عمالقة النفيليم، إحدى المواضيع التي يتمسك بها مؤيدو اساطير الفضائيون القدامى، لتأكيد مزاعمهم حول زيارات تاريخية قامت بها حضارات فضائية للأرض في الماضي البعيد، و تزاوجهم مع نساء البشر، اللواتي حسب قولهم، أنجبن كائنات أطلقوا عليها إسم (النفيليم). يكشف هذا المقال الجانب التاريخي الذي استند إليه أصحاب هذه الاسطورة وقد سبق أن طرحنا كذب أدلة صور العمالقة والتزييف فيها كما طرحنا زيف الجماجم الغريبة في مقال سابق أيضاً في عددنا الثالث من المجلة.
في هذا المقال، يرد معارضو هذه الأسطورة عبر عدة دلائل تدحض ما ذكره المؤيدين، الذين يحاولون بشتى الطرق إيصال فكرة الحضارات الكونية الزائرة لكوكبنا قديما.
يقول أصحاب نظرية الفضائيون القدامى :
“الأساطير القديمة تتحدث عن نزول الآلهة إلى الأرض للتزاوج مع البشر، وفقا للعديد من المصادر منها الميثولوجيا النوردية و اليونانية و حتى في الإنجيل، لدينا قصص عن نزول أبناء الآلهة أو الآلهة بحد ذاتها من جبل الأوليمبوس إلى الأرض. حيث يجدون أن نساء الإنسان جذابات”.
وفقا للنصوص القديمة، فالملائكة المطرودة من الجنة لا تتزاوج فقط من نساء البشر، بل و ينجبون ذرية أيضا. النفيليم عبارة عن سلالة من العمالقة مشابهة لغولياث المذكور قصته مع داوود.
أنا أتفق مع قصة نشأتهم المذكورة هنا. فالعديد من النصوص من عدة أماكن في العالم، تتحدث عن نفس الشئ، و بسبب التشابه المخيف الموجود في هذه القصص بين الثقافات المختلفة، فقد ارتأينا ألا نرمي بهذه القصص عرض الحائط، فقط لأننا ننتظر من الحضارات المستقلة أن تنتج قصصها الخاصة. أظن أن هذا الموضوع يستحق إلقاء نظرة مقربة عليه.
لدى مروجي نظرية الفضائيون القدامى رأيان متناقضان بخصوص هذا الموضوع. فمن جهة هم يؤمنون بأن كائنات فضائية قد جاءت إلى الأرض في الماضي السحيق، و خاضوا علاقات جنسية مع نساء البشر لأنهن جذابات. يقولون هنا :
” النصوص القديمة تتحدث عن الأشخاص الذين زاروا الأرض – الآلهة – في الماضي السحيق. رأوا أن نساء الأرض جميلات جدا، وفي مناسبات عدة نرى أن هذه الكائنات قد تزاوجت مع البشر، وأسيئ فهم الموضوع على أنه شيء سماوي. لقد كانت مجرد كائنات فضائية من لحم ودم”.
عندما نقرأ الأساطير الإغريقية و أساطير أخرى حول العالم، نرى تلك القصص تحتوي عن الآلهة التي تنزل من السماء و تمارس علاقات جنسية مع البشر لينتجوا بالتالي نوعا جديدا من البشر.
” عندما تحدث هذه اللقاءات و تنام النساء مع الآلهة كما هو مذكور في عدة نصوص من كل أنحاء الكوكب، فهذه النساء في الحقيقة مارسن الجنس مع كائنات فضائية و ليس مع آلهة، لأن الآلهة غير موجودة “
لكن الحديث عن أن لقاءات كهذه تضمنت شغفا جنسيا لا تتناسب مع نظرية الفضائيون القدامى، بذلك هم يفضلون القول أن ما حصل كان مجرد تلقيح إصطناعي، قائلين هنا:
“يوجد تلقيح إصطناعي اليوم، لم تعد مضطرا إلى ممارسة الجنس للحصول على الأطفال. لدينا نفس الوصف منذ آلاف السنين عن نساء حبلن فجأة دون أن ينمن مع أي شخص”
المشكلة مع هذه النصوص هو وجود كلام صريح عن رغبة الملائكة الجسدية بالنساء، و لكي يجعلوا التلقيح الإصطناعي يظهر هنا، يقولون :
” إحدى مخطوطات البحر الميت تسمى مخطوطات لامخ. من هو لامخ ؟ لامخ هذا كان راعيا، و ذات مرة حملت زوجته فقال : هذا مستحيل، فأنا لم أكن موجودا منذ أشهر. زوجته المسماة بات عنوش أقسمت بأن أحدا لم يلمسها، لكن لامخ لم يصدقها و يذهب لأبيه ميتشولح، فيقول له الأخير : لا أستطيع مساعدتك، فأنا لا أفهم هذا. فأنا أصدق كلام بات عنوش بأن لا أحد لمسها و أصدقك أيضا، فماذا أفعل؟. يذهب ميتشولح إلى والده جد لامخ المدعو أنوخ الذي يخبر إبنه بأن حراس السماء قد قاموا بتلقيح إصطناعي لرحم بات عنوش، و يجب عليه قبول هذا الطفل، لأنه سيكون والدا لجيل جديد من البشر. في الإنجيل كان اسم هذا الطفل هو نوح”.
إنهم يكذبون هنا حرفيا. يبدو أن فون دانكن يعتمد على حقيقة أن الكثير من الناس لا يعرفون النص الذي يقتبسه، و بالتالي لن يدققوا من بعده، لذلك فهو يظن أن بإمكانه الكذب بما يقوله. دعوني أظهر لكم بعض الخداع في هذا المقطع:
“وفي أحد الأيام حملت زوجة لامخ، فقال : هذا مستحيل، أنا لم أكن موجودا لأشهر”.
أول كذبة هنا، هي أن لامخ رفض فكرة أن يكون نوح إبنه، بسبب عدم تواجده لعدة أشهر، بينما النص يظهر بكل وضوح أن لامخ رفض نوح بسبب مظهره. فون دانكن فقط أضاف فقرة “لم أكن موجودا لأشهر”.
باعتقادي، إظهار أن نوح لا يمكن أن يكون إبن لامخ هو تضليل كبير، خصوصا و أن بات عنوش تذكر باليوم الذي حملت فيه بالطفل. إذا كنت تظن أن هذا خداع من طرف فون دانكن فأنت لم تر شيئا بعد.
” و الآن أنوخ يخبر ميتشولح أن حماة السماء قد لقحوا بات عنوش اصطناعيا”.
هذا لا يصدق، في النص أنوخ يقول العكس تماما، ويؤكد أن نوح هو ابن لامخ، إذن هو لا يكذب فقط بخصوص ما قاله أنوخ عن نوح، بل و يدرج فكرة التلقيح الإصطناعي مع كل كذبه.
كما ترون أن أحد مؤسسي نظرية الفضائيون القدامى لا يملك أية مشكلة بالكذب لأجل ربط النفيليم مع التلقيح الإصطناعي في النصوص القديمة و الدينية.
رغم تعاطفي مع مروجي النظرية، إلا أنني أعتقد أن التفاصيل الموجودة في النصوص القديمة عن النفيليم تقودنا إلى الخلاصة بحصول شيء غريب فعلا في الماضي، لكن لا أظن أن الأدلة تكفي لربطه بكائنات فضائية من كوكب آخر يقول مايكل هايزر:
” النص المتعلق بالنفيليم و الموجود في سفر التكوين الإصحاح السادس الآيات 1-4 غريب حقا. فهو واحد من النصوص الموجودة في الإنجيل من دون تفسير بعد، خصوصا بالنسبة للناس الذين يقاومون فكرة الكائنات الخارقة للطبيعة. فإذا كانت لدينا كائنات عاقلة تعيش خارج عالمنا المخلوق و المادي، فلماذا تحصر نشاطها فقط في التزاوج مع نساء البشر؟ ما هي القواعد التي اتبعتها لتضييق هذه النشاطات؟. فإذا كنت ستسمح بفكرة أن هذه الكائنات لديها ميل نحو الجسد البشري، فعليك المتابعة من هذا المنطلق “.
لقد رأينا خداعهم في الأدلة التي قدموها، لكن اظنهم سيخادعون أيضا مع الأدلة التي لم يقدموها بعد، كمثال، الكثير من النصوص القديمة من الشرق إلى أمريكا تضمنت كائنات هجينة مثل النفيليم مقترنة مع الفيضان العظيم. هذه القصص مع تنوعاتها المتفاوتة، تصف أن الفيضان حصل بسبب هذا التهجين الذي كان مخالفا لإرادة الخالق. يقول هايزر:
” توجد قصة الفيضان العظيم في الحضارات القديمة. فالموضوع يبدو و كأنه تشريع للذاكرة الجماعية، و المشكلة أنه يتم نسيان إلحاق التفاصيل الأخرى الموجودة مع قصص الفيضان في هذه المصادر، أشياء مثل التعايش المشترك و التفاعلات التي حدثت بين العالم السماوي والأرضي التي أنتجت أشياء غريبة كالنفيليم. الأمر معقد وغريب لكنه ثابت بما أن العديد من الحضارات قد تناقلتها فيما بينها إلى خلفائها، فهم فعلا إعتقدوا أن هذا الإتحاد الغريب قد أنتج العمالقة، لكن بما أن هذه القصص القديمة تتقاطع مع نظريات الفضائيون القدامى، فهم مع رمي الدليل. يقولون هنا :
” هل كانوا عمالقة فعلا أم أن الكلمة يجب أن تصحح إلى فضائيين ؟ “
كلمة نفيليم تعني فعلا عمالقة، و التفاصيل في النصوص تدعم هذا الكلام تماما، حيث أنه تم الكلام عن طولهم و حجم أسلحتهم وما شابه.يقول هايزر :
” مصطلح نيفيليم يعني عملاق بشكل صحيح، و هذا ما فهمه المترجمون القدامى، مترجمو التوراة السبعينية و الآرامية. الأمر معقد بعض الشيئ، و ستجد شرحا له إذا دخلت إلى موقع: Sitchininiswrong.com وضغطت على أيقونة Nephilim ستجد شرحا هناك”.
جزء آخر من المشكلة برأيي الشخصي، هو الفرق بين تعريف الملاك في الكتب القديمة و بين ترجمتها في الثقافة الشعبية الحالية. إذا أردت تحديد ماهية الملاك باستخدام الإنجيل أو أي نص قديم من الشرق الأدنى لوحده، ستستنتج أن لديهم أجساما كاملة وظيفيا، يستطيعون تناول الطعام مع البشر، يستطيعون الإمساك بالناس، و يشتبه بأنهم ناس أحيانا. في قصة سدوم وعمورة ترى أن الناس أرادت إغتصابهم. نرى في الإنجيل أن الملائكة التي قررت التمرد و ممارسة الجنس مع نساء البشر، قد تخلت عن شكلها الأصلي و غيرته إلى شكل آخر، و الحديث عن الجسد الذي تركوه و الموصوف بالمسكن، موجود برسالة يهوذا.
“والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم، بل تركوا مسكنهم حفظهم من دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام “. يهوذا 1-6
كلمة مسكن ” Habitation ” ترجمة للكلمة الإغريقية ” Oikterion ” مذكورة لمرة واحدة في العهد الجديد، لتصف الأجساد التي يمتلكها أتباع المسيح حين يتم إحياؤهم من الموت. إذن فالكلام هنا عن قدرة الملائكة لمغادرة الجسد إلى جسد آخر، وهذا الجسد الآخر وفقا للإنجيل يستطيع القيام بالجنس و التكاثر.
يقول هايزر :
” هنا سابقة إنجيلية في هذه الفكرة، ألا وهي أن جسد الملائكة يستطيع القيام بأشياء يستطيع جسمنا القيام بها. في كلمات أخرى، الحديث هنا عن جسد. لذلك، يمكنك أن تعرف الإمكانيات و الحدود التي يتمتع بها “
الإنجيل يصف بدقة ماهية الملائكة والإمكانيات المتوفرة في أجسادها، مما يجعل الكلام الآتي من فون دانكن مضللا أكثر
يقول فون دانكن :
” كيف تستطيع الملائكة ممارسة الجنس؟ هذا مستحيل، من وجهة نظرنا، فالملائكة كانت شيئا روحانيا، و ليس شيئا يستطيع الإحساس بالجنس، فكيف مارست الجنس ؟”.
فكرة دانكن عن الملائكة تبدو وكأنها مقتبسة من بطاقات المعايدة والمناسبات أكثر من كونها مقتبسة من نص قديم. فمن الواضح أن الحضارات القديمة و من ضمنهم كتاب الإنجيل، كانوا يؤمنون أن الملائكة تستطيع ممارسة الجنس مع نساء البشر.
إختلاط عناصر هذه القصة مع ما يشابهها مع الحضارات القديمة، هو مجرد صدفة برأيي، و مع ذلك فالتفاصيل هناك تخدم أصحاب نظرية الفضائيون القدامى. في الواقع هذا الاختلاط يؤيد قصة الإنجيل أكثر أو بعض التفاصيل منها على وجه التحديد، خصوصا مع وجود تشابهات في الشرق الأوسط أوروبا أمريكا أفريقيا.
فكرة وجود النفيليم غريبة، و ربطها بالكائنات الفضائية لا تتناسب و الأدلة الموجودة.
المصدر:
Nephilim, ancientaliensdebunked.com, 17/12/2016
مقال أكثر من ممتاز. نظرية الفضائيين القدامى متهرئة مهلهلة ينبري أصحابها في التلفيق والترتيق بشكل مزري.