العلوم المبتدئة هي مجموعة من المعتقدات أو الفرضيات التي لم يتم إختبارها بشكل كافي عبر المنهج العلمي لكنها في الوقت نفسه متسقة مع العلوم الموجودة؛ بعبارة أخرى إنها علوم جديدة تعمل لتأسيس نفسها كعلوم مجازة. كثير من العلوم ابتدأت كعلوم مبتدئة مثلاً كثير من تفاصيل الوراثة في القرن الثامن عشر كانت تعد علوماً مبتدئة، هناك معرفة وافتراضات في علم الأحياء في وقتها بأن هناك صفات منتقلة من الآباء الى الابناء لكن الكلام عن آليات إنتقال تلك الصفات في ذلك الوقت لم يكن سوى فرضيات لا تمتلك ما يكفي من الأدلة[1].

هناك خلط بين العلوم المبتدئة والعلوم الزائفة وهذا الخلط مقصود أحياناً من مروجي العلوم الزائفة ويحكم على الفرق بين الإثنين قابلية التخطئة لكارل بوبر حول طبيعة فرضيات كل من الإثنين بالاضافة الى عوامل أخرى مثل التطور والقرب من العلم الحقيقي. مثلاً فرضيات علم الوراثة في القرن التاسع عشر حول الجينات قابلة للتخطئة من حيث أن علم الوراثة يفترض أننا حين نكون قادرين على الكشف عن مكنون جسم الانسان على مستوى مجهري معين، في حين أن إفتراضات الماورائيات تزعم مسبقاً أن ما تتكلم عنه خارق للطبيعة وبالتالي فهو يقع خارج نطاق قدرة أجهزة القياس وهو بطبيعة الحال غير قابل للتخطئة.

مع ذلك فإن هناك تشابهاً بين العلوم المبتدئة والعلوم الزائفة من حيث أن كلاهما يقعان في الموقع ذاته.  لا يوجد إطار موحد يحسم بين الإثنين، احد مؤيدي التحليل النفسي قد يصفه كعلم مبتدئ رغم شيخوخة هذا العلم وولادة علوم جديدة واعدة تحتل صدارة تفسير الظواهر النفسية، بينما سيحكم عليه آخرون بوضوح بأنه علم زائف.

البعض يصفون علم النفس بما فيه انعدام للوحدة الموضوعية التي تجسد العلوم الحقيقية بأنه علم مبتدئ. وكان الكلام كذلك حول الكيمياء في الفترة الواقعة منذ مطلع القرن الثامن عشر وحتى الربع الأخير منه بالنظر لعدم وجود تقدم ملحوظ به آنذاك. يصف أحدهم علم النفس في الأربعينات حيث لم يكن في الساحة سوى أدبيات علم النفس التحليلي لفرويد بأنه لم يقدم الكثير عن علم النفس في عهد ارسطو. ويقول ماكلويد في عام 1965 أن “تحول علم النفس إلى علم هو وهم ليس إلا” بالمقابل فإن آخرين أصروا على علمية علم النفس، وأعطى آخرون حلاً وسطاً لعلم النفس آنذاك بأنه علم مبتدئ[2].

كتعبير فلسفي يستخدم مصطلح العلوم المبتدئة أيضاً لكنه يختلف عن النظرة الى العلوم الزائفة والعلوم الحقيقية، الفيلسوف كلاوديو كوستا يتسائل في كتابه (التحقيق الفلسفي): “ألا يُمكننا أن نعتبر الفلسفة علماً مبتدئاً؟” من حيث أن العلوم معظمها وقبل أن تستقل كعلوم لم تكن يوما ما سوى موضع للبحث والتحقيق بواسطة الفكر وليس بواسطة الكشف العلمي، وسرعان ما أصبحت العلوم تنفصل يوماً بعد يوم حتى أصبحت كلمة فلسفة “كلمة ممنوعة” كما يعبر كوستا بعد أن كانت رحماً لكل العلوم. ولدت الرياضيات، ثم الفيزياء وهكذا حتى القرن الأخير بولادة فيض كبير من العلوم[3].

كثير من أفكار علماء اليوم قد تكون علوماً مبتدئة اليوم لكنها قد تصبح علوماً بعد فترة من الزمن، مثلما كان في الماضي. لكن ما الذي سنعتبره علماً زائفاً وما الذي سنعتبره علماً مبتدئاً رغم مضي وقت طويل عليه دون إثبات؟ برأيي إن جزء كبير من التمييز بين العلم الزائف والعلم المبتدئ يعتمد على مدى تماسك الفرضيات وقربها للعلم الحقيقي من جهة والمنحى الزمني لتطورها من جهة أخرى.

مصادر

[1] Zuzana Parusniková, Robert S. Cohen, “The Difficulties with Popper’s Nontraditional Conception of Metaphysics”, Rethinking Popper, Page 410, Springer 2009, ISBN: 9781402093371

[2] Lee, Vicki L. Beyond behaviorism. Lawrence Erlbaum Associates, Inc, 1988.

[3] Costa, Claudio Ferreira. The Philosophical Inquiry: Towards a Global Account. University Press of America, 2002, Page 32, “The idea of philosophy as protoscience”.