أجريت دراسة حديثة عن كيفية تأثير التوتر الشديد الذي يؤدي إلى تأخر ظهور آثار الصدمة النفسية وبقائها لفترة طويلة حيث توضح هذه الدراسة ان حدوث التوتر يمكن أن يؤدي إلى زيادة النشاط الكهربائي في منطقة المخ التي تعرف باسم اللوزة الدماغية أو (الجسم اللوزي – amygdala) (الجسم اللوزي هو جزء الدماغ الذي يقع داخل الفص الصدغي من المخ ويقوم بوظيفة إدراك وتقييم العواطف و المدارك الحسية والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق وهي تراقب باستمرار ورود أي إشارات خطر من حواس الإنسان تعتبر كنظام إنذار واستشعار للمتعة).
تتأخر هذه النشاطات اعتمادا على جزيء يعرف باسم N-ميثيل-D-مستقبلات الأسبارتات (NMDA-R) وتسمى أيضا (the NMDA receptor or NMDAR) وهو بروتين في الخلايا العصبية يلعب دور حاسم في وظائف الذاكرة.
حيث توضح ورقة البحث ان إحدى السيدات المشاركات في عينة الدراسة تذكر حادثا وقع لها بينما كانت تمشي على طول طريق مزدحم بالقرب من سوق الخضار عندما مر بالقرب منها اثنين من المراهقين الحمقى على دراجة حيث كان يمسك أحدهما سلسلة ولفها حول رقبتها تسبب في تعثرها على ركبتيها وسقوطها ارضا، استطاعت بعدها النهوض والتخلص من السلسلة حيث حصلت على كدمات بسيطة في الرقبة وعلى الرغم من حالة ذهول من هول الحادث السيدة ظلت على ما يرام حتى بعد أسبوع من الحادث.
ثم بدأت بعدها الكوابيس حيث قالت إنها تعاني من الكوابيس والأحلام السيئة والصراخ والقتال في نومها كل ليلة. حيث تجعلها هذه الكوابيس مشحونة بالغضب وحالة من الاكتئاب واستمرت على هذه الحالة لعدة أشهر حتى توقفت أخيرا. حيث نتسائل كيف يمكن لحدث واحد يسبب التوتر ان يؤدي إلى هذه العواقب؟
وقد أوضحت دراسة جديدة أجراها علماء هنود عن قدرة التوتر الشديد لمرة واحدة ان يؤدي إلى صدمات نفسية متأخر وطويلة الأجل. العمل يسلط الأضواء على العمليات الجزيئية والفيزيولوجية الرئيسية التي يمكن أن تكون لها الدور الأبرز في تغييرات بنية الدماغ.
فريق البحث بقيادة سماترا جيترجي (Sumantra Chattarji) من المركز الوطني للعلوم البيولوجية (NCBS) ومعهد بيولوجيا الخلايا الجذعية والطب التجديدي (inStem) في بنغالور (Bangalore)،الهند. وضح أن حادث واحد يؤدي للتوتر يمكن أن يؤدي إلى زيادة النشاط الكهربائي في منطقة الدماغ المعروفة باسم اللوزة وهذا النشاط يحدث بعد عشرة أيام من موقف الضغط شديد الواحد ويعتمد على جزيء يعرف باسم N-ميثيل-D- مستقبلات الأسبارتات (NMDA-R) وهو عبارة عن ايون بروتيني قنوي في الخلايا العصبية المعروفة التي لها دور حاسم في وظائف الذاكرة.
ان المجموعات اللوزية الشكل من الخلايا العصبية التي تقع في عمق الفص الصدغي من الدماغ وهذه المنطقة من الدماغ تلعب دورا أساسيا في ردود الفعل العاطفية والذاكرة واتخاذ القرارات وترتبط التغييرات في اللوزة في تطوير اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وهي الحالة النفسية التي تتطور بعد الضغط الشديد والتجارب المروعة.
وفي تجربة أجراها فريق جيترجي على مجموعة فئران أظهرت أن مرة واحدة من الضغط النفسي والاضطرابات النفسية الحادة لم يكن لها أثر فوري على المنطقة اللوزية في دماغ الفئران ولكن بعد عشرة أيام بدأت هذه الحيوانات بإظهار زيادة بمستوى القلق و تأخر التغييرات في بنية أدمغتهم وخاصة اللوزة حيث يوضح جيترجي “لقد توضح لنا من دراستنا ان الكلام ينطبق على اضطرابات ما بعد الصدمة وهذا التأثير المتأخر بعد حالة واحدة من التوتر والضغط النفسي تذكرنا ما يحدث للمرضى الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة”، ويضيف “ونحن نعلم أن تغيرات مفرطة تحصل بمنطقة اللوزة للمرضى الذين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة ولكن لا أحد يعرف حتى الآن ما يجري هناك”.
وكشفت الدراسة ان تغييرات كبيرة تحدث في البنية المجهرية للخلايا العصبية في اللوزة. حيث تبين ان التوتر قد يتسبب في تشكيل وصلات عصبية جديدة تسمى نقاط الاشتباك العصبي في هذه المنطقة من الدماغ ولكن حتى الآن الآثار الفسيولوجية لهذه الوصلات الجديدة غير معروفة.
وقد وجد فريق جيترجي في دراستهم الأخيرة أن الوصلات العصبية الجديدة في اللوزة المخية تؤدي إلى تزايد النشاط الكهربائي في هذه المنطقة من الدماغ.
وتقول فرحانة ياسمين (Farhana Yasmin) إحدى طالبات جيترجي “تتم معظم الدراسات على الضغط المزمن مع التوتر المتكررة أو مع حالة توتر لمرة واحدة حيث تتم دراسة التغيرات بعدها مباشرة -كما بعد يوم واحد من التوتر” وتضيف فرحانة “لذا عملنا هو فريد من نوعه في أن ندرس ردة الفعل على مرة واحدة من التوتر ولكن بعد مرور فترة من الوقت”.
وعلاوة على ذلك تم اكتشاف بروتين يشارك في عملية التعلم والذاكرة يسمى (NMDA-R) وهو واحد من العوامل التي تساعد على إحداث تلك التغييرات وان حجب تكون بروتين (NMDA-R) خلال فترة الضغط النفسي ليس فقط في إيقاف تشكيل نقاط الاشتباك العصبي الجديدة إنما أيضا حجب زيادة النشاط الكهربائي في هذه المشابك ويقول جيترجي “لأول مرة نستطيع الوصول إلى الآلية الجزيئية الناتجة بعد عشرة أيام من الضغط العصبي لمرة واحدة” ويضيف جيترجي “في هذه الدراسة، قمنا بحظر مستقبلات ال NMDA أثناء التوتر، ولكن نود أن نعرف إذا ما كان حجب الجزيء بعد التوتر يمكننا أيضا من حجب التأثيرات المتأخرة من التوتر. وإذا كان الأمر صحيح كيف يمكننا بعد فترة طويلة حجبه وذلك لتحديد طريقة للعلاج”.
حيث بدأ فريق جيترجي أول بحوثه بشأن كيفية تأثير التوتر على المنطقة اللوزية ومناطق أخرى من الدماغ منذ نحو عشر سنوات. وقد تطلب العمل توظيف فريق متخصص على درجة عالية من التنوع ويتراوح من مراقبة السلوك، لتسجيل الإشارات الكهربائية لخلايا المخ وكذلك استخدام مجموعة متنوعة من تقنيات الفحص المجهري “وللقيام بذلك نحن بحاجة إلى استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب التي رأيناها ضرورية والتعاون مع الأشخاص الذين لديهم الخبرة في مثل هذه التقنيات”.
المصدر
National Centre for Biological Sciences. “The late effects of stress: New insights into how the brain responds to trauma.” ScienceDaily. ScienceDaily, 28 December 2016.