متى إخترت أن تُصبح سوياً جنسياً ؟
ماذا؟ ما الذي تقوله ؟!!
طبقاً للتوزيع الديموغرافي، هناك نحو 95 بالمائة من الناس يُعرفون بأنهم مُتباينو الجنس، أي أن أغلب من يقرأون هذا الكلام هم أسوياء جنسياً، فأنت لا تختار ميلك الجنسي كما أن المثليين جنسياً والسُحاقيات لا يختارون أيضاً ميولهم الجنسية. لكن مع ذلك، هناك دراسة جديدة بعنوان: “الميول الجنسية ونوع الجنس” نُشرت في إحدى الدوريات غير المُحكمة علمياً وهي دورية (The New Atlantis) بواسطة لورانس س. ماير (Lawrence S. Mayer) وبول ر. ماكهيو (Paul R. McHugh)، وتزعم هذه الدراسة أن “معرفتنا العلمية في مجال الميول الجنسية تبقى محل جدال وأنه “لا يوجد دليل علمي على كون الميول الجنسية شيئاً ثابتاً وخاصيةً بيولوجيةً فطريةْ”وأن “هؤلاء المثليين جنسيا لم يُولدوا هكذا”. هذا يبدو وكأننا ما زلنا بأوائل التسعينات حيث كانت أخر مرة نشبت فيها هذه الحرب حول الميول الجنسي. ما الذي يحدث هنا ؟
أحد مفاتيح حل هذا اللغز يأتي من الناشر المُشارك لهذه الدورية وهو مركز الأخلاقيات والسياسة العامة (the Ethics and Public Policy Center (EPPC) والذي يُعرف نفسه بأنه مُكرس لـ “تطبيق العادات الأخلاقية اليهودية والمسيحية على القضايا الحساسة في السياسة العامة”. نحن بالفعل قد خرجنا عن المجال العلمي هنا !. ينص الموقع الخاص بهذا المركز على أن باحثيه “يسعون للدفاع عن وتشجيع المبادئ المُؤسسة لأمتنا وهي إحترام الكرامة الفطرية للإنسان، الحرية الشخصية، المسؤولية، العدالة، حُكم القانون والسُلطة الحُكومية المحدودة”.
ألا يجب أن تنطبق هذه المبادئ على كل شخص بغض النظر عن كون ميوله الجنسية مُحددة بيولوجياً أم لا؟ بالطبع يجب ذلك، وهو ما يحدث في أغلب الدول الغربية، لكن في أمريكا ذات الطابع اليهودي المسيحي يستمر الجدل بهذه الطريقة: الإنجيل يقول أن المثلية الجنسية هي خطيئة (سفر اللاويين 20:13). إذا كانت الميول الجنسية لها عوامل بيولوجية قوية، فإن ذلك يعني أن المثليين جنسياً والسُحاقيات ليسوا مسئولين أخلاقياً عن خطاياهم هذه. أما إذا كانت الميول الجنسية تلك اختيارية، إذاً فإنه يمكن إعادة تأهيلهم (عن طريق علاج المثلية homotherapy)، ويمكن مُسامحتهم وغفران خطيئتهم (كما ينص التعبير المجازي الشعبي: حب المُذنبين واكره الذنب). المُبشر المسيحي جيمي سواجارت (Jimmy Swaggart) وضح هذا المنطق بهذه الطريقة: “على الرغم من حقيقة أن بذرة الذنب الأصلي تحمل معها كل أنواع الانحراف، الشذوذ، الفساد والإثم، فإن المثليين لا يمكنهم الادعاء بأنهم وُلدوا هكذا، بنفس الطريقة التي لا يُمكن للسكيرين والمقامرين والقتلة أن يزعموا ذلك”.
لكن بينما مؤلفو هذه الدراسة – موضع النقاش – ليسوا بهذه الفظاظة والتعصب العلني لاستنتاجاتهم، فإنه طبقاً لعالم الوراثة دين هامر (Dean Hamer) الأستاذ الفخري بالمعهد الوطني للصحة (National Institutes of Health) فإن المصادر التي اعتمد كليهما عليها في الدراسة هي مصادر عفا عليها الزمن وهي عبارة عن مجرد جدالات تسعى للإرباك بدلاً من توضيح فهمنا الخاص بالميول الجنسية والهوية الجنسية. على سبيل المثال، يزعم ماير وماكهيو أن مبدأ الميول الجنسية هو “مبدأ مُبهم” وأنه “لا يوجد هناك تعريفات مُتوافق عليها لأغراض البحث العلمي التجريبي”، لكن الحقيقة غير ذلك. جمعية علم النفس الأمريكية (The American Psychological Association) تُعرف الميل الجنسي بأنه “نمط ثابت من الإنجذاب العاطفي، الرومانسي والجنسي نحو الرجال أو النساء أو كليهما معاً”. وكما يُشير دين هامر فإن الميول الجنسية أقل إبهاماً بكثير من سمات شخصية أخرى كاحترام الذات والدفء العاطفي مثلاً والتي يدرسها العلماء دون الخوف من أي تداعيات دينية أو سياسية.
يبدو أيضاً أن ماير وماكهيو يحومان حول معلومات بعينها عندما يُشيرون إلى واحدة فقط من ست دراسات نُشرت في دوريات مُجازة علمياً في الـ 16 سنة الأخيرة. وطبقاً لدين هامر فإن كاتبي الدراسة إختارا الدراسة ذات التقدير الأقل للتأثير الجيني على الميول الجنسي. الأكثر من ذلك هو أن هذه الدراسة تم دحضها عن طريق دراسة تحليلية ضخمة أجراها مايكل بيلي (Michael Bailey) عالم النفس بجامعة نورث ويسترن مع زملائه، والتي نُشرت في عدد سبتمبر للدورية المحكمة (Psychological Science in the Public Interest). أظهرت هذه الدراسة أن أدلة مُعتبرة تدعم الأسباب غير الإجتماعية للميول الجنسية أكثر من تلك الأسباب الإجتماعية. تشمل هذه الأدلة: تأثيرات جينية متوسطة تم ملاحظتها في الدراسات التوأمية المُنتقاة بعناية، التأثير القوي العابر للثقافات لترتيب الولادة على الميول الجنسية للذكور وأيضاً الإكتشاف الذي ينص على أنه عندما يتحول الأطفال الذكور جراحياً واجتماعياً إلى إناث، فإن ميلهم الجنسي يبقى كما هو دون تغيير (أي أنهم يبقون مُنجذبين جنسياً للإناث). وعلى النقيض، نجد أن الدلائل على الأسباب الإجتماعية المُفترضة للمثلية الجنسية وهي: التوظيف الجنسي من قبل البالغين المثليين جنسياً، أنواع من الأبوة المُضطربة وأيضاً التأثير الخاص بالآباء المثليين جنسياً، الدلائل على هذه الأسباب ما زالت ضعيفة ومُشوهة بفعل العديد من العوامل المُضللة.
المُشكلة الكامنة في أي مجال للبحث العلمي والذي يتداخل مع السياسة أو الدين هي أنه توجد إحتمالية للتحيز المنطقي والتأكيدي، أو كما يقول الإنجيل (متى 7:7): “ابحث وسوف تجد”، حيث تقوم المفاهيم بتحديد التعاليم، وحيث تكون الأيديولوجيات هي الورقة الرابحة وليس الحقائق…. حيث يُعاني العلم.
إعداد: محمد أحمد نعمان.
المصدر:
Michael Shermer, “Beware Bogus Theories of Sexual Orientation“, www.scientificamerican.com, December 1, 2016