انتشر في فيسبوك فيديو لطبيب امريكي يُدعى توماس كوان (Thomas Cowan) وهو ينكر وجود الفيروسات ويعزو الموجات الوبائية الكثيرة للفيروسات والتي حدثت على الأرض وآخرها وباء كورونا إلى الموجات الكهرومغناطيسية وكهربائية الارض. يحاول كوان أن يربط بين موجات الوفيات تلك بالعلم الزائف المعروف بكهربائية الأرض والمرتبطة بعلم زائف أكبر حول الكون الكهربائي. يشرح كوان الأوبئة التي يذكرها ويربطها باكتشافات حدثت في الموجات الراديوية ومراحل التقدم في شبكات الهاتف المحمول وغيرها أما نفيه للفيروسات فهو يقول بأن ما يحدث في الخلايا هو حالة تسمم فقط وهي تشبه ما تتعرض له الخلية عند حدوث أي ضرر ناتج من التسمم. في هذا المقال سنفند هذه الفكرة الضعيفة من العلم الزائف.

رابط الاستماع على جوجل بودكاست

يضلل توماس كوان في البداية بين الاكسوزومات والفيروسات، والاكسوزومات هي حواصل خارجية متصلة بالعديد من الخلايا الحيوانية والنباتية تتضمن مواد دهنية ومادة وراثية[1]. دراسة الاكسوزومات هي دراسة متشعبة بما أنها تمثل عُضي مرتبط بالخلية فهي تعكس الكثير من حالات الخلية عند المرض او الأحوال الطبيعية، كما يُمكن أن تُساهم في أدوار علاجية معينة، الاكسوزومات لا تعني أن الخلية مريضة بأي شكل من الأشكال، بل أن لها وظائف مختلفة عديدة منها ما يتعلق بالعدوى الفيروسية ومنها ما يتعلق بالشفاء مثلما هو الحال مع أي جزء من الخلية. لا ندري ماذا يقصد كوان عندما يحاول الخلط في هذا الأمر ويقول إنها تنسجم كلياً مع فكرته؟ هل يُمكن أن نقول الأمر ذاته عن الميتوكوندريا أو السايتوبلازم مثلاً وأنه إذا حدث شيء ما معها فإن هذا يعني أنها هي الفيروسات أو أنها تدل على أن الفيروسات هي نواتج من الخلية نتيجة التسمم فقط؟ القصد الدقيق مبهم، والفكرة العامة واضحة ومضللة جداً.

نترك الخلية ونتجه إلى الموجات الراديوية، في بادئ الأمر علينا أن نذكر لكل المندهشين بفيديو كوان أن التطابق بين الأوبئة والاكتشافات الحاصلة في الموجات واستخدامات تلك الموجات على نطاق واسع هي أمر غير صحيح على الإطلاق.  لا يُمكن أن تجد حدثاً مميزاً في تأريخ الراديو في عام 1917-1918 وهي فترة انتشار الانفلونزا الاسبانية سوى حادثة أول بث راديوي للموسيقى[2]. الاكتشافات بخصوص الراديو والتقدم الصناعي به مستمر منذ ظهور براءة اختراع الراديو لماركوني عام 1869 وحتى انتشار راديو الجيب عام [3]1954، لا يُمكن أبداً أن نرسم نقطة فاصلة مثل التي يزعمها كوان زيفاً وبهتاناً.

الكلام حول “تعريض الكائنات لمجال كهرومغناطيسي جديد مما يؤدي إلى وفاة البعض وبقاء البعض في “حالة معلقة” وليعيش البقية أطول ولكن بحالة أكثر مرضية” هو هراء عالي المستوى من العلم الزائف. لنذكر القارئ بماهية العلم الزائف أولاً، فالعلم الزائف هو صبغ الادعاءات غير العلمية بصبغة العلوم، وما يحدث هنا أن كوان يتكلم وكأن هناك قانون احيائي او فيزيائي ينص على ذلك. وفي الحقيقة لا يوجد شيء كهذا، فرغم كل ما انتشر مثلاً حول ضرر موجات الميكروويف وأضرار الهاتف المحمول وكونها مسببات للسرطان، فلا يُمكن القول أن هناك تأكيد حول أي من تلك الأضرار علمياً حتى هذه اللحظة[4]. فما بالنا بمن يتكلم عن جميع الأمراض وجميع الموجات بهذا الشكل العشوائي. النقاش حول ضرر صنف محدد من الموجات وحول كونها تسبب الأورام أخذ عقوداً ودراسات ولم يثبت شيء، فهل يريد كوان أن يثبت أن جميع الموجات الراديوية هي سبب لطيف شاسع من الحالات المرضية لمجرد أنه يقول ذلك؟

نعود إلى التسلسل الزمني لكوان، ولا ندري أي وباء يتكلم عنه أثناء الحرب العالمية الثانية تحديداً وهو يربطه بالردارات. ثم ينتقل إلى مغالطة أخرى مثيرة للاهتمام، حيث يقول إن حزام فان الين (Van Allen Belt) المحيط بالأرض قد تمت مقاطعته بأقمار صناعية في عام 1968 مما سبب انفلونزا هونغ كونغ (قتلت حوالي مليون شخصاً حول العالم). وفي الحقيقة إن حزام فان الين هو ظاهرة ترتبط بالمجال المغناطيسي للأرض وبالرياح الشمسية[5]، وتتمثل بمنطقة من الجزيئات المشحونة بالطاقة والتي تُلتقط وتُمسك بواسطة المجال المغناطيسي للأرض ولا يُمكن أن تؤثر الأقمار الصناعية الصغيرة جداً بوجوده وبتأثيره بأي شكل من الأشكال وكوان ذاته لا يشرح (ولا يستطيع أن يشرح) هذا التأثير المزعوم.

لم نجد شيئاً حول التجربة التي ذكرها كوان في قسم الصحة في بوسطن بالولايات المتحدة عام 1918، حيث يقول إن الأطباء سحبوا المخاط من انوف المرضى ووضعوه في انوف الأشخاص السليمين فلم يصب هؤلاء بالعدوى. فضلاً عن عدم المنطقية في تجربة قد تبدو مميتة ولن يتطوع أحد للقيام بها كما لن يقوم بها طبيب، فإن الأمر لو حدث حقاً فهو يُعزى لمناعة الأشخاص كما نرى اليوم مع أعداد كبيرة من حاملي فيروس كورونا من غير المصابين.  لم نجد شيئاً كذلك حول التجربة المزعومة ذاتها حول الخيول. المزاعم هنا تُفيد بالقاء جميع ما نعرفه حول العدوى، وهو ما لا يُمكن حدوثه. معرفة البشر بالعدوى ليست ناتجة عن مؤامرة حكومية، إنه أمر يشهده الأشخاص في حياتهم اليومية، تتعامل معه المختبرات على نحو يومي في بحوث الفيروسات، ويثبته التاريخ البشري الطويل وجغرافيا انتشار الامراض ذات المسبب الفيروسي. كوان يُغيب الكثير من الأوبئة الصغيرة التي تحدث في نطاق جغرافي محدود وتقتل أعداداً كبيرة نتيجة العدوى في إقليم معين، أين الموجات الكهرومغناطيسية من ايبولا مثلاً.

أحد مصادر كوان الرئيسية كما يبدو هو ارثر فيرستنبيرغ (Arthur Robert Firstenberg)، الذي ترك دراسة الطب في نهاية السبعينات نتيجة مرضه الذي يعزوه للاشعة السينية التي تعرض لها لدى طبيب الاسنان. يقول فيرستنبيرغ أنه عاش مشرداً بعد أن خسر الدعوى القضائية ضد جيرانه التي كانت ترفض الامتناع عن استخدام هاتفها المحمول وترفض إطفاء الواي فاي[6]، وحيث يقول فيرستنبيرغ أن ذلك يتسبب بتدمير صحته. كما أن له معارك قضائية فاشلة ضد شركات الهاتف المحمول. يكتب فيرستنبيرغ عن مخاطر الموجات بإسهاب في كتابه قوس قزح الخفي (invisible rainbow) الذي يُعد مصدراً أساسياً لكوان. وفيرستنبيرغ لا يُقدم أي قيمة علمية في كتابه، فما الذي سيضيفه سوى مزاعم واهية أمام حقائق علمية لا تؤيده؟ جلسات المحاكمة التي كان فيرستنبيرغ طرفاً فيها كانت تحفل بالخبراء من المجال الطبي والفيزيائي لمناقشة مزاعمه حول الأضرار التي يتعرض لها لكن دون اثبات شيء لصالحه.

مصطلح آخر يقذفه كوان أثناء محاضرته التي انتشرت في فيسبوك كالنار في الهشيم، يقول جهاز مفكك للماء (water destructuring device) وفي الحقيقة إن هناك تأثير طفيف جداً لتفكيك جزيئات الماء نتيجة تعرضه لمجال كهرومغناطيسي[7] غير أن الكلام على المستوى الفيزيائي وبمستوى بالغ الدقة والصغر لا ينبغي بالضرورة أن يكون له تأثيرات ملموسة على صحة الانسان، فنحن نتكلم هنا عن مستويات مختلفة تماماً من المستوى الذري المتناهي الصغر إلى المستوى الخلوي، يشبه ذلك العلوم الزائفة التي تمزج ميكانيكا الكم بالبيولوجيا والبحوث الطبية حول تأثيرات الموجات هي الحكم الأخير حول الموضوع والتي لا تؤيد كوان وفيرستنبيرغ في مزاعمهم.

يُسهب كوان متحدثاً عن تغطية ووهان بموجات المحمول للجيل الخامس كأول مدينة في العالم وأثر ذلك على ظهور فيروس كورونا فيها، وفي واقع الأمر هذا الادعاء غير صحيح، فقد تمت تغطية العديد من المدن الكبرى في الصين قبل ووهان[8].  اليابان فعلت الأمر ذاته قبل أسبوعين[9]، هل ستشهد هي الأخرى موجة قوية لكورونا؟ في الواقع لم يحدث ذلك وقد كانت الموجة سابقة لافتتاح شبكات الجيل الخامس في اليابان. ماذا عن الولايات المتحدة؟ نيويورك الآن هي المدينة رقم واحد في العالم في إصاباتها بفيروس كورونا، هل شرعت باستخدام شبكات الجيل الخامس؟ كلا بل ستبدأ في ذلك في سبتمبر[10].

يؤمن كوان أيضاً أن اللقاحات سيئة وضارة، كما يؤمن بتجويع الخلايا السرطانية لمعالجة السرطان، ويركز جانباً كبيراً من طروحاته عن السرطان حول الماء في الخلايا. وتُعد منتجات كوان “الطبيعية” إحدى مصادر دخله فضلاً عن كتبه الشهيرة التي يحذر في أحدها من اللقاحات ويتكلم في الآخر عن فلسفته حول السرطان والماء، اما الكتاب الثالث فهو حول أن القلب ليس مضخة للدم فقط. أي، يُمكننا القول إنه متخصص بالعلوم الزائفة بشكل كامل.

المصادر

[1] Crenshaw, Brennetta J., et al. “Exosome biogenesis and biological function in response to viral infections.” The open virology journal 12 (2018): 134.

[2] Wikipedia, History of Radio

[3] Reed, Jeffrey H., Jennifer T. Bernhard, and Jung-Min Park. “Spectrum access technologies: The past, the present, and the future.” Proceedings of the IEEE 100.Special Centennial Issue (2012): 1676-1684.

[4] National Cancer Institute, Electromagnetic Fields and Cancer

[5] Wikipedia, Van Allen Radiation Belt

[6] David Gorski, ““Electromagnetic hypersensitivity” and “wifi allergies”: Bogus diagnoses with tragic real world consequences”, Sciencebasedmedicine.org, December 7, 2015

[7] Martin Chaplin, “Magnetic and Electric Effects on Water”, London South Bank University, 16 December, 2019

[8]The Wuhan coronavirus has nothing to do with 5G”, Fullfact website, 29th Jan 2020

[9]NTT Docomo becomes first to launch 5G service in Japan“, japantimes.co.jp, MAR 25, 2020

[10] Chris Welch ,”Verizon 5G will launch in New York City on September 26th“, theverge.com, Sep 19, 2019