بالنسبة للجزء الأكبر من اللغات في العالم، فان معظمها تقع اليوم ضمن احدى الفئتين (باستثناء اليابانية، بعض اللغات المحلية الإسكندنافية وشمال اسبانيا الباسك): وهي اللغات النغمية (tonal) او غير نغمية (nontonal).
اثنان من أخصائيي اللغة يعتقدون بأنهم يعرفون الأسس الجينية التي صنعت تلك الاختلافات. من خلال دراستهم لبيانات لغوية وجينية لـ ٤٩ مجموعة سكانية مختلفة، وجد الباحثون علاقة بارزة بين جينين يشتركان في عملية تطور الدماغ ونغمة اللغة. الأشخاص الذين يتكلمون بلغات غير نغمية (نغمة الكلمات في هذه اللغات لا تؤثر على معناها) يمتلكون نسخ جديدة من تلك الجينات، مع طفرات بدأت بالظهور منذ حوالي ٣٧٠٠٠ الف سنة مضت.
يقول باتريك وونغ (Patrick Wong) “يمكن ان تعتبر تلك الدراسة الاولى من عدد من الدراسات الممكنة التي نستطيع القيام بها لإيجاد الأسس الجينية للغة ورموز اللغة واختلاف المجموعات السكانية التي تتحدث بتلك اللغة” وباتريك هو استاذ مساعد في علوم الاتصالات والاضطرابات من جامعة نورثويسترن (Northwestern University) ولم يكن جزءا من تلك الدراسة.
في الانجليزية، النغمة المصاحبة للكلمة المراد نطقها تنقل معها أحاسيس تكون غير مؤثرة على معنى تلك الكلمة. على العكس من ذلك، في العديد من المناطق مثل الصحراء الكبرى في افريقيا، جنوب شرق اسيا و امريكا اللاتينية تغير نغمة اللغة معنى الكلمة. على سبيل المثال، الكلمة الصينية huar تعني الزهرة عند نطقها بنغمة او طبقة صوت عالية، ويكون معناها الصورة عند نطقها بنغمة صوت واطئة.
هذا البحث الجديد الذي تم نشره في مجلة الاكاديمية الامريكية للعلوم the National Academy of Science USA يرجع تلك الاختلافات الى جينين هما ASPM و Microcephalin. ان الوظائف المحددة لتلك الجينات ما زالت موضع جدال، لكن المعروف عنهما أنهما يؤثران على حجم الدماغ خلال مرحلة التطور الجنيني. “من المفترض أنهما يلعبان دوراً في تكوين بنية الدماغ، والسبب ان حدوث طفرات ضارة في تلك الجينات تؤدي الى صغر حجم الرأس” (يكون فيها حجم الدماغ اصغر بكثير من معدل الحجم الطبيعي) بحسب قول روبرت لاد احد الباحثين في تلك الدراسة، استاذ علم اللغة من جامعة ادنبره (University of Edinburgh) في إسكتلندا.
لاد وزميله دان ديدو (Dan Dediu) استاذ علم اللغة من جامعة ادنبره ايضاً، ركزا بشكل خاص على التغيرات في كل جين من تلك الجينات وهو يقول “يوجد نسخ من تلك الجينات ليست جديدة فحسب وإنما هناك نسخ اظهرت بصمات قوية للانتخاب الطبيعي في الانسان الحديث“. في تقريرهم، لاحظ الباحثون ان الدراسات السابقة إشارات الى ان تلك الطفرات الجديدة الشائعة لا تؤثر على الذكاء، حجم الدماغ او القدرات الاجتماعية. لكن استنادا الى علاقتهما الوطيدة مع نغمة اللغة، يظن الباحثون انه لربما هنالك تأثير لتلك الجينات على الاختلاف البسيط في قشرة الدماغ، الطبقة الخارجية للدماغ، والتي من ضمن وظائفها العديدة لعب دور في فهم اللغة.
قارن لاد وديدو ٢٤ ميزة لغوية- مثل الفاعل- الفعل ترتيب الكلمات، المبني للمجهول و حروف العلة المدورة- مع ٩٨١ نسخة من هذان الجينان وجدت في ٤٩ مجموعة سكانية خاضعة للدراسة. وجدوا ان معظم الاختلافات اللغوية ممكن تفسيرها من خلال الاختلافات الجغرافية اوالتاريخية. لكن فيما يتعلق بنغمة اللغة فإنها تبدو مرتبطة بشكل كبير مع التغيرات الجينية لـ ASPM وMicrocephalin حسب ملاحظة الباحثين في تلك الدراسة. ان تلك الطفرات كانت غير موجودة عند السكان الناطقين بلغات نغمية، وتكون كثيرة عند المتحدثون بلغات خالية من النغمة.
في حقل يجتهد فيه الباحثون كثيراً لتحديد أسباب تلك الاختلافات اللغوية اذا ما كانت ناجمة عن التجربة او الجينات، تأتي تلك الدراسة الجديدة ” لتعطينا فكرة مفادها ان للجينات دور في ذلك الامر” كما يقول ونغ. ويقول ايضاً ان هذا البحث أشار الى ان الاختلافات الصغيرة في تنظيم الدماغ حددت بواسطة التركيب الجيني والتي ربما تكون قد توسعت عن طريق عوامل ثقافية او التواصل مع اللغات الاخرى خلال الحرب او الهجرة، محدثة هذا الانشطار في نغمة اللغة المعروف لدينا اليوم.
يقول لاد “حتى العلاقات البارزة والملحوظة يمكن لها ان تظهر عن طريق الصدفة – او في هذه الحالة، من المحتمل بسبب عوامل الهجرة في عصور قبل التاريخ والتي هي غير معروفة اليوم لعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاثار – لذا لا يمكننا ان نستبعد ذلك الخطوة التالية ستكون محاولة ربط الموروثات الفردية مع الاختلافات السلوكية الملموسة في تجارب ودراسات تتعلق باللغة والكلام.”
http://www.scientificamerican.com/article/genetic-basis-tonal-language/