الفيزيائيون ينسحبون سريعًا من أي مجال بمجرد معرفة قواعدة الرئيسية …
بمعنى أصح لا يهتمون بالتفاصيل، لكن القواعد العامة ليست هي كل شيء.
ففي جسم الإنسان مثلاً للفيزياء صوت وللفسيولوجيا صوت أعلى …
فلنأخذ ضغط الدم مثالاً لتوضبح هذا الأمر:
عندما يكون الإنسان مستلقيًا يكون ضغط الدم متساويًا في كافة الشرايين الطرفية، وذلك لأن كلها في مستوى أفقي واحد …
أما إذا قرر الشخص النهوض؛ فبالتأكيد سيكون رأسه في مستوى أعلى من سائر جسده وتقرر الفيزياء أن ضغط الدم في الرأس يكون أقل ما يمكن، وفي القدمين يكون أكبر ما يمكن، ولا يصل قدر كافي من الدم للمخ ويصاب الإنسان بالإغماء وربما يموت !!!!
بالتأكيد لا يحدث هذا ….
فالفسيولوجيا تقول كلمتها …
ترسل الحساسات الموجودة في الشرايين إشارات إلى المخ لتخبره بأن الضغط يقل …
فيرسل المخ إشارات ليقوم بقبض الشرايين التي قل فيها الضغط …
وبنقصان قطر الشريان؛ تزداد سرعة الدم فيه (كما تنص معادلة الاستمراية في حركة الموائع) ليصل الدم بسرعة إلى الأجزاء المرتفعة من الجسم فيعوض النقص في الضغط.
هذا يفسر لنا ما نشعر به أحيانًا من الدوار؛ وربما الإغماء بعد الإستيقاظ من النوم والقيام مباشرة وبسرعة من السرير …
فالحساسات لم تعمل بعد، ولكنها ما تلبث أن تعمل ويشعر الشخص بزوال الدوار.
*****
هكذا تكون قد حلت مشكلة نقص الضغط في أعلى الجسم فكيف تحل مشكلة زيادة الضغط في أسفل الجسم ؟!
تقرر الفيزياء أن ضغط الدم في القدمين أكبر ما يمكن؛ ولذلك يزداد ترشيح البلازما من الأوعية الدموية إلى الخلايا، وهذا ما يسبب زيادة تضخم القدمين أكثر من أي عضو آخر عند الإصابة بمرض (الإستسقاء) أو (داء الفيل) مثلاً.
لكن هذا ليس الوضع الطبيعي …
– فالفيزياء تقرر أيضًا أن الدم يتحرك من المنطقة ذات الضغط المرتفع إلى المنطقة ذات الضغط المنخفض؛ وحيث أنه أثناء الزفير يفرغ الصدر من الهواء ويكون الضغط فيه قليلاً جدًا، فيتحرك الدم من أوردة القدمين إلى أعلى ليصب في القلب.
– هذا إلى جانب أن أوردة القدمين (محشورة) بين العضلات؛ بحيث أنه عندما تنقبض العضلة تضغط على الأوردة فيندفع الدم لأعلى، فتعتبر العضلات (مضخات فرعية) للدم.
هذا يفسر لنا أيضًا لماذا يشعر الإنسان بالدوار إذا وقف ثابتًا لفترة طويلة، ولكنه ربما يمشي لوقت طويل ولا يشعر بشيء لأن العضلات تتحرك وتدفع الدم لأعلى.
– الأمر الثالث الذي يمنع تزايد الضغط في القدمين هو أن (الصمامات) في الأوردة ذات اتجاه واحد؛ أي أنها تسمح للدم بالحركة لأعلى ولا تسمح له بالرجوع إلى أسفل.
هذا المثال يوضح بجلاء أننا لا نستطيع أن نفهم جسم الإنسان معتمدين على علم الفيزياء فقط …
فالأمر أكثر تعقيدًا؛ وأكثر تشويقًا أيضًا.