——————-
بقلم: ويليام كريمر
ترجمة: بهاء محمد ، ريام عيسى
تصميم بوستر: بهاء محمد
———————————-في العقدين الأخيرين، نشرت العشرات من الاوراق البحثية العلمية حول أصول بيولوجية المثلية الجنسية – تم الأعلان عن أخرها الإسبوع الماضي، مما جعلهاعقيدة علمية . ولكن كيف تتناسب مع نظرية التطور لداروين؟

الأغنية الناجحة لـ ماكليمور وريان لويس “Same Love” ،التي أصبحت النشيد غير الرسمي للحملة المؤيدة لزواج (مثلي الجنس) في الولايات المتحدة، تعكس شعور الكثير من الأشخاص مثلي الجنس حول حياتهم الجنسية.

إنه يسخر من أولئك الذين “يعتقدون أنه قرار، ويمكن الشفاء منه مع بعض العلاج والدين.، وإن الإنسان هو من يختار ميوله” . وهناك أقلية من مثلي الجنس لا يوافقون على ذلك ويعتبرون أن الحفاظ على النشاط الجنسي هو بناء اجتماعي، ويشعرون بالفخر لإختيارهم شريك من نفس الجنس.

ولكن الرأي العلمي أظهر في بداية التسعينات من القرن الماضي أن الشذوذ الجنسي أكثر شيوعاً بين الاخوة والأقارب وعلى نفس الخط الأمومي، ويؤخذ العامل الوراثي على أنه السبب في ذلك. والأقارب أيضاً_ اذا كان من طريقة لإثبات ذلك_ تكون في البحث وتحديد الاختلافات في أدمغة البالغين والمثليين، ومجموعة مذهلة من سلوكيات الحيوانات المثلية الجنس.

ولكن المشكلة أن إمكانية حصول المثليين على أطفال أقل من إمكانية حصول الأشخاص العاديين، وهنا تكمن المشكلة.

يقول Paul Vasey من جامعة ليثبريدج في كندا: “وهذا هو التناقض من منظور تطوري” ويضيف “كيف لسمة مثل الشذوذ الجنسي عند الذكور أن يكون لها عنصر وراثي”

“هذا هو التناقض من منظور تطوري” يقول “Paul Vasey” من جامعة ليثبريدج في كينا ” كيف يمكن لسمة مثل الشذوذ الجنسي لللذكور، والتي تمتلك عنصر وراثي، أن تستمر على مر الزمن التطوري إذا كان الأفراد الحاملين للجينات المرتبطة بتلك السمة لم يُستنسخوا؟!!” .

لا يمتلك العلماء جواب لهذا اللغز الدارويني، لكن هناك عدة نظريات. فمن الممكن أن آليات مختلفة قد تعمل عند اشخاص مختلفين. معظم النظريات تتعلق بحوثها بالشذوذ الجنسي الذكوري. تطور “السحاق” وفهم سلوكه نسبياً – قد يعمل بطريقة مشابهة او مختلفة تماماً.

—————————————–

الجينات التي ترمز للشذوذ الجنسي تفعل اشياء اخرى ايضاً

الأليل (The allele) – أو مجموعة من الجينات- التي ترمز في بعض الاحيان لتوجه مثلي الجنس قد تمتلك في بعض الاحيان فائدة اخرى وهي تقوية القدرة على الإنجاب. وهذا من شأنه التعويض عن نقص قدرة الإنجاب عند الاشخاص مثلي الجنس وضمان إستمرار هذه الصفة، كما أن الناقلين غير المثلي الجنس للجين يورثوها للأجيال القادمة.

هناك طريقتين او أكثر تجعل من ذلك ممكناً. أحد الاحتمالات هو إن مجموعة من الجينات تمنح صفة نفسية التي تجعل الرجل يكون اكثر جاذبية للمرأة الطبيعية (غير المثلية) والنساء تكون اكثر جاذبية نحو الرجال الطبيعيين (غير المثليين). يقول غازي رحمن، المؤلف المشارك في “البيلوجيا النفسية للميل الجنسي”: ” نحن نعلم ان النساء تميل الى السلوكيات وملامح الوجه في الرجال، التي قد تكون مرتبطة مع أشياء مثل مهارات الأبوة والأمومة الجيدة او التعاطف الكبير”، لذلك تبين النظرية أن “الجرعة” المنخفضة من هذه الجينات يعزز من فرص الناقل لنجاح الإنجاب. بين الحين والأخر يتلقى أحد أفراد العائلة جرعة أكبر من هذه الجينات مما يؤثر على الميل الجنسي له/ لها، ولكن لاتزال لهذه الجينات ميزة الانجاب الشامل” الانجابية الشاملة”.

طريقة اخرى لـ “جينات مثلي الجنس” قد تكون قادرة على التعويض عن عجز الإنجاب من خلال وجود تأثير العكس في الجنس الاخر. على سبيل المثال، الجين الذي يجعل من حامله شخص منجذب نحو الرجال لديه ميزة واضحة وهي الإنجاب للمرأة. إذا كان يظهر في الشفرة الوراثية للرجل سيكون رمز للجذب من نفس الجنس، ولكن طالما أن حدوث ذلك نادراً فإن هذا الجين لا يزال يملك فائدة التطور النقي.

هناك بعض الأدلة على النظرية الثانية. اندريا كاميريو شاني في جامعة بادوفا في ايطاليا، وجدت أن الامهات القريبات من مثلي الجنس من الرجال لديهم أطفال أكثر من الأمهات القريبات من الرجال غير المثليين. والمعنى الضمني هو أن هناك آليات غير معروفة في الكروموسوم x من الشفرة الوراثية للرجال والتي تساعد المرأة في العائلة على إنجاب المزيد من الاطفال، ولكن لم يتم تكرار هذه النتائج في بعض المجموعات العرقية – لكن هذا لا يعني أنهم مخطئون فيما يتعلق بالسكان الايطاليين في دراسة ” اندرايا كاميريو شاني” .

—————————————————-

مثليي الجنس “شركاء في بناء العش”

يرى بعض الباحثين أننا بحاجة للبحث في الكيفية التي إنسجم بها المثليين في الثقافة العامة في سبيل فهم تطورهم.

وقد تركزت ابحاث Paul Vasey في “ساموا” على نظرية اختيار ذوي القربى او فرضية “المساعد في العش”، والفكرة هي أن الاشخاص مثلي الجنس يعوضون عن افتقارهم للأطفال من خلال تعزيز اللياقة البدنية للإنجاب للأخوة والاخوات، والمساهمة بالمال أو أداء أنشطة أخرى مثل مجالسة الاطفال أو الدروس الخصوصية. ويشارك بعض الاشخاص مثلي الجنس جيناتهم الوراثية مع أبناء وبنات الإخوة ، فتذهب النظرية الى أن الجينات التي تحمل الميل الجنسي تستمر بالإنتقال عبر الأجيال.

يشير بعض المشككين الى أن الأشخاص الذين يشاركون 25% فقط من الشفرة الوراثية مع أقربائهم، يحتاجون للتعويض عن كل طفل لا ينجبونه بإثنين من بنات أو أولاد الأخوة. لم يقسْ Vasey” لحد الآن مدى ما تحقق من وجود توجه جنسي يعزز معدل تكاثر الاشقاء، لكنه اثبت إن “مثلي الجنس” من الرجال والنساء في الساموا يقضون وقتاً بممارسة النشاطات كعم/ـة أو خال/ـة أكثر من الأشخاص العاديين.

يقول ” Vasey” عن استنتاجاته “لا أحد متفاجئ اكثر مني”. أبحاثه قد أظهرت في وقت سابق أن مثليّ الجنس من الرجال في اليابان لم يكونوا أكثر إهتمام وعناية تجاه أبناء وبنات الإخوة من الرجال العاديين والرجال والنساء العقماء، وظهرت نفس النتائج في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا.

ويرى “Vasey” أن نتيجة “ساموا” كانت مختلفة لأن الرجال الذين كانوا ضمن الدراسة مختلفين. درسَ fa’afafine، الذين يعرفون باسم “الجنس الثالث”، ويرتدون ملابس كالنساء ويمارسون الجنس مع الرجال الذين يعتبرون أنفسهم “طبيعيين”. وهم مجموعة من المتحولين جنسياً الذين لا يحبون أن يطلق عليه “مثلي الجنس” “gay” ” “homosexual”.

يخمنVasey أن جزءاً من السبب في أن “fa’afafine” هم الأكثر إهتماماً بأبناء وبنات الاخوة هو قبولهم في ثقافة الساموا مقارنة بمثلي الجنس من الرجال في الغرب واليابان (“لا يمكنك مساعدة أقاربك إذا كانوا قد رفضوك” ). لكنه يرى أيضاً أن هناك شيئاً متعلق بطريقة حياة “fa’afafine” وهذا يعني أنهم أكثر رغبة في أن يرعوا أبناء وبنات الاخوة، ويتوقع أنه سوف يجد نتائج مماثلة في المجموعات الأخرى من “الجنس الثالث” في جميع أنحاء العالم.

إذا كان هذا صحيح، فإن نظرية “مساعد في العش” قد تفسر جزئياً كيف السمة الوراثية لجذب اشخاص من نفس الجنس تكون بعيدة عن الإختيار. فرضية “”Vasey أدت الى التكهن بأن مثليّ الجنس من الرجال الذين يعرفون كرجال ولديهم صفات الذكورية – فإن معظم الرجال مثلي الجنس في الغرب – ينحدرون من الرجال الذين لديهم جنس عبر النوع الاجتماعي.

———————————————————

الأشخاص مثليي الجنس بإمكانهم إنجاب الاطفال

حوالي 37% من السحاقيات ومثليي الجنس وثنائي الجنس والمتحولين جنسياً في الولايات المتحدة لديهم أطفال، وحوالي 60% منهم أباء بيولوجيين. ووفقاً لمعهد وليامز فإن الأزواج مثليي الجنس ممن أنجبوا أطفال لديهم أطفال بمعدل طفلين.

قد لا تكون هذه الأرقام مرتفعة بما فيه الكفاية للحفاظ على الصفات الوراثية لهؤلاء الاشخاص، لكن عالم الأحياء التطورية جيرمي يودر يشير في منشور على مدونته أن الكثير من مثليي الجنس في عصرنا لا يعيشون حياة جنسية معلنة. وبدافع من المجتمع بالزواج وإنجاب الأطفال فإن هذه المعدلات قد ترتفع أكثر من وقتنا الحالي.

يعتمد عدد الأشخاص مثليي الجنس الذين أنجبوا أطفالاً أيضاً على تعريفنا لل”مثلي الجنس”، فالعديد من الرجال الأسوياء الذين يمارسون الجنس مع “fa’afafine” في الساموا ويمضون قدماً للزواج وانجاب الاطفال.

“فئة الجنس من نفس الجنس أصبحت منتشرة جداً من منظور تعدد الثقافات”، يقول جوان روجردن، عالم الأحياء التطورية في جامعة هاواي. “إذا ذهبت إلى الهند ووجدت شخص يوصف بـ “مثلي الجنس” “gay” أو “homosexual”، فإنهم يصفونه مباشرة على أنه غربي، لكن هذا لا يعني عدم وجود المثلية الجنسية هناك.”

وكذلك في الغرب، وهناك أدلة على أن الكثير من الناس يمرون في مرحلة من النشاط مثلي الجنس. في عام 1940، وجدت باحث الجنس ألفريد كينزي أنه بعد سنين المراهقة فقط 4٪ من الرجال البيض يصبحون مثلي الجنس، وإن 10٪ يمرون بثلاث سنوات من النشاط مثلي الجنس، و 37٪ يكونون مثلي الجنس في مرحلة ما في حياتهم.

دراسة استقصائية وطنية للمواقف الجنسية في المملكة المتحدة في العام الماضي جاءت بأرقام أقل. وجاء فيها نحو 16٪ من النساء كانت لديهن تجربة جنسية مع امرأة أخرى ( 8٪ اتصال بالأعضاء التناسلية)، و 7٪ من الرجال قالوا إنهم كانت لهم تجربة جنسية مع رجل ( 5٪ وجود اتصال بالأعضاء التناسلية).

ولكن معظم بحوث العلماء حول تطور مثليّ الجنس إهتمت بنمط الرغبة الداخلية الجارية بدلاً من تحديد ما إذا كان الاشخاص مثلي الجنس أو طبيعيين أو تحديد عدد المرات التي مارس فيها الأشخاص المثلية. يقول Vasey”الهوية الجنسية والسلوك الجنسي ليست قياس جيد للميل الجنسي، لأن الجنس عبارة عن مشاعر.”

———————————————————

ليست فقط في الحمض النووي (DNA)

يقول غازي رحمن أن (alleles) المسؤولة عن الميل لنفس الجنس توضح فقط التنوع في النشاط الجنسي البشري.

. تدخل عوامل بيولوجية أخرى متفاوتة بطبيعة الحال في الاعتبار، رجل من بين كل سبعة مثلي الجنس من الرجال سبب ميولهم الجنسية يرجع إلى “تأثير الاخ الاكبر”.

هذا ليس له علاقة بجورج أورويل، ولكن بملاحظة علاقة الأولاد مع الأشقاء الأكبر يتبين أن الأولاد يكونوا أكثر عرضة ليصبحوا مثليي الجنس، ومع كل أخ أكبر تزيد فرصة زيادة المثلية الجنسية بنسبة الثلث. لا أحد يعرف لماذا يحدث هذا، ولكن هناك نظرية واحدة لتفسير ذلك، هي أنه مع كل ولادة مولود ذكر، فإن جسم المرأة يشكل رد فعل جهاز المناعة للبروتينات التي لها دور في تطور دماغ الذكور. لأن هذا لا يأتي إلا بعد ولادة العديد من الأشقاء – ومعظمهم من جنسين مختلفين وتستمر بإنجاب أطفال – لم يتم إستبعاد هذه النزوة قبل الولادة من قِبل التطور.

التعرض لمستويات غير عادية من هرمون قبل الولادة يمكن أن يؤثر أيضاً على الحياة الجنسية. على سبيل المثال، تعرض الأجنة الإناث لمستويات أعلى من هرمون التستوستيرون قبل الولادة تبين ارتفاع معدلات “السحاق” في وقت لاحق. تشير الدراسات إلى أن النساء السحاقيات والرجال لديهم فارق أصغر في الطول بين أصبعي السبابة والبنصر- علامة على التعرض لهرمون تستوستيرون قبل الولادة. وعند السحاقيات تم العثور على فارق أقل وضوحاً.

الإخوة من جنس مختلف في التوائم المتماثلة تشكل مسألة صعبة ايضاً. فقد وجدت الأبحاث أنه إذا كان التوأم المتماثل مثلي الجنس، فإن حوالي 20٪ فرصة أن يكون الأخوة لهم نفس الميول الجنسية. في حين أن هذا الاحتمال أكثر عشوائية، انها أقل مما تتوقع لشخصين لهم نفس الشفرة الوراثية.

يقول ويليام رايس، من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، أنه قد يكون من الممكن تفسير هذا من خلال النظر ليس في الشفرة الوراثية ولكن في الطريقة التي يتم معالجتها. أشار رايس وزملاؤه إلى الجهود الناهضة في ميدان علم التخلق، الذي يدرس “epimarks” (علامات برنامج التحصين) التي تقرر أجزاء من الحمض النووي لدينا والتي تعمل على تشغيله أو إيقاف تشغيله. تنتقل = Epimarks إلى الأطفال ولكن في أحيان قليلة فقط. يعتقد رايس أن الأجنة الإناث توظف epimark مما يجعلها أقل حساسية لهرمون تستوستيرون. انها ليست عادة موروثة، ولكنها موجودة، مما يؤدي إلى تفضيل المثلية عند الاولاد.

الدكتور وليم باين، محرر في مجلة المثليين الصحة(LGBT)، يعتقد أن الحياة الجنسية قد تصبح فطرية، ولكنه يعتقد أيضاً أنها ستكون أكثر تعقيداً مما يتوقعه بعض العلماء. ويلاحظ أن توريث المثلية الجنسية هي مماثلة لطلب الطلاق، ولكن “الباحثين في العلوم الاجتماعية لم بحثوا عن” جينات الطلاق “. بدلاً من ذلك ركزوا على توريث الصفات المزاجية التي قد تؤثر على احتمالات الطلاق.”

يقول غازي رحمن: إن وسائل الإعلام تبسط النظريات الوراثية للحياة الجنسية، مع تقاريرها لأكتشاف “الجين مثلي الجنس”. وقال إنه يعتقد أن النشاط الجنسي ينطوي على عشرات أو ربما مئات من (alleles) التي ربما سيستغرق عقود لإكتشافها. كما قال “حتى لو كانت ممارسة الجنس بين الجنسين أكثر فائدة من الناحية التطورية من الجنس عند مثلي الجنس، فإن الجينات هي التي تحددها عند مثليي الجنس والأشخاص الطبيعين على حد سواء.

المصدر: http://www.bbc.com/news/magazine-26089486