الدنا الموروث من نياندرتال قد يرفع خطر الإصابة ببعض الأمراض. إن إيجاد أسلاف النيندرتال في الشجرة العائلية للإنسان والذي أعلن عنه في عام ٢٠١٠ مثل صدمة للباحثين. في الوقت الحاضر آثار الإنسان الحديث تبيّن أن هذا الإنسان يحمل جزيئات DNA النيندرتال ربما تؤكد ذلك الامر بشكل مذهل.
الدنا الموروث من نياندرتال قد يرفع خطر الإصابة ببعض الأمراض . اليوم، الأوربيون و الآسيويين يحملون نيندرتال DNA بمعدل ١،٥-٤٪. دراسات جديدة افترضت أن الجينات الموروثة من الأسلاف ربما قد وفرت المساعدة للأجيال الجديدة من الإنسان على التأقلم مع بيئاتها. لكن تلك الأجزاء والقطع الجينية الموروثة لم تعد نافعة للإنسان كما كانت في السابق، و ربما قد تكون السبب في ازدياد خطر الإصابة بالكآبة، أمراض القلب، بعض الحالات الجلدية، الحساسية وأمراض اخرى.
” لقد كان ولا يزال هنالك تكلفة دائمة لامتلاك ذلك الخليط الجيني”، جون كابرا اختصاص بعلم الوراثة التطوري في جامعة ڤاندربلت في ناشڤيل.
كابرا و زملاؤه اختبروا DNA والسجلات الصحية لأكثر من ٢٨٠٠٠ شخص من أصول أوروبية و ذلك لتحديد إذا ما كانت الجينات الموروثة من الأسلاف المنقرضين لها علاقة بالإصابة ببعض الأمراض. المتغيرات الجينية الموروثة من نيندرتال كان لها ارتباط مع الازدياد بشكل قليل بالكآبة و النوبات القلبية بالاضافة إلى مسمار وتصلب القدم واضطرابات جلدية أخرى، تم الإعلان عن ذلك من قبل الباحثين في ١١ شباط في الملتقى السنوي لـ American Association for the Advancement of Science
في واشنطن ونشر ايضا بتاريخ ١٢ شباط في مجلة Science.
على سبيل المثال، متغيرات الـنيندرتال مسؤولة عن ١٪ من الخطر الوراثي للاصابة بالكآبة. وبشكل مثير، بعض القطع من DNA النيندرتال تبدو نافعة في الدفاع ضد الكابة. من دراسة مشتركة لـ كورين سمونتي وهو ايضا من جامعة ڤاندربلت، صرح عن ذلك في ملخص صحفي في ملتقى AAAS. إذن إذا كان الشخص يصاب بالكآبة ربما يعتمد على جزء من DNA، في أي القطع من DNAالنيندرتال كانت قد أورثت.
باحثون آخرون حذروا من أن فريق كابرا لم يُبين كيف أن المتغيرات الجينية النيدرتالية هي تلك التغييرات الوراثية المسؤولة عن المرض. لذلك ربما تكون تلك المتغيرات النيدرتالية بريئة من هذا الاتهام ولكنها اتهمت بسبب قربها من المتغيرات الجينية المسببة حقا لتلك المشاكل. وأيضاً قال رزموز نيلسن الاختصاص بعلم الجينات التطورية من جامعة كاليفورنيا، “لأننا هنا نتحدث عن التغيير الوراثي، فان التأثير لا يكون باتجاه واحد، لذلك فان تلك الدراسة لا تظهر بشكل واضح إذا ما كنت عرضة للاصابة بالمرض بشكل أكبر أو اقل بسبب DNA النيندرتالية”.
المتغيرات الجينية النيندرتالية لا تسقط عادة ضمن الجينات، عوضا عن ذلك الـ DNA المتأثر الذي يؤثر بقوة على أين، متى وكيف تكون الجينات فعالة، قال كابرا. إن المتغيرات النيندرتالية تقريبا ترتبط بشكل كبير مع الإصابة بالكآبة حيث تقع بالقرب من circadian clock genes والتي تزامن إيقاع الجسم مع الشمس، طبقاً للباحثين. متغيرات جينية نيندرتالية أخرى تؤثر في فعالية الجينات المسؤولة عن آلام المثانة وسلس البول ، و أيضا الجين الذي يجعل الإنسان عرضة لإدمان النيكوتين. إن التعرف على أي جزء من الجينوم هو الموروث من النيندرتال يمكن أن يساعد الأطباء في التنبؤ بشكل أفضل عن مخاطر الأمراض للإنسان، حسب كابرا.
إذا كان DNA النيندرتال ضارا للإنسان، لماذا إذن لا يزال موجود عندنا؟ ربما لم يكن كذلك على الدوام، كابرا. فريق كوبرا وجد أن DNA النيندرتال كان مرتبطاً مع اضطراب تكون فيه التجلطات الدموية كثيرة جداً بسبب زيادة فعالية جين يدعى SLEP. لذا ربما كان من المفيد أن يورث هذا للاجيال القادمة خصوصا في العصر الجليدي حيث كان فيه من المهم جداً التأم الجرح بسرعة، كابرا. “إنه لمن المحتمل المؤكد أن بعض تلك المساهمات الجينية النيندرتالية كانت نافعة قبل أربعين ألف سنة، لكنها ليست كذلك الآن”.
لا أحد يعرف بالضبط متى حدث التهجين بين الإنسان والنيندرتال وإلى متى استمر ذلك. من المحتمل أن يكون حدث ذلك التهجين منذ حوالي ستين ألف سنة مضت أو أكثر وصولاً إلى قبل أن يختفي النيندرتال في حوالي ثلاثين ألف سنة. بعض الدراسات اقترحت أن أسلاف الآسيويين تهجنوا مع النيندرتال أكثر من مرة واحدة، وبذلك تَرَكُوا الآسيويين مع أجزاء أكبر من DNA النيندرتال مقارنة بالأوروبيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاسيويين ورثوا كمية قليلة من DNA يعود لمجاميع منقرضة قريبة للإنسان تدعى Denisovans.
إن الإرث الجيني لم يمرر عبر الأجيال مثل زهرية Ming الثمينة. عوضا عن ذلك فان الـ DNA Z كان قد مزج خلال عملية التكاثر. العوائل أورثت قطع مختلفة من الـDNA لورثتها، حيث كل طفل أورث عدة قطع مختلفة من زهريات محطمة. لو أن كل التذكارات الجينية النيندرتالية تم لصقها مع بعضها البعض، لكان من الممكن إعادة بِنَاء حوالي ٢٠٪ أو أكثر من جينوم النيندرتال.
“بطريقة ما فإن النيندرتال يعيش داخلنا الآن”، قال فرناندو راسيمو، الاختصاصي بعلم جينات السكان في جامعة كاليفورنيا. ” يمكنك القول انهم لم ينقرضوا بشكل تام”.
بعض الأجزاء من جينوم الإنسان لا تحتوي أي DNA نيندرتالي على الإطلاق، بينما أجزاء أخرى قد تكون حوالي ٦٠٪ أو أكثر نيندرتالية. العلماء يتناقشون اليوم حول اذا ما ان عملية التطور قد فضلت بعض الجينات النيندرتالية لكونها نافعة للإنسان أو أن عملية التطور استأصلت تلك الجينات النيندرتالية بشكل بطيء، لكن البعض منها ظهر للبروز بالصدفة فقط.
في وقت مبكّر، من المحتمل أن الانتخاب الطبيعي قد قام ببعض ألعاب الأرقام لتحديد أي من الجينات سيذهب وأي منها سيبقى. في عدد من الدراسات المستقلة التي نشرت على الإنترنيت الخريف السابق على موقع bioRxiv.org، مجموعتان من الباحثين افترضت أن تناقص الكثافة السكانية انشات بشكل ضعيف طفرات ضارة. بسبب أن المجاميع السكانية النيندرتالية كانت صغيرة و تتزاوج فيما بينها، فإن الانتخاب الطبيعي لم يستطع التخلص من تلك الطفرات الضارة. كل تلك المشاكل الجينية الصغيرة جعلت من النيندرتال غير مناسب للتطور بنسبة ٤٠٪ بالمقارنة مع معدل الإنسان الحديث المبكر من أفريقا. نيلسين و كيلي هاريس اختصاص علم الجينات التطوري في جامعة ستانفورد حسب ذلك في تقرير تم نشره بتاريخ ٣١ تشرين الأول.
عندما حصل التهجين بين الإنسان والنيندرتال، الجزء الأكبر من البشر سمح للتطور أن يستأصل المتغيرات الوراثية السيئة، طبقا لمجموعة من الباحثين في جامعة كايفورنيا أعلن عنه في شهر تشرين الثاني. كلتا المجموعتين اتفقتا على أن حمل طفرات نيندرتالية إضافية قد استمر لفترة طويلة وصولا إلى الهجن المبكرة بين الإنسان و النيندرتال. الأوربيون و الآسيويون لا زالوا إلى اليوم يحملون تلك الطفرات. اما غير الافارقة فهم أقل بحوالي ٠،٥ ٪ تقبلاً للتطور مقارنةً مع نظرائهم الافارقة والفضل يعود إلى DNA النيندرتالي، هاريس و نيلسين.
بصورة عامة، فإن الباحثين يناقشون في موضوع، أن مأزق الانخفاض الشديد في الكثافة السكانية للنيدرتال كان سيئاً لهم وأيضا للإنسان الحديث الذي انحدر منهم. لكن ثروة من البيانات الوراثية أشارت على الأقل ان بعض الجينات الموروثة من أبناء عمومة الإنسان المنقرضين كانت تمثل مكسبا تطوريا كبيرا. على سبيل المثال، جين عند الـTibetans سمح لهم بالتأقلم مع المرتفعات العالية.
بعض المناطق الغنية بالجينات النيندرتالية في جينوم الإنسان الحديث تحتوي على جينات جهاز المناعة. هنالك سبب جيد لذلك. “مع كل التحديات، القوى والتهديدات التي واجهها الإنسان خلال مرحلة التطور، فان المسببات المرضية كانت من أهمها” طبقا لـلويس كوينتانا-مورسي، أخصائية بعلم الجينات للسكان في معهد باستر في باريس.
الجينات المسؤولة عن خط الدفاع الأول للجسم ضد المسببات المرضية تكون تحت ضغط تطوري لا يتغير، طبقا لكوينتانا وزملائها في شهر كانون الثاني في مجلة American Journal of Human Genetics. بعض تلك الجينات التي تكون تحت ضغط أقوى هي جينات Toll-like receptors) TLR1,TRL6 and TRL10). الطفرات في تلك الجينات التي تساعد في اكتشاف المسببات المرضية و تنسيق الردود الالتهابية ممكن أن تودي إلى تهديد حقيقي لحياة الإنسان، حسب قوله.
لكن هنالك لغز: في الإنسان الحديث تلك الجينات اضطرت للتغير لتكون قادرة على التعامل مع مسببات مرضية جديدة تلك التي واجهها الإنسان خارج أفريقيا. إنه لمن المتوقع أن يكون الإنسان قد استغرق آلاف السنين لبناء طفرات صحيحة نافعة. كما أن التهجين مع النيندرتال ممكن أن يكون قدم طريقاً مختصر للمناعة بعيدا عن الطفرات التي تسبب خطرا على حياة الإنسان، حدس لكونتانا. إن النيندرتال قد عاش مع المسببات المرضية الأوربية لمدة مئات الآلاف من السنين، وبالتدريج تراكمت القطع المفيدة في مكافحة المسببات المرضية، على ألا تكون تلك العملية بشكل مبالغ فيه والذي ينتج التهابات قوية تقتل الإنسان المصاب بتلك الأمراض، حسب قوله. إن جينات TLR كانت بعضا مما قد ورثه الإنسان من النيندرتال، هذا ما وجده الباحثون.
“ربما قضاء ليلة أو ليلتين مع نيندرتال كان ثمناً قليلا للحصول على الآف السنين من التأقلم الجيني”، تصريح لـ كابرا في تلخيص صحفي في AAAS.
جانيت كلسو عالمة الأحياء الإحصائي في معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري في لبزگ، ألمانيا و زملائها أيضاً اختبروا نفس الجين TLR و أعلنوا ايضا في ٧ من كانون الثاني، في American Journal of Human Genetics أن الإنسان قد أورث على الأقل ثلاث نسخ من هذا الجين عبر أسلافه.
إحدى تلك النسخ النيندرتالية تدعى core haplotype III والتي وجدت في سكان من غير الأفارقة تم اختبارهم من قبل الباحثين. و أيضا تم إيجاده في شخصين من نورثويست غامبيا، لكن ليس أي جزء اخر من أفريقيا. النسخة النيندرتالية من هذا الجين core haplotype IV وحد أيضا عند الآسيويين. تلك النتائج تدعم الدراسات المبكرة التي تقترح ان أسلاف الآسيويين تهجنوا أكثر من مرة مع النيندرتال. “من الممكن أن نكون متأكدين جدا أن ذلك لم يحدث لمرة واحدة فقط” قول كلسو. أما نسخة Denisovans من الجينات، core haplotype VII، قد وجدت في اثنين من جنوب شرق اسيا.
مجموعة كلسو قاموا بنظرة قريبة لدراسة ماذا تفعل الجينات القديمة لإنسان الوقت الحاضر. النسخ النيندرتالية لا تحدث تغيرا لجينات TLR نفسها، لكنها تغير الفعالية لتلك الجينات. إن جينات TLR تكون أكثر فعالية عند الأشخاص الذين يمتلكون core haplotype III النيندرتالية. هؤلاء الأشخاص أقل عرضة للإصابة بالقرحة التي تسببها بكتريا Helicobacter pylori. لكن المنفعة تأتي مع التكاليف: هؤلاء الأشخاص اكثر عرضة للاصابة بالحساسية، طبقا لما وجد الباحثون.
“نحن لا نستطيع أن نلوم النيندرتال على كل تلك الأمراض التي لدينا”، الحديث لكابرا، لكن على العموم إن DNA القديم على الأرجح لا يجعل الإنسان الحديث جيدا بشكل كبير.