيولوجية الموضوعية بشكل أفضل – والمؤشرات المنبهة لوجود حالة مرضية وربما شدتها.
هكذا، تبشر بصمات الدماغ بشق الطريق نحو تشخيص وعلاج أكثر فردية. يستخدم العلماء بالفعل هاتين التقنيتين الأساسيتين – تخطيط كهربية الدماغ EEG، ورسم خرائط الشبكة العصبية الوظيفية لتتبع الأنماط المميزة لدماغنا وتحديد العلامات البيولوجية لمشاكل الصحة العقلية، حتى أن بعض الباحثين قاموا بدمج تقنيات التعلم الآلي وبصمات الدماغ للتنبؤ بخطر تعرض الفرد لضائقة نفسية. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات قبل أن يتمكن الأطباء من استخدام هذه الأدوات لتشخيص الأمراض العقلية بدقة على نطاق واسع، مع مزيد من الصقل، يمكن أن تؤدي بصمات الدماغ إلى تشخيصات مبكرة وعلاجات مستهدفة ومزيد من التبصر في أصول بعض الاضطرابات العصبية.
اضطرابات النوم والمرض
غالبًا ما أشار (آلان ريشتشافن)، مؤسس أبحاث النوم الحديثة، إلى النوم على أنه تجربة فردية تخدم وظيفة بيولوجية عالمية، حيث قال ذات مرة “إذا كان النوم لا يخدم وظيفة حيوية، فهذا أكبر خطأ ارتكبته العملية التطورية على الإطلاق”.
في العقود الماضية، أظهر العلماء أن النوم يلعب دورا مهمًا في وظائف الدماغ وضروري لتعزيز الذاكرة والمناعة وتنظيم المزاج. الآن، يستخدم الباحثون مثل إخصائية علم النفس العصبي في قسم الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفرد (دارا أس مانوتش) بصمات الدماغ لعكس الفهم التقليدي للعلاقة بين النوم وبعض الاضطرابات المعرفية.
لطالما ارتبطت أمراض مثل اضطراب طيف التوحد والفصام ومرض الزهايمر بعجز في مغازل النوم[1]، ودفعات قصيرة من نشاط الدماغ تشارك في توحيد الذاكرة. غالبًا ما يُنظر إلى اضطرابات النوم على أنها نتيجة التطور الطبيعي لهذه الاضطرابات، ولكن في عام 2014 وجدت مانوتش أن نشاط مغزل النوم المنخفض موجود في وقت مبكر من مسار الفصام، مما يعني أن قلة النوم من المحتمل أن تساهم في المرض بدلاً من أن تكون مجرد آثار جانبية.
لدى مانوتش فرضية مماثلة عن اضطراب طيف التوحد، مشيرة إلى أن العديد من المرضى يعانون من مشاكل في النوم قبل وقت طويل من تشخيصهم. في مختبرها، يتم الكشف عن هذه النظرية باستخدام عصابة الرأس، والتي يتم شحنها بسهولة واستخدامها من قبل المشاركين في الدراسة. وكما هو الحال في قراءات التخطيط الدماغي المأخوذة في مختبر النوم، تتعقب عصابات الرأس النشاط الكهربائي للدماغ، لكنها تتخطى الإعداد المعقد الذي غالبًا ما يسبب الإجهاد في الإعداد السريري لدراسات النوم التقليدية. تقول مانوتش “قد يكون من الصعب على المرضى القدوم إلى المختبر، وأيضًا من الصعب عليهم النوم في بيئة غير مألوفة”.
بالإضافة إلى ذلك، في حين أن دراسات النوم تتطلب عادة فني مدربًا لقراءة البيانات وتسجيلها وتحليلها، يمكن للذكاء الاصطناعي المدمج في عصابة الرأس تحليل نشاط الدماغ تلقائيًا، عندها يكون من الممكن لهذه الأجهزة اكتشاف ما إذا كان المريض في مرحلة نوم عميق أو يعاني من اضطراب في النوم والتصرف وفقًا لذلك. الناتج النهائي الذي يعود إلى المختبر هو تسجيل كامل لنشاط موجة الدماغ للمشارك وحركة الرأس ومعدل ضربات القلب، يتم تتبعه على مدار عدة ليالٍ.
تشير مانوتش التي لا تزال أبحاثها مع عصابات الرأس في مراحلها التجريبية إلى العديد من الدراسات التي أظهرت فعالية وسلامة هذه التقنيات. وتضيف أن هناك حاجة إلى أحجام كبيرة من العينات لزيادة قابلية التكرار في أبحاث اضطراب طيف التوحد. تقول مانوتش “هذه الأجهزة هي أحد الطرق لإضفاء الطابع الديمقراطي على دراسات النوم وتوسيع الدراسات حول التوحد”.
استخدام مخططات كهربية الدماغ لفهم الدماغ النائم
بالإضافة إلى جعل البحث أكثر سهولة، يقوم بعض العلماء بإنشاء صورة جديدة تمامًا للدماغ النائم، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، كانت مخططات كهربة الدماغ هي الطريقة الأولى لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ النائم. في المراحل الأولى، استخدم مخطط كهربية الدماغ الحبر الخام لكتابة موجات دماغ المريض على شريط ورقي، ثم يقوم العلماء بفحص قراءات الخطوط المتموجة للعثور يدويًا على الأنماط والتشوهات في التذبذبات، فعلى سبيل المثال، استخدم ألفريد إل لوميس وهو رجل أعمال في وول ستريت والرائد تخطيط كهربية الدماغ المبكر، استخدم هذا النظام لتتبع وتصنيف إيقاعات الدماغ في القشرة الدماغية أثناء النوم. في عام 1935، لاحظ لوميس أن هناك تباينًا كبيرًا في أنماط موجات الدماغ النائم عند مختلف الأشخاص، وتلك كانت مقدمة لملاحظات بصمات الدماغ الحديثة (كما أعرب لوميس أيضًا عن أسفه لعدم كفاءة مخططات دماغ الشريط الورقي، مشيرًا إلى أن “فحص نصف ميل من الشريط المطلوب لثماني ساعات من النوم كان يستغرق وقتًا طويلاً للغاية”.)
لا تزال تسجيلات EEG الحديثة بما في ذلك تلك التي تنتجها عصابات الرأس أثناء النوم، التي يتم تصويرها على أنها خطوط متموجة تتوافق مع تقلبات الجهد الصغيرة في نشاط الدماغ. كما وقد تغيرت استراتيجية تحليل هذه التسجيلات بشكل طفيف فقط: يظل التحديد الذاتي، حيث يحدد العالم دفعات من موجات الدماغ المتذبذبة بمدى تردد من 11 إلى 16 هرتز يشكل المعيار الذهبي لاكتشاف مغازل النوم.
حتى أحدث خوارزميات التعلم الآلي لاكتشاف مغزل النوم تستند إلى الملاحظة البشرية، كما يقول (مايكل بريراو) عالم الأعصاب في مستشفى بريجهام والنساء بكلية الطب بجامعة هارفرد. لكن الملاحظة البشرية لـ ((أشكال الموجات المتذبذبة)) المرتبطة بمغازل النوم ليست علمًا مثاليًا: فالباحثون منحازون نحو موجات الدماغ عالية السعة ولافتة للنظر، على الرغم من أن موجات الدماغ الأقل وضوحًا قد تكون مهمة بنفس القدر للوظيفة الإدراكية، لذلك تساءل برايراو، ماذا لو وسَع العلماء تحليلهم لموجات الدماغ أثناء النوم بما يتجاوز ما يمكن التعرف عليه بالعين؟.
يقول بريراو “الطريقة التي ننظر بها إلى مشكلة ما يمكن أن تؤثر بعمق على طريقة تفكيرنا في النظام الذي ندرسه، إذا كنت تنظر إلى اللون فقط، فليس هناك فرق بين شاحنة الإطفاء والفراولة>>.
بدلاً من تكبير موجات الدماغ المرئية بسهولة للعين البشرية بسبب التذبذب الأكبر، طور بريراو وفريقه تقنية جديدة تستخرج تلقائيًا عشرات الآلاف من أنماط الموجات الشبيهة بالمغزل – بما في ذلك الأنماط الطفيفة – من ليلة كاملة من بيانات EEG. ابتعد الباحثون أيضًا عن النهج التقليدي لفحص موجات الدماغ في مراحل النوم المنفصلة – مثل حركة العين السريعة (REM) وحركة العين غير السريعة أثناء النوم – وبدلاً من ذلك قاموا بتحليل أنماط الموجات كجزء من سلسلة كاملة من التغيرات التدريجية التي تحدث أثناء النوم. كشفت النتائج التي توصلوا إليها، والتي نُشرت في مجلة Sleep في سبتمبر الماضي عن ((بصمة )) الدماغ النائم : كانت صور موجة الدماغ غير متجانسة للغاية بين المشاركين ولكنها كانت متماثلة لدى كل شخص.
تلك النتائج لها أثران سريريان رئيسيان. الأول، تسلط نتائج <<البصمة>> الضوء على التنوع العصبي الهائل لأدمغة البشر. يقول بريراو “لمجرد إن شخصًا ما لم ير دماغًا مثل دماغك لا يعني أن هناك خطبًا ما فيه” ويأمل أن يتم استخدام تقنية فريقه لإعادة تعريف كيفية تصنيف المرضى في دراسات علم الأعصاب السريري. بدلاً من الاعتماد فقط على العرق والجنس والخصائص الديموغرافية الأخرى، يمكن للباحثين تجميع المرضى حسب الأنماط في بصمات دماغهم. ستكون البصمات انعكاسًا مباشرًا للاختلافات في بنية الدماغ ونشاطه، مما يساعد الباحثون على تحديد تأثير الدواء أو العلاجات الأخرى عبر شتى أنواع تشريح الدماغ.
كذلك قارن بريراو وفريقه بصمات الدماغ من الأشخاص الأصحاء ومرضى المصابين بالفصام، ووجدوا مؤشرات حيوية جديدة للمرض بترددات تخطيط كهربية الدماغ التي أخفتها الطرق التقليدية. توضح مانوتش المؤلفة المشاركة في دراسة النوم، أن هذه النتائج تعزز أمكانية مساهمة اضطرابات النوم في تطور مرض الفصام لدى البالغين.
قالت مانوتش “إذا كنت قد عزفت البيانو من قبل، فمن المحتمل أنك في مرحلة ما تمر بطريق مسدود لا يمكنك أن تُحسن أداءك بعدها، لكن بعد الحصول على قسط من الراحة، تحاول مرة أخرى وتجري بعض التحسينات” لكن في حالة الفصام، يعيق الروابط العصبية التي عادة ما تعزز الذاكرة العضلية الضمنية أثناء النوم. توضح مانوتش أنه بسبب ذلك، قد يستمر مريض الفصام في مواجهة الطريق المسدود، ويبقى عالقًا تحت وطئت نفس مجموعة من الملاحظات كما في اليوم السابق. يمكن للباحثين استخدام مؤشرات حيوية جديدة من بصمات دماغ المرضى لتحديد مكان تعطل دائرة النوم لتعلم المهارات الحركية بشكل أكثر دقة، وهي خطوة مهمة نحو تطوير علاجات مستهدفة وأدوية مضادة للذهان.
استخدام فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للتحقق من المرض لدى المراهقين
تتضمن التقنية الثانية لتحليل بصمات الأدمغة أن تكون يقضه وأكثر شبابًا، مع ظهور نصف العدد الكلي من الاضطرابات العقلية في منتصف سن المراهقة، حيث يُعد دماغ المراهق هدفًا حاسمًا للتشخيص والتدخل المبكر. يقول دان هيرمنز عالم الفسيولوجيا النفسية المعرفية في جامعة صن شاين كوست في أستراليا ومدير دراسة دماغ المراهقين الطولية[2] ” تبدأ المراهقة وتنحت التفرد الفردي للدماغ، لكنها أيضًا فترة ضعف شديدة، إنه سلاح ذو حدين”.
يستخدم هيرمانز وفريقه التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) في دراسة أدمغة المراهقين دراسة طولية لرسم خرائط للوصلات الوظيفية للمراهقين، ويمثل هو مخطط الاتصال للشبكات العصبية للدماغ. يستخدم الفريق تلك الروابط الوظيفية لتحديد العلامات التنبؤية للاضطراب العقلي لدى الشباب، حيث أجرى الباحثون فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي عندما كان المشاركون في الدراسة مستلقين وفي حالة راحة، تشبه هذه التقنية الميكانيكيين الذين يستمعون إلى محرك متوقف قبل القيام بجولة. سمحت الشبكات الوظيفية العصبية للفريق بتصور الأنماط المرتبطة بنشاط الدماغ المهمة.
في دراسة نُشرت في NeuroImage في سبتمبر الماضي، وجد فريق هيرمانز بصمات الدماغ الفريدة موجودة لدى الأطفال في سن 12 عامًا – وإن كان ذلك مع بعض أوجه التشابه الملحوظة عبر أنماط بصمات الدماغ – على سبيل المثال، لدى المراهقين خرائط مماثلة للشبكة البارزة، والتي تشارك في التحكم في السلوك الموجه نحو الهدف والقدرة على تحمل التأثيرات السلبية. يشير ذلك النقص في الأصالة إلى أن الشبكة لم تصل إلى مرحلة النضج، ويقول هيرمنز وفريقه إن ذلك يقدم تفسيرًا بيولوجيًا لزيادة التعرض للتوتر لدى الشباب. قام الباحثون أيضًا بدراسة العديد من فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لنفس المشاركين الذين بفارق أربعة أشهر، في كل مرحلة، استخدموا مقياس الضيق النفسي لقياس الحالة العاطفية للمشاركين، ووجدوا أن المراهقين الذين تذبذبت لديهم الشبكة البارزة أكثر عددًا وكانوا أقل تميزًا عن أقرانهم في القياس الأولي، أفادت عن شدة كبيرة في القلق وأعراض الاكتئاب في القياسات التالية.
بالنسبة لهيرمنز، فإن المفتاح هو الإقرار بأن بصمات الدماغ <<مكمل وليس بديلاً>> للطرق التقليدية للتشخيص. تتضمن رؤيته برامج فحص واسعة النطاق لبصمات الدماغ، حتى يتمكن الأطباء من تتبع التغيرات في نشاط دماغ المريض وتحديد مخاطر الصحة العقلية قبل أن تصبح جزءًا لا يتجزأ. فعلى سبيل المثال، في أستراليا حيث يعيش هيرمنز، يتم إرسال اختبار بول مجاني إلى السكان الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا لفحص سرطان القولون، يتساءل هيرمنز “ماذا لو تمكنا من إجراء فحص مماثل لبصمات دماغ الشباب؟”.
مستقبل بصمات الدماغ
تتميز كل تقنية لبصمات الدماغ بمزايا معينة. بينما يوفر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تفاصيل هيكلية وظيفيةfMRI) ) أكبر، فإن التخطيط الدماغي (EEG) يوفر رؤى أسرع ويمكن الوصول إليها بسهولة حول ما يتعلق بوظائف الدماغ. في الوقت الحالي، تتعاون شركات مثل Dreem و Muse مع باحثي الرعاية الصحية للاستفادة من تقنية EEG الصديقة للمستهلك. تعد هذه الأجهزة بأنها قابلة للتطور في مجال المعالجة المنزلية على نطاق واسع. في أبريل عام 2022، أفاد باحثون من ETH Zurich أنهم قدموا تحفيزًا سمعيُا عبر عصابات النوم للبالغين البالغ أعمارهم بين 60 و 80 عامًا، مما عزز بنجاح نشاط الدماغ أثناء النوم، والأهم من ذلك، استجاب المشاركون للمحفزات بطرق متغيرة مؤكدين أن عصابات الرأس EEG ليست الدواء الشافي لمشاكل النوم. يحذر الباحثون أيضًا من استخدام هذه الأجهزة للعلاج غير الخاضع للإشراف أو التشخيص الذاتي لاضطرابات النوم.
يقول والتر كارلين، مهندس الطب الحيوي الذي طور التكنولوجيا المستخدمة في دراسة ETH Zurich “هذا جهاز طبي، وليس منتج استهلاكي، كما يجب الإشارة إلى ضرورة استخدام الجهاز طبيًا والإشراف عليه من قبل الطبيب”.
قد يكون نموذج بصمات الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي أداة قوية في تطوير التشخيص السريري، حيث قام العلماء في جامعة ستانفورد بدمج بصمات الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بشدة أعراض التوحد لدى كل مريض على حدة. كما أنهم يشيرون إلى إمكانية استخدام بصمات الدماغ لتقييم أدمغة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أشهر، كي يتمكنوا من إدخال علاجات التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة عندما تكون أكثر فعالية. على الرغم من أن هذه الخوارزميات القائمة على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي تتباهى بمناصرة ملحوظة في هذه المرحلة المبكرة من التطوير، إلا أن المزيد من الصقل ضروري للحصول على نتائج موثوقة سريريًا. جادلت ورقة بحثية نُشرت في مجلة NATURE في مارس عام 2022 بأن هناك حاجة إلى عشرات الآلاف من فحوصات الدماغ لتحديد الروابط القابلة للتكرار بين بنية الدماغ والأنماط الظاهرية للصحة العقلية (استخدمت دراسة ستانفورد عينة من 1100 مشارك).
بينما يقر هيرمنز بأن دراسات البيانات الضخمة هي الخطوة الحاسمة التالية، فإنه يؤكد أيضًا على أنه لا ينبغي وصف بصمات الدماغ بشكل خاطئ على أنها أداة تشخيص أحادية الجانب ويقول “هذه البصمات مكملة لمقاييس أخرى للصحة العقلية، إنها مهمة لأنها تثبت أن علاج الصحة العقلية يجب أن يكون فرديًا. سيكون تفرد الدماغ جزءًا فقط من خوارزميات المستقبل التنبؤية”.
تستمر بصمات الدماغ في التقدم حيث يقوم العلماء بتكييف أساليبهم لإنشاء صور أكثر تفصيلاً لشفرة الدماغ الفريدة من نوعها مع هويتنا، في حين تتطور التقنيات، يظل الهدف النهائي لبصمات الدماغ ثابتًا.
يقول بريراو “نأمل أن نتمكن من التدخل مبكرًا والتخفيف من عبء الصحة العقلية على الفرد”.
ويوافق هيرمنز على أن “الحلم هو الكشف المبكر والوقاية”.
المصدر:
Lucy Tu, Can a ‘Fingerprint’ of Your Brain Help Predict Disorders?, Smithsonian magazine, March 24, 2023
[1] مغازل النوم: عبارة عن رشقات من المخ تراوح بين نصف ثانية إلى ثانيتين من نشاط المخ ويتم قياسها في نطاق 10 إلى 16 هيرتز على مخطط كهربية المخ «EEG»، وتحدث تلك الرشقات خلال مرحلة النوم التي لا تشهد حركة العين السريعة، أي المراحل الثانية والثالثة من النوم.
[2] الدراسة الطوليّة هي أحد وسائل تصميم البحث العلمي في المنهج التجريبي من أجل دراسة تأثير عوامل ومتغيرات معينة وبشكل متكرر خلال فترة زمنية طويلة نسبياً، قد تمتد إلى عدة سنوات، وحتى عقود.
تم نشر هذا المقال ضمن العدد 55 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغوياً ريام عيسى