ترجمة: أسامة الأسدي

أرسطو أول من لاحظ أن الماء الحار يتجمد بصورة أسرع من الماء البارد، وقد ناضل الكيميائيون جميعاً لحل هذا اللغز، وحتى الآن.
الماء هو أحد أكثر العناصر وفرة على وجه الأرض، وأيضاً أكثرها غموضاً، على سبيل المثال فإن الماء يصبح أكثر كثافة كلما يبرد مثله مثل باقي السوائل، ولكن خلافاً لباقي السوائل عندما يصل الى درجة ٤ مئوية يبدأ ويستمر بنقصان الكثافة ثم يتحول الى جليد.
عندما يكون جليداً فهو أقل كثافة، وهو السبب الذي يجعل الجليد يطفو على الماء، كما أنه أحد الأسباب التي أدت الى ازدهار الحياة على الارض، لو كان الثلج أكثر كثافة من الماء لأنعدمت أشكال الحياة عليها، ولتجمدت البحيرات بدءاً من الاسفل الى أعلى!
نأتي الى ظاهرة “أم بي با” الذي سمي تيمناً باسم الطالب التنزاني الذي أكتشف أن خلطة الآيسكريم الحارة تتثلج أسرع من تلك الباردة، في أوائل ١٩٦٠ في أحدى فصول الطهي، لكن في الواقع هناك ممن لاحظوا الظاهرة قبل هذه الحادثة، بما في ذلك أرسطو وفرانسيس بيكون و رينيه ديكارت.
ظاهرة “أم بي با” تعني أن الماء الحار يتجمد بصورة أسرع من البارد، وقد تم تأكيد التجربة في ظروف مختلفة وعديدة وهناك تفسيرات متعددة لتفسير هذه الظاهرة، أحد هذه التفسيرات تقول بأن الاناء الحار هو موصل فعال للحرارة وبذلك وبفعل تماسه مع جهاز التبريد يعمل على أيصالية عالية وأكثر كفاءة وبالتالي تبريد أسرع، التفسير الآخر هو أن عملية تبخير الماء هي عملية ماصة للحرارة، وبالتالي فتجميد الماء يكون أسرع.
كل التفسيرات السابقة غير مقنعة تماماً وهو ما يفتح المجال لتفسيرات آخرى جديدة
واليوم تشي تشانغ من جامعة نانيانيغ التكنلوجية في السنغافورة مع عدد من زملاءه قدمو لنا تفسيراً جديداً، الدراسة تقول أن ظاهرة ام بي با سببها الخصائص الفريدة للروابط المختلفة في جزيئة الماء.
ماذا عن الروابط في جزيئة الماء؟! ما بها؟!
جزيئة الماء مؤلفة من ذرة أوكسجين كبيرة مرتبطة مع ذرتي هايدروجين عبر أواصر تساهمية، دعونا لا ننسى الأواصر الهيدروجينة التي تلعب دوراً هاما في هذه العملية، تتكون الأواصر الهيدروجينية عندما تقترب ذرة الهيدروجين من جزئية ماء معينة الى ذرة الأوكسجين من جزيئة ماء أخرى، وبذلك تؤلف معها أواصر هيدروجينية، نعم الأواصر الهيدروجينية أضعف من التساهمية، لكنها أقوى من قوى فان لاندر فال عندما تتسلق الجدران!
طالما علم الكيميائيون أنها مهمة، على سبيل المثال أن درجة غليان الماء أعلى من درجة غليان باقي السوائل المكونة من جزيئات مشابهة، وذلك بسبب قوى الأواصر الهيدروجينية في جزيئات الماء، لطالما شكلت هذه الاواصر لغزاً لهم، كمثال آخر فإن جزيئات الماء في الأنابيب الضيقة ترتبط مع بعضها البعض على شكل سلسلة بسبب وجود الاواصر الهيدروجينية، وهذه الظاهرة مفيدة جداً ولها تطبيقات عديدة، على سبيل المثال في الأشجار، فتبخر الماء من أوراق الاشجار يدفع الماء بالصعود الى الاعلى لتغذية باقي أجزاء الشجرة.
وحسب هذه الدراسة الجديدة، فإن القائمين عليها يقولون أن الاواصر الهيدروجينية مسؤولة أيضاً عن ظاهرة “أم بي با” للماء الحار، وتفسيريهم يقول بأن الأواصر الهيدروجينية تجذب جزيئات الماء الى بعضها البعض، وبسبب التنافر الطبيعي بين الجزيئات لذا فأواصر (هيدروجين – أوكسجين) تتمدد خازنة بذلك الطاقة في داخل الجزيئة، وعند تسخين الماء فإن الأواصر الهيدروجينية تتمدد أكثر وتبتعد جزيئات الماء عن بعضها البعض، وبعد ذلك تنكمش الجزيئات التساهمية وتحرر الطاقة، وهذه الطاقة المتحررة هي مكافئة لعملية التبريد، تسمى هذه الطاقة المتحررة : “التبريد الأضافي”.
لذا فعملية التبريد هذه بالأضافة الى عملية التبريد الاعتيادية تجعل ” الماء الحار” يصل الى التجمد بصورة أسرع، وهذا بالضبط ما يحدث في ظاهرة “أم بي با”.
أن القائمين على هذه التجربة قامو بحساب “التبريد الأضافي” الحاصل وقد وجدوا أنه يعادل نسبة الفرق بين الماء الحار والماء البارد.
على الرغم من أن النظرية تبدو جميلة ومقنعة، ألا انها بحاجة الى مزيد من البحث والتدقيق والتجريب، لكن هناك الكثير من الأسئلة ستطرح من قبل الفيزيائين، على سبيل المثال أن الآصرة التساهمية المنكمشة قد تشير الى وجود خاصية جديدة لجزيئة الماء والتي بدونها لن تكتمل النظرية، إن حل لغزها سيكون بمثابة رصاصة الرحمة لهذه النظرية.
ولذا يلزم على القائمين على هذه التجربة أكمال تجربتهم ودعمها بكل ما يمكن لأقناع الجميع، وإلا، ليست الا مجرد فرضية !

المصدر::
http://bit.ly/19uZ6Rn