الوعي الكمي أو ما يُسمى أحيانًا بالعقل الكمي (Quantum Mind) هو فكرة أن الوعي يقوم في الأصل على عملياتٍ كميّة، على عكس وجهة نظر البيولوجيا العصبية السائدة التي تكون فيها وظيفة الدماغ كلاسيكية بالكامل، والعمليات الكمية لا تلعب أي دور حسابي فيها من قريبٍ أو من بعيد.

في حين أن العديد من المحاولات لنظرية الوعي الكمي هي شبه زائفة من خلال الادعاء بسذاجة أن غرابة ميكانيكا الكم هي موازية لغرابة الوعي، فإن نظريات الوعي الكمي الأكثر تطورًا هي في الأصل محاولة لحل “مشكلة الترابط”(Binding problem)؛ المشكلة التي تحاول تفسير كيف يمكن أن يتحد نظام العصبونات الكلاسيكية في الدماغ ليشكل هذه الطريقة الواعية في التعامل. ومع ذلك، لا يوجد في الوقت الحالي سوى القليل من الأدلة التجريبية على العمليات الكمية ذات الصلة بموضوع الترابط في الدماغ البشري، ويعزى ذلك جزئيًا إلى الصعوبة التقنية في فحص الدماغ بدرجة دقيقة من الناحيتين المكانية والزمانية معًا.

وواضح جدًا من الجانب المنطقي أنه سواء كانت للتأثيرات الكمية فاعلية أو لا لتجعلها موضوعًا صالحًا للتحقيق العلمي، فإن مجرد ذكر “التأثيرات الكمية تسبب الوعي” لا يفسر شيئًا ما لم يتمكن العلماء من التوصل إلى اقتراح ما حول كيفية فاعلية التأثيرات الكمية تلك على الوعي. تجري الحجة كالتالي:

أنا لا أفهم الوعي.

وأنا كذلك لا أفهم فيزياء الكم.

لذلك، يجب أن يكون الوعي قائماً على فيزياء الكم!

“واضح جدًا أن الحجة فارغة ضمنيًا من المنطق.”

هنا ملاحظة مهمة: يجب التمييز بين هذا البحث وبين “الإدراك الكمي”(Quantum Cognition)، والذي يتم فيه تطبيق النماذج الرياضية الميكانيكية والكمية على السلوك البشري في المناطق التي تفشل فيها نظرية الاحتمالات الكلاسيكية في مطابقة السلوك البشري المرصود.

فإن “الإدراك الكمي” لا يفترض أن الوعي الإنساني قائم بالأساس على  ميكانيكا الكم؛ إنه ببساطة قائم على أن عدد قليل من علماء النفس لاحظوا أن نفس المفاهيم والمعادلات المستخدمة في ميكانيكا الكم هي “لأسباب غير معروفة” جيدة ومماثلة للسلوك الإنساني الفعلي حيث تشير نظرية الاحتمالات التقليدية إلى أن السلوك الفعلي غير عقلاني.

لاحظ أيضًا أنه على المستوى الذري، أن الأحداث الكمية (الانحلال الإشعاعي للذرات والاصطدامات الاحتمالية للجزيئات) تحدث في المخ وتؤثر على الخلايا العصبية إلى حد ما. ومع ذلك، تعتبر هذه الأحداث فرعية وليس هناك دليل على أنها تلعب أي دور ذي صلة حسابيا.

الكوانتا والوعي

ليست كل التفسيرات الميكانيكية الكمية تفترض حدوث الانهيار الكمي (Quantum Collapse) (الانهيار الكمي: افتراض يشير إلى انتقال نظام الكم من تراكب الحالات إلى حالة المكون. تُعرف العملية أيضًا بأنها انهيار وظيفة الموجة أو انهيار الحالات الكمية)، ولكن إذا حدث ذلك، فإن إحدى النظريات المتنافسة حول كيفية حدوثه هي أن الوعي يسبب الانهيار. منذ أن تم تطوير هذه النظريات المستندة إلى الوعي، فإن الأشخاص الذين يرغبون في الاعتقاد بأن الوعي فريد وخاص بطريقة ما، قد انجذب إلى هذا النوع من الفيزياء الكمية.

في المستوى الحالي من المعرفة، يصعب على الأشخاص العاديين أن يروا مدى لا معقولية نظرية الوعي الكمي وكيف أنها تقوم على الرغبات والتمني. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه إذا لم تكن “ازدواجية المادة” صحيحة وهو ما يشك به معظم العلماء_ فإن من المفترض أن تكون العقول الواعية قادرة على تحطيم وظائف الموجة بقدر ما تستطيع أجهزة الكشف الضوئية غير الواعية تحطيمها. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهذا يعني أن العقول الواعية مصنوعة من بعض المواد غير المادية التي لا يتم صنعها من أجهزة الكشف الضوئية اللاواعية.

ازدواجية المادة تأتي هنا بمعنى أن الذات الجسدية والعقل (أو النفس) يبدوان أنهما شيئان منفصلان.

 رؤى مختلفة وآراء داعمة

ديباك شوبرا (Deebak Chopra)

في النسخة الكمية لشوبرا (احد مشاهير الكتاب في العلوم الزائفة)، كل شيء يكون في حالة تراكب غامضة على غرار قطة شرودنجر حتى يتم ملاحظته. لذلك يجب أن يتطلب الكون مراقب. ولهذا، يوجد إله واحد أو أكثر كما يقول ..!

وفقًا لشوبرا، “الوعي غير محلي” والوعي هو “حقل ، تركيبات غامضة من الاحتمالات.” (مثل احتمال أن تكون قطة شرودنجر على قيد الحياة والإمكانية المتزامنة بأن القطة قد ماتت) تشكل حقلًا وبواسطة بعض الآليات غير المبررة ينشأ الوعي من هذا المجال من الاحتمالات.

ماريو بيوريجارد  (Mario Beauregard)

يتم شرح نسخة ماريو بيوريجارد لنظرية الكم بتعمق في مجال العلوم العصبية غير المادية. ويتمثل جوهر الجزء المتعلق بالكم في حجته في أن قنوات الأيونات الموجودة في الخلايا العصبية صغيرة بما يكفي لتخضع لتأثيرات الكم. هذا مشابه للنسخة المادية للوعي الكمي. بينما يرفض علماء آخرون العديد من افتراضات بيوريجارد.

روجر بنروز (Roger Penrose)

عالم الرياضيات الشهير الذي تعاون كثيرًا مع ستيفن هوكينج، أي أنه يختلف عن غيره من مؤيدي الوعي الكمي في فهم شيء ما في الواقع حول فيزياء الكم.

تبدأ حجة بينروز بناءً على نظرية غودل غير المكتملة، (Gödel’s incompletenes theorem) موضحًا أن وجود النظرية أثبت أن العقل لديه القدرة على التفكير خارج إطار حسابي، أي أن الوعي غير قابل للحوسبة. ثم تمنحه فيزياء الكم الخروج ليجادل بأن الخلايا العصبية، وبالتالي الدماغ ككل، تعمل بطريقة احتمالية. وتلك الحالات الاحتمالية الغامضة بطريقة ما تؤدي إلى الوعي.

ديفيد بيرس (David Pearce)

نشر الفيلسوف ديفيد بيرس مقالًا بعنوان “المثالية الجبرية هل ينطوي الفكر الجبري على المثالية الأحادية؟ تخمين قابل للاختبار تجريبياً حول طبيعة العالم المادي”. في ذلك ، يقترح ديفيد فرضية زائفة علميا لاختبار الدور الحسابي للعمليات الكمية في الدماغ كحل لمشكلة الربط الهائل التي تنشأ من تصور قياسي للدماغ كنظام كلاسيكي بالكامل. الجهاز التجريبي المطلوب لاختبار التخمين أو ربما لضحضه هو للأسف أكثر تقدمًا مما هو متاح حاليًا.

باختصار:

باختصار، يبدو أن كل هذه المناورات المختلفة فيما يخص الوعي الكمي تثبت أن الكثيرين غير مرتاحين لحقيقة أن الخلايا العصبية تعمل بمبدأ الكل أو لا شيء،

أ) إما أن تكون مشغله أو معطلة، مما يجعلها مماثلة للنظام الثنائي لجهاز الكمبيوتر.

ب) أنه، بقدر ما يمكننا أن نقول وفقًا للعلم الحديث، فإنهم يخضعون للقانون الفيزيائي والميكانيكا الكلاسيكية.

ج) ما زلنا لا نملك حلاً كاملاً لمشكلة الترابط أو شرحاً شاملاً لمدى عمل العقول بالطريقة التي تعمل بها. وهذا لا يستبعد احتمال وجود تأثيرات كمية، ولكن لم يتم اقتراح آلية متماسكة يمكن اختبارها عن طريق التجربة حتى الآن.

 

المصدر: RationalWiki (Quantum consciousness)