حمض نووي قديم محفوظ في الانسان المعاصر
يتشارك سكان جزيرة ميلانيزيا(Melanesia) الأستوائية النائية أجزاءاً من شفرتهم الورائية مع جنسين منقرضين. هذا من أهم أكتشافات الدراسة الجديدة التي نُشرت في السابع عشر من آذار / مارس في صحيفة ساينس (Science).
قام فرق عالمي بالمشاركة في البحث حيث قارن سلسلة الحمض النووي لخمسة وثلاثين شخصاً من الناس المعاصرين الذين يعيشون على الجزر القريبة من ساحل نيو غينيا(New Guinea) مع الحمض النووي المأخوذ من أثنين من الأجناس البشرية القديمة: الـ دينيسوفان (Denisovans)، الذين توجد بقاياهم في سيبيريا (ٍSiberia)، ونياندرتال (Neandertals) والذين عثر على بقاياهم لأول مرة في ألمانيا.
يقول فريق البحث “الأن من الممكن التعرف بشكل قطعي على كميات كبيرة من الحمض النووي للنيادرتال والدينيسوفان في جينوم سكان جزيرة ميلانيزيا المعاصرين، مما يفسح لنا المجال بالتبصرفي تاريخ تطور البشر” وأضافو “بينما تتراكم البيانات بمقياس الجينوم من الشعوب حول العالم سيكون هناك دليل مصور وشبه كامل بين أيدينا عن السلالات القديمة الناجية.”
قام مختص علم الأنسان الجزيئي د.أندرو ميرويذر من جامعة بينكًهامتون (Binghamton University)، بجمع عينات دم حديثة أٌستخدمت في دراسة أٌجريت قبل 15 عاماً في ميلانيسيا وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها سَلسَلة جينومات كاملة من هذه العينات.
يقول اندرو “أنا متفاجئ من قدرة هذه الجينومات للنياندرتال والدينيسوفان على الوصول لهكذا مكانٍ ناءٍ” كما أضاف “نحن نعلم بتواجد البشر في ذلك المكان لمدة لاتقل عن 48,000 سنة وذلك لأننا عثرنا على بقايا بشرية تعود لتلك الفترة، لكن لم يستطِع أي شخصٍ ابداً ربطها بمكانٍ آخر. عندما تقارن بين معظم سلاسل جينوماتهم ستجدها لاتجتمع مع أي مجموعةٍ أخرى. لقد كانت موجودة ومعزولة لمدة طويلة، طويلةٍ جداً.”
قد كشفت دراسات سابقة ترابطاً جينياً بنسبة (2%) بين النياندرتال والشعوب الغيرأفريقية بينما كانت نسبة السَلَف النيادنرتالي و الدينيسوفاني ضئيلة جداً أو معدومة في أوساط الأفارقة. يُلمّح هذا البحث الجديد على حصول تقاطع أو نقطة ألتقاء بين النياندرتال وأسلاف البشر المعاصر لثلاثة مراتٍ على الأقل. كما أظهر هذا البحث تداخل بقيمة
(1.9- 3.4)% في الشفرة الورائية بين الدينيسوفان وسكان ميلانيزيا المعاصرين.
كما قال ميرويذر المختص بأعادة بناء الماضي بأستخدام نماذج مأخوذة من مجاميع البشر المعاصرة والحمض النووي القديم من السجلات الأثرية، أن من الطبيعي التشكيك بالنتائج الحديثة.
وضح ميرويذرالأمرقائلا “غالباً ما يكون الحمض النووي القديم متضرراً ومحطماً إلى عدة أجزاء صغيرة”وأضاف “لاتحتاج إلى أكثر من جزيء واحد من الحمض النووي الحديث لمعالجة الحمض النووي القديم بأكملِه.”
أجرى مختبرٌ مستقل تجربة لسَلسَلة عينات عالم الأنثروبولجيا د. ميرويذر وبأستخدام تقنيات احصائية قوية وحديثة في التحليل تم التوصل الى ان التشابه الجيني فعلا حقيقي.
لقد أنخفض كلا من التكلفة والوقت اللازم لسَلسَلة جينوم بشري كامل بشكلٍ هائِل. العملية الأولى لسَلسَلة الجينوم تمت في عام 2003 وأستغرقت 13 سنة وكلفت حوالي 2.7 مليون دولار. أصبح بالأمكان اليوم سَلسَلة عينة في غضون أيام وبتكلفةٍ لاتتعدى الآف الدولارات. على الرغم من ذلك فأن هذا النوع من الأبحاث مازال يواجه تحدياتٍ كبيرة.
يحتوي الجينوم البشري حوالي 3 مليار “حرف” ويصعب كذلك العمل بالعينات القديمة. يشير ميروذثرانه عندما يموت الناس يبدأ حمضهم النووي بالتفسخ فوراً ولايمكن أصلاحه مجدداً. في العادة يتم أصلاح الحمض النووي لشخص ما الآف المرات في الدقيقة وتقوم البكتريا والفطريات بتلويث أغلب عينات الحمض النووي المأخوذة من البقايا البشرية والذي يعادل (97)% من الحمض النووي المُسترجع، كما يقول ميرويذر.
حتى جمع العينات الحديثة لم يكن بالأمر السهل.
حصل ميرويذر وشريكه القديم جوناثان فريدلاندر من جامعة تيمبل (Temple University) على عيناتِ دم من أرخبيل بيسمارك (Bismarck Archipelago) في أواخِر التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة. حيث سافر الأثنين مع جورج كوكي من معهد البحث الطبي في بابا نيو نيوكًينيا (Papua New Guinea) و هيذر نورتن التي كانت طالبة في جامعة بينسلافانيا (Penn. State University) وعضو في هيئة التدريس في جامعة سينسيناتي (Cicinnati University).
يقول ميرووذر “يُشكل الوصول إلى هذه الاماكن تحدياً” ويضيف “فهي جزر بركانية جبلية ومن أكثر الأماكن تنوعاً في اللغات على الأرض.”
ماهو مقدار التنوع اللغوي؟ يتكلم سكان هذه المنطقة قرابة 800 لغة، منها لغة توك بيسين (Tok Pisin) وهي لغة تستخدم في العمليات التجارية ومزيج من اللغة البولينيزية والأنكليزية حيث ساعدت هذه اللغة علماء الأنثروبولوجيا في التواصل مع سكان تلك المنطقة.
بسبب أنتشار مرض الملاريا في هذه المنطقة توجد الكثير من العيادات التي تقوم بفحص ومعالجة الناس. مما يعني أن ميريوذر وزملائه على الأغلب لم يكونوا من أوائل الناس الذين طلبوا من سكان هذه الجزر عيناتٍ من دمائِهم.
قد تُمكّن تلك الدراسات المشابهة لهذِه الدراسة العلماء من الأجابة على الأسئلة الكبيرة حول الهجرة البشرية والتطور قبل الآف الأعوام.
أكثر ما يثير الأعجاب بنظر الدكتور ميريوذر هو أجزاء الحمض النووي للدينيسوفان التي عُثر عليها في جينومات سكان جزيرة ميلانيزيا الأستوائية. كيف أستطاع الأنسان القديم السفرعبر المحيط للوصول لهذهِ الجزيرة؟وكيف ومتى دخل الحمض النووي للدينوسوفان في مخزون جيناتِنا؟ سَلسَلة نماذج أضافية من الحمض النووي التي وجدت في أسيا قد تساعدنا في الوصول إلى إجابات لجميع تِلك الأسئلة.
يقول ميريوذر”يعرف أكثر الناس بضعة أجيالٍ من الذين سبقوهم قد يبلغ عددهم خمسة أجيال” ويكمل مضيفا “ولكن من أين أتينا قبل ذلك؟ هذا ما نريد معرفته.”
المصدر: http://phys.org/news/2016-03-ancient-dna-modern-day-humans.html