ألبرت آينشتاين وغاليلو ودافينشي وغراهام بل وموزار والكثير من العلماء والمشاهير شخصوا بقصور الانتباه وفرط الحركة أو كانت لديهم الكثير من أعراض هذا الاضطراب [1].
التعريف [2]: قصور الانتباه وفرط الحركة (Attention Deficit Hyperactivity Disorder) هو اضطراب عقلي يتميز بنمط مستمر من قصور (نقص) الانتباه inattention و/أو فرط الحركة والاندفاعية hyperactivity-impulsivity ويؤثر سلبا في النمو والأداء.
قصور الانتباه يعني أن الشخص يعاني من الشرود (التشتت) أثناء أداء الأعمال، ومن صعوبة التركيز، وعدم الثبات، واللا انتظام، بشرط ألا تكون هذه المشكلات نتيجة عدم الفهم (أي يكون فهم الشخص سليما للمهمة التي يؤديها). فرط الحركة يعني أن الشخص يتحرك باستمرار حتى عندما لا تكون الحركة مناسبة أو ضرورية، ويتململ، يتنصَّت أو يتكلم بإفراط. وفي البالغين، قد يكون الشخص غير مستقر ويُتعب الآخرين بنشاطه. الاندفاعية تعني أن الشخص يُقدم على أفعال طائشة بلا تفكير، ولديه رغبة في الإيذاء أو رغبة في المكافأة المباشرة أو عدم القدرة على تأجيل المُتع. الشخص المندفع قد يكون فضوليا ومتطفلا، وقد يقاطع الآخرين ليُدلي بقرارات متسرعة بدون احتساب عواقبها.
الإحصائيات [2]:
عالميا، الأطفال 5.29%، المراهقون 7.1%، البالغون 3.4% (2007).
كان يُظن أنه مرض مرتبط بالطفولة، لكن هناك دراسات أثبتت استمراره إلى سن البلوغ في أكثر من نصف المرضى (50-66%).
الشيوع بين الذكور غالبا أكثر من الإناث.
في السعودية [3,4,5,6]:
الرياض: ازداد معدل الانتشار من 12.6% (1996) إلى 25.5% (2003).
الدمام: 16.4% (2008).
جدة: 11.6% (2013) .
جازان: 13.5% (2013).
الأصل التطوري:
لعل انتباهي المشتت يا أيها المنتبهون قليلو الحركة.. لعلي أستطيع أن أوزعه على أكثر من شأن. أرصد مؤشرات الماء والطعام وأراقب قطيعي وألتفت كثيرا فأكتشف المعتدي على أملاكي.
كثير الحركة أنا؛ لأنني أريد أن أبقى. طبيعة حياتي يا أصدقائي تفرض علي أن أجد كل شيء في وقت وجيز. أما أنتم فطبيعة حياتكم الساكنة تجعلكم تلجؤون إلى التحديق في شيء وحيد وتافه أكثر مما ينبغي، وهذه ليست إساءة!
لدى اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة ADHD قابلية توريث heritability تصل إلى 70%. هذه النسبة العالية ترجح أن يكون للجينات (المورِّثات) دور مهم في سببيته، ومن هنا يكون دور الانتخاب الطبيعي.
في البداية، سنتساءل: لماذا احتفظ الانتخاب الطبيعي بالجينات المسببة لهذا الاضطراب ولم يتخلص منها؟
للإجابة، علينا أن نهتم بالمحيط الاجتماعي والظروف الاقتصادية والبيئة المحتملة التي عاش فيها أسلافنا.
في 2008 نشرت دراسة [7] من جامعة Northwestern تحت عنوان “The Evolution of ADHD: social context matters” تضع فرضية للإجابة على هذا السؤال.
ببساطة، الانتخاب الطبيعي لم يتخلص من جينات ADHD لأنها كانت نافعة يوما ما. متى كان هذا؟
يجب ألا ننسى أننا نعيش الآن في بيئة تختلف كثيرا عن تلك التي عاش فيها الأسلاف. المدارس الرسمية حول العالم والتعليم الرسمي هي اختراع مئات السنين القليلة الماضية. قبل عشرة آلاف عام كنا جماعات من الصيَّادين الرُحَّل hunter-gatherers بلا مزارع أو حيوانات داجنة. أسلافنا الذين عاشوا في هذه البيئة كانوا بحاجة إلى أن يكونوا عموميين generalists، أي أن يحصلوا على كمية كبيرة من مصادر الرزق ويمارسوا الكثير من المهارات.
كثرة الحركة، الدافعية للعمل والنشاط، قصور الانتباه المركَّز على مسألة أو مهمة واحدة هي إذن مميزات فريدة لهذا النوع من المجتمعات؛ مجتمعات الصيد. وهذا في الواقع ما حاول الدارسون بحثه.
فحص الدارسون مجموعتين من قبيلة الآريال Ariaal في كينيا: إحداهما بقيت مترحِّلة بينما استوطنت الأخرى القرى، واستطاعوا تحديد المصابين منهم بـ ADHD عن طريق اكتشاف جين DRD4 7R المتعلق بهذا الاضطراب.
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يحملون جين ADHD من القبيلة الأولى -الصيادين الرُّحَّل- كانت لديهم تغذية أفضل (وزن أكبر) من غير الحاملين، وعلى العكس كان الحاملون من القبيلة الثانية أقل وزنا (ربما لأنهم في البيئة الخطأ) من غير الحاملين. ووجدوا أن الأشخاص المصابين من القبيلة الثانية -الذين استوطنوا القرى- واجهوا مصاعب أكثر في التعلم (واحدة من أكبر مشكلات ADHD).
هنا نستطيع ملاحظة فارق السياق، حيث يكون ADHD ميزة في مجتمع وعيبا في مجتمع آخر.
يُشخَّص الأطفال عادة بهذا الاضطراب عندما لا يستطيعون التركيز بشكل مناسب في المدرسة، ويكون ضعف التركيز مشكلة عند البالغين الذين تتطلب وظائفهم أو طرق حياتهم تركيزا أقوى. فالمشكلة ليست في طبيعة الاضطراب، بل في السياق.
يقول قائد البحث البروفيسور Dan Eisenberg: “الأطفال والبالغون المصابون باضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة دائما يعتقدون أن مرضهم إعاقة بدلا من أن يدركوا أنه قد يكون ميزة فيهم”.
هذا لا يعني أن ADHD ليس مشكلة. الأطفال ذوو التركيز المشتت والحركات المفرطة في قاعة الدراسة بلا شك سيقل مستوى تحصيلهم، والموظفون قد يخسرون أعمالهم أو علاقاتهم الاجتماعية.
فما هو إذن السياق الأمثل لهؤلاء الأشخاص؟
إنه البيئة التي لا تحتاج إلى البقاء لست ساعات في الفصل كل يوم! أي خارج المدرسة. لكن هذا لا يعني أن على كل الأطفال المصابين بـ ADHD ترك المدرسة والتسكع في الشوارع.
يرى عالم النفس Peter Gray أن الأطفال إذا كانت لهم حرية توجيه تعليمهم وحياتهم فلن يحتاجوا إلى الأدوية، وسيستطيعون توظيف سلوكاتهم لصالحهم، وسيكونون قادرين على الإبداع وعيش حياة صحية. هذا في الوقت نفسه لا يقلل من قيمة العلاج الدوائي، بل سيكون من المستحسن أن يُستخدم الدواء لا كوسيلة للشفاء، بل كوسيلة لسد الثغرات لمساعدتهم على التأقلم مع متطلبات مجتمعهم.
الآن، سيكون مثيرا أن نعلم أن البالغين أقل بنسبة 50% من الأطفال في الإصابة بـ ADHD. فالبالغون لديهم حرية أكثر من الأطفال في اختيار أدوارهم التي تتوافق مع قدراتهم وفي استعمال الأدوية بانتظام.
المراجع:
[1] psychcentral.com
[3] adhd.org.sa
[4] adhd.org.sa
[5] adhd.org.sa
[6] adhd.org.sa