دواء يزيد الذكاء ؟ ماذا لو وجدت حبة دواء تتناولها تجعل منك شخصاً اذكى؟ انها مثل قصة في أفلام هوليود، لكن دراسة مراجعة منهجية اشارت الى ان البحث المستمر لعدة عقود عن “حبة الذكاء” ربما حقق بعض النجاح المنشود. حيث وجد الباحثون ان المودافينيل (modafinil) يعزز من الوظائف الإدراكية العليا في الدماغ دون ان يتسبب باي اثار جانبية حادة.

مودافينيل (modafinil)، هذا الدواء يصفه الأطباء في امريكا منذ عام ١٩٩٨ لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالنوم مثل الخدر وتوقف التنفس اثناء النوم، هذا الدواء نفسه يزيد من الانتباه كما يفعل الكافيين. كما ان هناك عدد من الدراسات التي اقترحت ان هذا الدواء ربما يوفر فوائد إدراكية اخرى، لكن تلك الدراسات كانت متفاوتة. ولتوضيح ذلك الارتباك، قام باحثون من جامعة اوكسفورد بتحليل ٢٤ دراسة نشرت بين عامي ١٩٩٠-٢٠١٤ جميعها بحث في تأثير المودافينيل على الإدراك. في مراجعتهم تلك، والتي نشرت العام الماضي في العلوم العصبية الدوائية النفسية European Neuropsychopharmacology، وجدوا ان الطرق التي استعملت لتقييم عمل المودافينيل اثناء الدراسة اثرت بشكل كبير على نتائج تلك الدراسات. دراسة نظرت في تأثير هذا الدواء على اداء المهمات البسيطة – مثلاً الضغط على زر معين عند مشاهدة لون محدد – لم تكتشف الكثير من الفوائد.

مع ذلك فان الدراسات التي طلبت من المشاركين القيام بمهمات معقدة وصعبة بعد تناول مودافينيل او بلاسيبو وجدوا ان الذين تناولوا المودافينيل كانوا اكثر دقة في إنجاز المهمات، وهذا يفترض ان للدواء ربما اثر على الوظائف الإدراكية العليا – بشكل أساسي الوظائف التنفيذية وايضاً الانتباه والتعلم،” رويرد باتليدي احد المشاركين في تلك الدراسة، هو الان طبيب وطالب دكتوراه في جامعة كاليفورنيا.

مع ذلك لا تهرول باتجاه الصيدلية لتصبح اكثر ذكاءاً. رغم ان الكثير من الأطباء يصف أدوية معينة (بعيدة عن دواعي الاستطباب)  لمساعدة الناس على التركيز- استفتاء قامت به مجلة Nature عام ٢٠٠٨ وجدوا فيه ان واحد من كل خمس قراء تناولوا دواء يقوي من قدراتهم العقلية، وان نصف أولئك تناولوا بالتحديد مودافينيل – مع ذلك فانه لا يوجد تجارب طويلة المدى تبحث في كفاءة وسلامة استعمال المودافينيل. “لقد كانت الدراسات عن هذا العقار قد اجريت في ظروف علمية مسيطر عليها ونظرت فقط في تأثير جرعة مفردة” بحسب توضيح آنا كاثرين-بريم (Anna-Katharine Brem)  أخصائية الطب العصبي النفسي من جامعة اكسفورد- لذلك لا احد يعلم اذا ما كان استعماله لفترة طويلة من قبل الأشخاص الأصحاء سيكون أمناً. ولا يعرف ايضاً اذا ما كان المودافينيل سيفقد تاثيره الإيجابي هذا مع اعادة الاستعمال اكثر من مرة، تلك الظاهرة المألوفة للكثيرين من متناولي القهوة.

ايضاً يجب الأخذ بنظر الاعتبار التأثيرات الجانبية لهذا الدواء. المودافينيل يسبب الأرق، وجع الرأس ووجع المعدة عند بعض من استخدموه. بالرغم من ذلك فالمشاكل ممكن تحملها بالنسبة لمريض يحتاج للعلاج من مرض معين، “هذا الامر سيختلف بشكل كبير بالنسبة لمن لا يعاني من حالة مرضية عند مقارنة الاخطار مع الفوائد المتحصلة ” بحسب قول شارون مورن-زميز (Sharon Morein-Zamir) أخصائية النفس من جامعة كامبرج (Cambridge University)  والتي تدرس الاعتبارات الاخلاقية المرتبطة باستعمال أدوية تعزيز القدرات العقلية. وتقول شارون أيضاً “للبعض، فان الفوائد ستترجح كفتها مقارنة مع المخاطر، على الأقل لبعض الوقت، لآخرين قد لا يكون الامر كذلك”. على سبيل المثال، حبة الدواء التي تأخذها لتسهيل أداءك في امتحان، لن تضرك بالقدر الكبير اذا حصل لك بسبب تناولها الآم في المعدة”.

البحث عن دواء الذكاء

الناس ومنذ قديم الزمان مستمرون في البحث عن دواء يعزز من قدراتهم العقلية. في القرن الماضي كشفت الجهود العلمية عن مواد كيمياوية واعدة في هذا المجال، لكن فقط المودافينيل وحده اجتاز الاختبارات الصارمة الخاصة بأدوية تعزيز الإدراك.

الكافيين: واحد من اقدم وأكثر المنبهات شعبية. الناس تعرفوا على ميزات الكافيين التنبيهية منذ مئات او ربما آلاف السنين. ممكن للكافيين ان يعزز قدرات اليقظة والانتباه؛ لكن، تأثيراته تدوم لفترة قصيرة، ويفقد تاثيره هذا بعد عدة استعمالات بسرعة كبيرة.

النيكوتين : ايضا احد تلك المنبهات، يستعمل منذ مئات السنين وفي مدى واسع من الحالات الطبية. يمكن الادمان عليه بسهولة ويتسبب بعدد كبير من التأثيرات الجانبية الضارة.

أمفيتامين (بنزدرين ، اديرال): تم صناعته لأول مرة عام ١٨٨٧. بنزدرين كان اول دواء استعمل في معالجة فرط النشاط عند الأطفال. أمفيتامين يستطيع ان يعزز القدرات الانتباه والذاكرة عن طريق زيادة مستويات نوربنفرين والدوبامين في الدماغ، لكنه من الممكن ان يسبب الادمان وايضاً يتسبب بعدد من التأثيرات الجانبية، والتي تتضمن فرط النشاط، فقدان الشهية، اضطراب النوم وحتى الهوس.

مثيل فنيديت (ريتالين): تم التسويق له اول مرة علم ١٩٥٤ وتم وصفه لأول مرة عام ١٩٦٠ لمعالجة فرط النشاط. بعدها اصبح مشهوراً لمعالجة ADHD في التسعينات. كما في الأمفيتامين، فانه يعمل على تحسين التركيز والذاكرة للمصابين بالـ ADHD. بعض الأشخاص يفقدون التأثر بهذا الدواء مع الوقت.

مثبط اسيتلكولينستريز (ارسبت): تم وصفه لعلاج الزهايمر في التسعينات. لقد اظهر مقدرة على تقوية الذاكرة والانتباه عند الأشخاص الأصحاء.

مودافينيل: في الأصل يوصف لعلاج الخدر. هو ايضاً قادر على تعزيز وظائف الإدراك، خصوصاً عند الحاجة لإكمال مهمات صعبة. مع ذلك فان الخبراء لا يعلمون كيفية عمله وما هي تأثيراته الجانبية على المدى البعيد من الاستعمال.

هل يجب على كل شخص تناول أدوية مقوية للإدراك ؟

كما هو الحال مع جميع الأدوية، فان تلك الأدوية تؤثر في الناس بطرق مختلفة. بطرح الإشكاليات الاخلاقية جانباً بخصوص تلك الأدوية، نلقي نظرة هنا على مجاميع ربما تستحق الأخذ بنظر الاعتبار.

الأطفال والمراهقون: أدوية تعزيز القدرات الذهنية ممكن ان تتسبب في مخاطر فريدة تتعلق بتطور الدماغ للاطفال والمراهقين. عدد من الدراسات السريرية وجدت انه لا يوجد ضرر عند استعمال المودافينيل لمعالجة الأطفال المصابين باضطراب نقص/ فرط النشاط (ADHD)، لكن تلك الدراسات استمرت فقط لعدة أشهر، وهذا يجعل من الصعب التكهن بالتأثيرات الجانبية التي ممكن ان تظهر مع الاستعمال للمدى الطويل. في دراسة مراجعة جرت عام ٢٠١٤ لاختبار التأثيرات البايوكيميائية للمودافينيل وادوية ذكاء شائعة اخرى، لباحثون من جامعة دلوير ودراكسيل، اثارت تلك الدراسة القلق من ان استعمال تلك الأدوية ربما يؤثر على تطور قدرات الدماغ للتكيف مع المواقف الجديدة وايضاً ربما يزيد من مخاطر الادمان.

الأشخاص ذوي نسب الذكاء المنخفض: تشير الدراسات ان تلك الأدوية تعزز من قوة الأداء عند الأشخاص الذين يمتازون بمستوى ذكاء منخفض الى متوسط. تلك النتائج قادت باحثين من جامعة اوكسفورد للإشارة في ورقة بحثية في عام ٢٠١٤، الى انه اذا تم إعطاء تلك الادوية بشكل انتقائي لأشخاص يحتاجونها بشدة، فان الكثير من المخاوف الاخلاقية بخصوص استعمال تلك الادوية يمكن تخفيفها، وربما  يمكنها حتى ان تقلل من فرص عدم المساواة.

كبار السن: بعض الدراسات اشارت الى ان كبار السن قد لا يستفادوا كثيراً من استعمال تلك الادوية. احد تلك الدراسات وجدت ان ريتالين، والذي عزز الذاكرة والانتباه عند الشباب، لم يكن له اي تأثير على الأداء بين كبار السن الأصحاء والذين طلب منهم القيام بمهام إدراكية متنوعة.

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/a-safe-drug-to-boost-brainpower/