السير اسحق نيوتن … الخلود بفضل تفاحة

اسحق نيوتن وهو العالم الذي يعرفه الجميع من تفاحته او التفاحة التي سقطت امام ناظريه لكي يبدع عقله وفضوله العلمي قانون الجاذبية، ليقضي بذلك على حقبة من الخرافة في ما يتعلق بالكواكب والنجوم والمذنبات وسقوط الاجسام وغيرها من الامور.
يقول العالم برتراند راسل حول هذا الموضوع: “لم يتوقف اعتقاد البشر في كون المذنبات إنذار شؤم حتى قدم عدد من العلماء البرهان على أنها تتبع قوانين الجاذبية”.
وألان سوف نمر على حياة السير اسحاق نيوتن وابرز انجازاته التي حققها للبشرية.

 

حياته

ولد اسحاق نيوتن في مقاطعة لنكن شر/انكلترا عام 1642. بعد ثلاث اشهر من وفاة والده الذي كان يعمل معاوناً زراعياً، وكان نيوتن هزيل البدن حتى ان القابلة قالت بعد ان وضعته امه “يا له من طفل مسكين، انه يمكن ان يوضع في ابريق شاي، رحماك اللهم بهذا الطفل انه سيودع الحياة بعد لحظات لان جسده لم يخلق ليأخذ مكانه في هذا العالم”.
تزوجت والدته بعد ذلك من قس، وتركت نيوتن تحت رعاية جدته وذهبت مع زوجها لترعى اطفاله الثلاثة، وقد بقي بعيدا عن امه قرابة التسع سنوات الى حين وفاة زوج امه، وكان لهذا البعد تأثيرا كبيرا على شخصية نيوتن، حيث لم يكن للنساء شأن يذكر في حياته، فلم يتزوج قط ولم يعش قصة حب سوى في لحظات الطيش في شبابه.

كانت دراسته الثانوية في مدرسة غرانتام، ولم يكن نيوتن بالطالب المتميز وممن تظهر عليهم علامات الذكاء، بل كان مشغول بأحلام اليقظة داخل القاعات الدراسية، ولم يكن بالطالب الاجتماعي ايضاً، فقد كان يمضي معظم الوقت وحيداً بمعزل عن أصدقاءه ولم يكن بالشخص الرياضي فهو لا يهوى الالعاب الرياضية بل يفضل عليها تفحص افكاره. وقد اظهر منذ صغره براعته الميكانيكية فكان يقضي وقته في صناعة طائرات ورقية وساعات مائية وغيرها من الالعاب او الادوات الميكانيكية.

وعند وفاة زوج امه الثري اضطر الى ترك المدرسة والاتجاه الى ادارة الملكية الهائلة التي ورثها منه، لكن سرعان ما اثبت اسحاق نيوتن فشله بالإدارة وكذلك عدم اهتمامه بالامور الزراعية، كما انه لم يتمكن من الانسجام مع الفلاحين، مما اضطر خاله الى اقناع امه بأعادة نيوتن الى الثانوية في غرانتام لكي يحضر نفسه للدراسة الجامعية.

تم قبول نيوتن في جامعة ترينيتي في كامبردج عام 1661 وقد بلغ في ذلك العام الثامنة عشر من العمر، وكانت الجامعات في ذلك الوقت غارقة بفلسفة ارسطو وتعاليمه، وجاء انتساب اسحاق نيوتن بعد مجموعة من العقول التي كان لها الأثر الواضح في العلوم الحديثة من امثال كوبلر وكويرنبث القائل بمركزية الشمس وغيرهم من العلماء. وقد كانت جامعة كامبردج تأخذ بالنظرة القديمة في الفيزياء وكانت الدروس تطرح على اساس ان الارض هي مركز الكون، على الرغم من ازدياد الدلائل على عدم واقعية مثل هذه النظرة، اما نيوتن فقد تأثر بفلاسفة الفيزياء مثل ديكارت، وقد تأثر به اكثر من تأثره بأرسطو.

كان الرياضي اسحاق بارو اول من انتبه الى موهبة نيوتن، فقام بتشجيعه لكي يهتم بالرياضيات، وهذا ما فعله نيوتن فقد امضى سنتيه الاخيرتين بتقوية مهاراته بالرياضيات. وظل نيوتن يتابع اخر ما توصل اليه علماء النهضة وبدء بصياغة مفاهيمه التي اصبحت فيما بعد اساساً لكل شيء قدمه للعلم، ونال نيوتن شهادته الجامعية في نيسان من عام 1665، وفي نفس العام تفشى الطاعون في لندن مما اضطر نيوتن الى مغادرتها متجها الى بيته في وولثورب وقد امضى عامين قبل ان يعود مرة اخرى الى جامعة كامبردج.

حين قضى عامين في بيته في وولثورب بقى نيوتن يفكر في المواضيع التي شغلت اهتمامه في الجامعة، فقد ارسى وبشكل نهائي عند عودته الى كامبردج في عام 1667 أسس اعماله في المجالات التي خلدت اسمه الى الابد، وهي: حساب التكامل والتفاضل، طبيعة الضوء الابيض وكذلك التثاقل الكوني، وقد يسأل البعض كيف تمكن نيوتن في عامين من تحقيق هذا الانجاز العظيم؟ لكن سرعان ما يزول هذا التساؤل حين نعرف قوة التركيز العالية التي كان يمتلكها نيوتن \، فهو يستطيع ان يبقي المشكلة الفعلية حية في ذهنه لأيام وأسابيع حتى يجد الحل العلمي لها، بينما الانسان العادي لا يستطيع ان يبقي المشكلة الفعلية في ذهنه سوى لحظات معدودات. يقول دي مورغان عن نيوتن “كان موفقا جدا في تخميناته” وهذا يدل على ان نيوتن كان يعتمد على قوة حدسة وتخمينه بجانب قوته في الرياضيات.

وفي عام 1667 اعيد افتتاح جامعه كامبردج وتم انتخاب نيوتن كعضو في كلية ترينتي، وعند تخلي ملهم نيوتن وناصحه عن مركزه اقترح اسم نيوتن لكي يشغل محلة، وحينها بدأ نيوتن بإلقاء محاضرات في البصريات وصنع اول مقراب عاكس، كل هذا ولم يكن قد نشر اي شيء من بحوثه وإنجازاته، وقد أدى اختراعه للمقراب العاكس الى تسليط الضوء عليه، مما زاد من اهتمام الجمعية الملكية بهم، مما ادى الى انتخابه عضوا فيها وذلك في عام 1672، وهذا ما ساعده على نشر بحثه العلمي في مجال البصريات هذا البحث الذي لاقى هجوما شرساً من قبل روبرت هوك رئيس الجمعية الملكية انذاك، والذي يعتبر نفسه خبيرا في البصريات، لكن نيوتن لم يقبل بهذا الهجوم المتعالي على ابحاثه، وقد دفعه هذا الامر الى العزلة التامة. أما خلافات نيوتن مع هوك حول طبيعة الضوء فقد قلت حدتها وذلك بعد ان طغى عليها جدل دار حول اكتشاف حساب التفاضل والتكامل الذي بدأ في عام 1684، عندما نشر العالم ليبنتز بحثه عن هذا الموضوع وكان نيوتن قد تأخر في نشر بحثه عن هذا الحساب حتى عام 1704، مما ادى الى اختلاط الأمر حول من له الفضل في هذا ألاكتشاف، وكان كل من الرجلين يبدي صداقته للآخر ومن المرجح أن ليبنتز كان قد بدأ بتطوير حساب التفاضل والتكامل حتى قبل أن يبدأ بدراسة الرياضيات ولكن النزاع بدأ يطرح على الصعيد القومي بين أناس لم يكونوا يعرفون أي شيء عن عمل كل من العالمين ومع ذلك كانوا يجادلون بانفعال حول صاحب هذا الاكتشاف أهو إنكليزي أم ألماني، ولم تنته المشكلة طيلة حياة نيوتن ففي حين كان كثيرون من زملائه راغبين في تبرئته من تهمة الادعاء بسبب عدم توفر اي دليل، فقد استمر رياضيو اوربا عدا بريطانيا في استخدام مصطلحات ليبنتز وذلك لأنها اكثر ملائمة.

ان النقاشات والجدل الذي يحصل مع نيوتن بين الحين والأخر جعله يشمئز من العلم لفترات محدودة ويتجه نحو الدين والتأملات الصوفية التي كانت تحيره دائماً، حيث كان نيوتن مسيحي المعتقد ولكن بصورة غير تقليدية، فقد رفض ان يأخذ بمذهب الثالوث وذلك بمخطوطة بعثها الى جون لوك، وقد احتفظ  نيوتن بمعتقداته لنفسه وذلك لكي يضمن بقاءه في عمله بجامعة كامبردج.

عانى نيوتن عام 1692 من انهيار عصبي ربما كان ناشئاً عن الإجهاد ليس إلا ولكنه أجبر على ترك العمل ما يقارب العامين الكاملين على الرغم من أنه شفي من المرض تماماً، ومع ذلك فقد توج بحوثه العلمية بخاتمة بارزة، إذ أمضى بعض الوقت خلال العقدين التاليين وهو يجمع أدلة وقرائن عن نظريته في الضوء التي نشرت قبل أن تظهر بالعنوان المشهور في البصريات عام 1704، وكان السبب في تأخر نشر الكتاب، هو أن نيوتن كان يرفض نشره قبل وفاة هوك عام 1703، وفي هذا العام انتخب نيوتن رئيساً للجمعية الملكية خلفاً لهوك وقد ظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته، كما انتخب أيضاً عضواً في البرلمان عام 1689 ولكنه لم يطلب الكلام في البرلمان طيلة السنوات العدة التي قضاها في عضويته سوى مرة واحدة عندما طلب إغلاق نافذة كانت مفتوحة  .

كان نيوتن متواضعا جداً، وهذا ما بينه في رسالة الى روبرت هوك في فبراير من عام 1676 فقد كتب فيها: “إن توصلت لشيء، فذلك لأني أقف على أكتاف العمالقة”. يختلف المؤرخون حول مقصد نيوتن من هذه العبارة، البعض يرى أنها جاءت في وقت كان فيه نيوتن وهوك في نزاع حول الاكتشافات في مجال البصريات، وأن نيوتن كان يقصد بالعبارة السخرية من هوك الذي يقال أنه كان قصيراً وأحدباً، وعلى النقيض، يرى آخرون أن نيوتن استخدم عبارة “أقف على أكتاف العمالقة” التي كانت شائعة في تلك الفترة، بعد أن استخدم الشاعر جورج هربرت هذه العبارة في إحدى قصائده عام 1651، حيث قال: “قزم على أكتاف عملاق يرى أبعد من الاثنين” وبذلك يصف نيوتن نفسه قزماً يقف على أكتاف هوك.

نأتي الان الى موضوع على قدر كبير من الاهمية، وهو الجانب العاطفي من حياة نيوتن، وعلى الرغم من صعوبة إثبات ذلك، إلا أنه من المعروف أن نيوتن مات بكراً، وذلك وفقاً لما ذكره عالم الرياضيات تشارلز هوتون والاقتصادي جون مينارد كينز والفيزيائي كارل ساغان، كما ادعى الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير، الذي كان في لندن وقت جنازة نيوتن، أن هذه المعلومة مؤكدة، حيث كتب قائلًا “لقد أكد لي الطبيب والجراح اللذان كانا معه وقت الوفاة ذلك، ذكرا أنه أخبرهما بذلك وهو على فراش الموت” وفي عام 1733 أعلن فولتير على الملأ أن نيوتن “لم يكن لديه رغبة أو ميل، نحو أي امرأة”.

 

تفاحة نيوتن

يقول البعض عن حادثة التفاحة بأنها اسطورة، ويقول اخرون انها قصة مجازية حيث لا يمكن ان تأتيه فكرة الجاذبية بلحظة واحدة، على الرغم من نيوتن قال بنفسه ان الالهام اتاه عندما شاهد سقوط تفاحة من احدى الاشجار.

الجدير بالذكر أن بعض المقربين من نيوتن مثل ويليام ستوكلي أكدوا وقوع الحادثة لكن ليس كما هو شائع أن التفاحة وقعت على رأسه. وقد سجل ويليام ستوكلي في كتابه حياة السير إسحق نيوتن محادثة مع نيوتن في كنسينغتون في لندن في 15 أبريل 1726 وهي كالتالي: “ذهبنا إلى الحديقة، لنشرب الشاي تحت ظلال بعض أشجار التفاح أنا وهو فقط وفي ضمن الحوار أخبرني أنه في حالة كهذه أتته فكرة مفهوم الجاذبية. قائلاً: لماذا تسقط التفاحة دائماً عمودياً على الأرض؟ ثم قال لنفسه: لماذا لا تسقط جانباً أو تصعد لأعلى؟ لا بد أنها تتجه إلى مركز الأرض، إذاً بالتأكيد أن الأرض جذبتها. بالتالي لا بد من وجود قوى جاذبة في المسألة. ومجموع القوى الجاذبة في مسألة الأرض يجب أن تكون في اتجاه مركز الأرض، وليس في أي جانب، بالتالي تسقط التفاحة عمودياً، أو نحو المركز. وإذا كانت الأشياء يجذب بعضها بعضاً؛ يجب أن يتناسب ذلك مع حجمها، فتكون التفاحة تجذب الأرض، كما تجذب الأرض التفاحة”.

جون كوندويت مساعد نيوتن في دار سك العملة الملكية، وصف الحدث عندما كتب عن حياة نيوتن قائلاً: “في عام 1666 ترك كامبريدج مرة أخرى ليذهب إلى أمه في لينكولنشاير. وبينما كان يتجول في الحديقة جاءته فكرة أن قوة الجاذبية [التي جذبت تفاحة من الشجرة إلى الأرض] ليست محدودة بمسافة معينة من الأرض، ولكنها تمتد لأبعد مما نتصور، وقال لنفسه ولماذا لا تصل حتى سطح القمر وإن كان الأمر كذلك، فلا بد أنها تؤثر على حركته وربما تجعله ملتزماً بالحركة في مداره، وعندها قام بحساب أثر ذلك الافتراض”.

لم يكن التساؤل الرئيسي بالنسبة لنيوتن حول وجود الجاذبية، وإنما حول ما إذا كانت تمتد إلى خارج الأرض بحيث يمكنها أن تكون القوة التي تبقي القمر في مداره. أظهر نيوتن أنه إذا تناسبت القوة عكسياً مع مربع المسافة، فإنه يمكن للمرء أن يحسب بالفعل الدور المداري للقمر، ورجح أن نفس القوة هي المسؤولة عن الحركات المدارية الأخرى، وبالتالي فإنه يمكن تسميتها بـ (الجاذبية الكونية).

الطريف في كل هذا، ان هنالك من أدعى بأنه يمتلك شجرة التفاح التي الهمت نيوتن. حيث أدعت مدرسة الملك في غرانتهام، أنها اشترت الشجرة، واقتلعت ونقلت إلى حديقة المدرسة بعد بضع سنوات. فيما يدعي موظفو مؤسسة التراث القومي التي تملكت مزرعة وولسثورب، بأن الشجرة موجودة في حدائقهم. كما توجد شجرة من نسل الشجرة الأصلية خارج البوابة الرئيسية لكلية الثالوث في كامبريدج، تحت غرفة نيوتن التي عاش فيها حينما كان يدرس هنالك.

 

انجازات اسحاق نيوتن

“أنا لا أختلق الفرضيات” تلك هي العبارة التي رد بها نيوتن على من انتقده هو وفرضياته التي يخرج بها، وكانت هذه الانتقادات والمناقشات السبب الرئيسي لعزلة نيوتن في منزله و بقاءه بعيداً عن المجتمع العلمي، ولكنه تفرغ للكيمياء التي كانت تعتبر ممنوعة في عصره على رجال العلم، وذلك باعتبارها من قبيل الشعوذة والدجل، لكن نيوتن ابقى امر الكيمياء وكذلك ابحاثه الدينية في الرموز الموجودة في الكتاب المقدس سرا خاصا به دون غيره، وقد روي عن بعض الشهود ان نيوتن قام بحرق الكثير من المنشورات قبل وفاته بأسابيع ويعتقد ان هذه المنشورات هي حصيلته من الكيمياء والدين لكن لا سبيل لمعرفة ما تحتويه هذه المنشورات.

لنيوتن اثر واضح في البصريات والفيزياء، وكانت قوانينه الفيزيائية هي الاشهر اضافه الى المقراب الذي فتح له الطريق للجمعية الملكية ليصبح احد اعضاءها وينفتح على المجتمع العلمي قبل ان يلاقي معارضة ونقد شديدين من قبل روبرت هوك رئيس الجمعيه انذاك.

واكبر انجازات نيوتن هي قوانينه الفيزيائية الثلاث:
1 ـ قانون نيوتن الاول: “يظل الجسم على حالته الحركية (اما سكون تام او الحركة في خط مستقيم بسرعة ثابتة) ما لم تؤثر عليه قوة تغيره من هذه الحالة”

2 ـ قانون نيوتن الثاني: “إذا أثرت قوة أو مجموعة قوى على جسم ما فإنها تكسبه تسارعاً يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة، ومعامل التناسب هو كتلة القصور الذاتي  للجسم .

3 ـ قانون نيوتن الثالث: “لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ”

كما قام نيوتن بوضع مبدأ (تراكب القوى) في الميكانيكا، واعتبره البعض انه قانون نيوتن الرابع وهو الاتي:

4 ـ قانون نيوتن الرابع: إذا أثرت عدة قوى في نقطة أو على جسم جاسيء، فإنها تتراكب مع بعضها البعض تراكبا موجها وتنتج عنهم “محصلة لتأثيرهم الجماعي .”

وضع نيوتن قوانينه الثلاثة في كتابه الاصول الرياضية، وكانت هذه القوانين تتعارض مع فيزياء وبشكل صارخ مع افكار ارسطو التي تؤكد على ان الجسم المتحرك يحتاج الى قوة لاستمراره في الحركة، وعلماً ان فيزياء ارسطو كانت هي الشائعة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من كون فيزياء نيوتن هي الاصلح لكن لم يؤخذ بها مباشرة، وهذه الحالة موجودة في كل العلوم التي تخالف الافكار السائدة، وحتى عقود من نشر كتابه “الاصول الرياضية” فضل الكثير من العلماء نظرية الدوامات ومن هؤلاء العلماء رينيه ديكارت.

ادرج نيوتن في كتابه “الاصول الرياضية” مفهوم الجاذبية كما انه استخدم طريقة قريبة من التفاضل والتكامل للتحليل الهندسي، وعلى اساس (قانون بويل) توصل الى التحليل الاول لتقدير سرعة الصوت في الهواء، مفترضا الشكل الكروي للارض، وتوصل الى كون الاعتدالات ناتجة عن انجذاب القمر الى الارض، ليساهم بذلك في تقديم نظرية لتحديد مدارات المذنبات.

تلقى نيوتن انتقادات لاذعة واتهموه بالتنجيم، وذلك لأنه اقر بوجود قوة قادرة على التأثير عبر مسافات شاسعة، بعد ان استنكر ان يكون مركز اي نظام في حالة سكون، كما انه ادرك انحراف الشمس عن مركز النظام الشمسي.

كل هذه الانجازات السابقة تقع ضمن اطار الفيزياء والرياضيات، لكن لنيوتن اهتمامات اخرى مثل البصريات، وبدأها بصنع المقراب العاكس، وكذلك الكيمياء والدين. وفي البصريات القى نيوتن من عام 1670 الى عام 1672 محاضرات في علم البصريات، فقد درس انكسار الضوء واوضح ان الموشور المشتت يمكنه تحليل الضوء الابيض وباستخدام عدسة وموشور اخر يمكن اعادة جمع الوان الطيف الى اللون الابيض. يقول البعض ان فكرة تحليل الضوء الابيض قد استلهمها من اعماله في الكيمياء وكذلك يعزى تسممه بالزئبق ايضاً الى تلك الاعمال.

كما ادعى نيوتن أن الضوء يتكون من جسيمات تنحرف من خلال تسريع حركتها في وسط أكثر كثافة. واستخدم نيوتن نموذج مشابه للموجات الصوتية لشرح النمط المتكرر للانعكاس والانتقال خلال الأغشية الرقيقة. غير أن الفيزيائيين لاحقاً فضلوا الوصف الموجي البحت للضوء لنماذج التداخل وظاهرة الحيود . واليوم تتشابه ميكانيكا الكم والفوتونات وفكرة ازدواجية الموجة والجسيم بشكل طفيف مع فهم نيوتن للضوء.

 

المنهج العلمي لنيوتن

اعتمد نيوتن على الملاحظة والتجربة في تفكير وطرق بحثه، وقام بعد ذلك بوضع صيغ رياضية بعد فحص الظواهر وذلك لمعرفة خواصها. وكان يبتعد عن الخرافة او الامور الغيبية والتعسف في تفسير الظواهر، فلم تكن مهمة المنهجية التجريبية لدى نيوتن هي تفسير الظواهر وطرق نشأتها بأسباب خفية لا يدركها الانسان.

وكان هذا هو السبب في عدم قبول نيوتن لأكثر الفروض الفلسفية السائدة في عصره مثل فرضية الدوامات لديكارت التي تفسر طريقة نشأة الكون،. كان نيوتن يتشابه مع ديكارت في استخدام المنهج الفرضي ألاستنتاجي، لكن يختلف معه في طريقة التطبيق، فديكارت كان يشترط ان يكون الفرض واضحاً وضوحاً عقلياً وتكون الاشياء الاخرى مستنتجة منه، اما نيوتن فهو يصر على عدم استنتاج اي شيء قبل البرهنة عليه، وقد اشار الى ذلك في قوله: “انا لا افرض بل استنتج”.

وقال ايضاً: “لقد تقدمت الان في تفسير الظواهر السماوية وظاهرة المد والجزر بقوة الجاذبية، لكني لم احدد اسباب الجاذبية ولم استطع ان استنبط من الظواهر اسباب خواص الثقل ولم اتخيل فروضا، لان كل ما لا يستنبط من الظواهر يسمى فروضا، وليس للفروض مكان في الفلسفة التجريبية، سواء كانت الفروض ميتافيزيقية او فيزيقية [خارج نطاق الطبيعة او طبيعية]. ففي هذه الفلسفة تستنبط القضايا الخاصة من الظواهر ثم تعمم بالاستقراء، على هذا النحو عرفت القوانين الحركة وقوانين الثقل”.

الجدير بالذكر ان الحاح نيوتن على التجربة قبل المجازفة بأي فرضية جعلته مقربا من الوضعيين الذين صرحوا بأنه منهم.

 

السير نيوتن … اعظم رجل عرفه التاريخ

لقد اقر اكثر العلماء والفلاسفة والمفكرين بعبقرية نيوتن، فقد قيل بحقه اروع المقولات وسطر في وصفه ووصف عبقريته سطور لا تعد، وكلها تعترف له بالفضل على العلم والبشرية هذا بالإضافة الى كونه من اكثر النقادين والمحاربين للخرافة.

قال اينشتاين عن نيوتن: “لم تكن اهمية مباحث نيوتن في كونه اوجد اساساً قابلاً للاستعمال ومرضيا من الناحية المنطقية للميكانيكا، بل كانت مبادئ سليمة جدا من وجهة نظر المنطق”.

ويرى عالم الرياضيات جوزيف لوي لاغرانج أن نيوتن كان أعظم عبقري عاش في أي وقت مضى.

وقال في حقه ارنست بلوخ: “من الصعب ان نكون فكرة عن جرأة نيوتن عندما فسر الاجرام السماوية المثقلة بكل ضروب الخرافة بقوانين آلية خالصة، وتفسيره الارضي هذا فتح ثغرة هائلة في فكر السماء”.

وقال العالم الفرنسي لابلاس وهو تلميذ نيوتن وسفير ابحاثه: “ان كتاب (الاصول الرياضية للفلسفة الطبيعية) سيبقى اكبر شاهد على عمق العبقرية وعظمتها، فقد كشف لنا فيه عن القانون الاعظم للكون”.

وقد صنف البروفيسور الامريكي مايكل هارت العالم اسحق نيوتن كثاني اكثر مئة شخصية مؤثرة في التاريخ البشري بعد نبي الاسلام محمد.

ويقول الفيلسوف كانط: لولا نيوتن لم يكن كانط. حيث استفاد من اختراعاته واكتشافاته كل من كانط وفولتير. وكان نيوتن العالم المفضل لدى اينشتاين حيث كان يحتفظ له بصورة بجانب كل من فاراداي وماكسويل.

 

نيوتن … صديق الحقيقة

قال نيوتن: “افلاطون صديقي وارسطو صديقي، ولكن افضل اصدقائي هو الحقيقة”. وذكر في كتابه “الاصول الرياضية في الفلسفة الطبيعي”: “ينبغي لنا ان نقبل المزيد من اسباب الاشياء الطبيعية، غير تلك التي تثبت صحتها والقدر الكافي من تفسير ظهورها”.

وقال نيوتن ايضاً: “انني جاهل لا اعرف الا حقيقة واحدة، وهي انني لا اعرف شيئا”. وكتب هذه الكلمات قبل فترة قصيرة من موته: “انني ابدو مثل طفل يلعب في ساحل البحر ويجد من الوقت لأخر حصاة ملساء او قوقعة جميلة اجمل من مثيلاتها الا ان الحقيقة كلها تمتد امامي مثل المحيط، واسع عظيم لم اكتشف منه اي شيء بعد”.

 

التسلسل الزمني لأهم الاحداث التي مر بها نيوتن

سوف استعرض اهم الاحداث التي حصلت للسير اسحق نيوتن عبر تسلسل زمني، اي بذكر العام والى جانبه الحدث البارز، وذلك للتعرف بشكل واضح وبسيط على كل الامور التي قام بها نيوتن او حصلت له:

1642 ولادة السير اسحاق نيوتن في وولثورب.

1661 دخوله الى كلية ترنتي في جامعة كامبردج.

1665 حصوله على درجة البكالوريوس.

1665 ـ 1667 اجراء الاعمال الرائدة في الرياضيات والبصريات والفيزياء.

1668 الحصول على شهادة الماجستير.

1669 تعيين نيوتن استاذاً للرياضيات في كامبردج.

1671 عرض المقراب العاكس على الجمعيه الملكية.

1672 ارسال مقاله الاول حول الضوء الى الجمعية الملكية، وانتخابه عضوا فيها.

1674 ارسال المقال الثاني الذي يتعلق بالضوء الى الجمعية الملكية.

1684 زيارة ادموند هالي لنيوتن، وبداية تأليف كتاب “الاصول الرياضية في الفلسفة الطبيعية”.

1689 انتخاب نيوتن ممثلا لجامعة كامبردج في البرلمان.

1693 اصابته بوعكة صحية.

1696 تعينه قيما في دار صك العملة.

1699 تعيينه رئيسا لدار صك العملة.

1701 انتخابه ممثلا لجامعة كامبردج في البرلمان.

1703 انتخابه رئيساً للجمعية الملكية.

1704 طباعته كتاب “البصريات”.

1705 منح نيوتن لقب الفارس من قبل الملكة “اّن”.

1713 نشر الطبعة الثانية من كتاب “الاصول الرياضية في الفلسفة الطبيعية”.

1717 نشر الطبعة الثانية من كتاب “البصريات”.

1727 توفي السير اسحق نيوتن في 20 اذار عن عمر ناهز 84 عاماً.

 

السر وراء العبقرية … مجرد رأي

يرجح البعض ان نيوتن كان مصاب بمتلازمة اسبرجر، وذلك لظهور اعراضها عليه، لكن لا يوجد ما يمكن التأكد من خلاله وبشكل قاطع على اصابته بهذه المتلازمة. ليس نيوتن هو الوحيد المرشح للاصابة بهذه المتلازمة بل ان هنالك العديد من العلماء والعباقرة ومفكرين وفلاسفة ايضاً ومنهم: (بيل غيتس ـ البرت اينشتاين ـ توماس اديسون ـ نيكولا تيسلا ـ هنري فورد ـ ادولف هتلير ـ نابليون بونابرت ـ الكسندر غراهام بيل ـ جورج واشنطون ـ هانز اسبيرجر (بنفسهِ) ـ ليوناردو دافينشي ـ مايكل جاكسون ـ مايكل انجلو ـ شكسبير ـ بيتهوفين ـ سقراط ـ الاسكندر الأكبر ـ توماس جيفرسون ـ ولت دزني ـ تيدي روزفلت ـ روبن ويليامز ـ جون ناش ـ جورج برنارد شو ـ مارك توين ـ جين أوستن ـ تشارلز داروين ـ وودي آلن(.

متلازمة أسبرجر هي إحدى اضطرابات طيف التوحد، ويظهر المصابون بهذا المرض صعوبات كبيرة في تفاعلهم الاجتماعي مع ألآخرين، مع رغبات وأنماط سلوكية مقيدة ومكررة. والمرض يختلف عن غيره من اضطرابات طيف التوحد من ناحية الحفاظ النسبي على استمرارية تطوير الجوانب اللغوية والإدراكية لدى المريض. وغالباً ما يرد ضعف المهارات الحركية واستخدام لغة غير نمطية في التشخيص، على الرغم من أن التشخيص لا يشترط وجودها. وتسمى كذلك باضطراب أسبرجر. وقد سمي هذا المرض باسم طبيب الأطفال النمساوي هنز أَسبرجر، الذي قام عام 1944 بعمل توصيف للأطفال الذين يفتقرون لمهارات التواصل غير اللفظي، والذين يظهرون تعاطفا محدودا مع أقرانهم، ويتحركون ـ جسدياً ـ بشكل أخرق أو مرتبك. وبعد مرور خمسين سنة، تم تسجيل وتشخيص المرض بشكل معياري، لكن هناك أسئلة حول جوانب كثيرة من المرض لا تزال قائمة حتى الآن. وعلى سبيل المثال، هناك شك عالق حول ما إذا كان المرض يختلف عن التوحد عالي الأداء، وبسبب ذلك ـ جزئيا ـ فإن انتشار الأسبرجر لم يثبت بشكل قاطع. والسبب الدقيق للمرض ليس معروفاً ايضاً، وعلى الرغم من أن الدراسات والأبحاث تدعم احتمال وجود أسس جينية للمرض، الا ان تقنيات التصوير الدماغي لم تتعرف بعد على أمراض واضحة مشتركة لدى المصابين.

ولا يوجد علاج واحد للمتلازمة، كما أن فاعلية بعض التدخلات الخاصة لا تستند إلى بيانات وافية. ويهدف التدخل إلى تحسين الأعراض والوظيفة. ويشكل العلاج السلوكي الركيزة الأساسية لإدارة المرض، بحيث يتم التركيز على معالجة العجز في خصائص محددة مثل فقر مهارات التواصل، الهوس أو الأفعال الروتينية المتكررة، ومدى البراعة الجسدية. ومعظم الأشخاص يتحسنون بمرور الوقت، لكن صعوبات التواصل والتكيف الاجتماعي والقدرة على العيش المستقل تستمر حتى مرحلة البلوغ. وقد دعى بعض الباحثين والمصابين بالأسبرجر إلى تغيير الموقف القائم اتجاه المرض، قائلين بأنه عبارة عن “فرق” بين شخص وآخر، أكثر من كونه “إعاقة” يجب التعامل معها أو علاجها.

 

الخاتمة

لم يحظى اي عالم من العلماء بمثل ما حظي به السير اسحق نيوتن من شهرة وتكريم، خصوصا انه يعتبر اول عالم يحصل على لقب “فارس” وكان له دخل ثابت استمر الى حين وفاته، فهذا الطفل الهزيل عند ولادته حيث لم يكن متوقع له العيش سوى لحظات كما ذكرت القابلة عند مشاهدته، يعيش ابد الدهر، فالخلود هو جائزة العظماء.

يرقد جثمان هذا العالم الجليل في دير وستمنستر، ويعتقد ان وفاته قد حصلت نتيجة لتسممه بالزئبق، فقد عثر على اثار للزئبق في شعر نيوتن بعد فحصه.

 

كتب المقال بالاعتماد على:

1 ـ بحث اسحاق نيوتن ـ اعداد المهندس خالد العاني.

2 ـ كتاب اسحاق نيوتن: مكتشف الجاذبية الارضية ـ فيصل سعد كنز.

3 ـ برنامج ملفات محيرة: اسحاق نيوتن.

4 ـ ويكيبيديا: الموسوعة الحرة/النسخة العربية.

5 ـ وثائقي الفضاء بين اينشتاين ونيوتن.

6 ـ كتاب كون اينشتاين ـ ميتشو كاكو.