تأثير المجرب أو تأثير المختبِر هو مصطلح يصف أي تلميحات أو إشارات غير ملحوظة من جانب المختبِر، و التي تؤثر على استجابات أو ردود أفعال المشاركين في تجربة ما. قد تكون هذه التلميحات إشارات غير شفهية لا واعية مثل توتر في العضلات أو إيماءات، أو قد تكون تلميحات شفهية مثل نبرة الصوت. بيّنت الأبحاث أن توقعات وانحيازات المجرِّب يمكن إيصالها بشكل غير مقصود وغير ملحوظ إلى الأشخاص الذين يخضعون للتجربة، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على النتيجة النهائية للاختبار.

وجد روبرت روزنتال (Robert Rosenthal) أن مجرد حدوث تغييرات طفيفة (تغيير نبرة الصوت، إيماءات دقيقة، تغييرات بسيطة في وضعية الجسد) في التعليمات المعطاة لكل من المجموعة الضابطة والمجموعة الإختبارية يمكن أن يؤثر على المشاركين وبالتالي على نتيجة التجربة.

يمكن لاختبارات التعمية المزدوجة (Double-blind experiments) أن تقلّل من تأثيرات المجرِّب. مثلا: سيتوجب على المختبِر الذي يعمل لدى شركة أدوية تحاول إنتاج دواء جديد للاكتئاب أن يدع مهمة ترتيب المشاركين إلى مختبِر آخر، هذا الأخير يقسِّم المشاركين عشوائيا إلى مجموعتين: مجموعة تحصل على الدواء الجديد، ومجموعة تحصل على دواء بدون فعالية، ولا يتم إخبار المشاركين إلى أي مجموعة ينتمون لأنّ توقعاتهم قد تؤثر على نتيجة التجربة. يحتفظ المشرِف على ترتيب المشاركين بالمعلومات المتعلقة بمن ينتمي للمجموعتين، ولا يجب أن يكون هو الشخص ذاته الذي يوزّع أقراص الدواء على المختَبَرِين. الشخص الذي يقدِّم الدواء و يحتفظ بالسجلات عن تأثيرات الدواء لا يجب أن يعرف انتماء المشاركين. باستخدام هذه الطريقة سيقلّ أي تحيز من جانب المختبِر. يمكن أن يتم كشف معطيات الاختبار فقط بعد أن تختتم التجربة، لكن هناك بطبيعة الحال استثناءات لهذه القاعدة كحدوث أشياء خارجة عن المألوف مثل: وفاة العديد من المرضى جراء نوبات قلبية أو انغماسهم في نوبات تسوق هوسي. في مثل هذه الحالات يمكن إيقاف التجربة و كشف معطيات الاختبار للمشاركين لمعرفة ما إذا كان الدواء الجديد سببا وراء هذه المضاعفات.

يمكن أن يفسِّر تأثير المجرِّب لماذا يمكن إجراء تجارب ناجحة من قبل شخص واحد فقط أو مجموعة محدودة من الأشخاص، بينما يفشل الآخرون مرارا في محاولاتهم لتكرار نفس النتائج. طبعا هناك أسباب أخرى وراء عدم إمكانية تكرار نفس الدراسات التجريبية، فقد يكون المجرِّب الأول قد ارتكب أخطاء في تصميم و ضبط الإختبار، أو في العمليات الحسابية، أو قد يكون زيَّف النتائج التي توصّل اليها.

من بين ميادين الأبحاث الذي فشل على الدوام في تحقيق نتائج تجريبية قابلة للتكرار، على الرغم من أن مناصريه كانوا يحاولون القيام بذلك لأكثر من قرن، الباراسيكولوجي /  خوارق اللاشعور. يطلق المتشكِّكون عدة اتهامات (التزوير، عدم الكفاءة، الأخطاء) ضد المتخصّصين في هذا المجال. ومع ذلك، فهذه الاتّهامات لا يبدو أنها تقتصر على هؤلاء المتخصّصين وحدهم، إذ هناك أمثلة لمثل هذه التجاوزات يمكن العثور عليها في ميادين العلوم الأخرى.

ما الذي يفسر إذن الفشل المستمر في تكرار نتائج دراسات الباراسيكولوجي ؟. حاول بعض الباحثين تفسير عدم القدرة على تكرار هذه التجارب من خلال الزعم أن نتائجها تعتمد بدرجة كبرى على معتقدات وآراء المختبِرِين، لذلك فهم يقسمون المشرِفين على تجارب الباراسيكولوجيا إلى صنفين: مجموعة مشجِّعة و مجموعة مُثبِطة؛ تضمّ المجموعة الأولى أولئك الذين يميلون إلى الحصول على نتائج إيجابية خلال تجاربهم، وتضم  المجموعة الثانية أولئك الذين يصلون إلى نتائج تفند وجود قوى روحية خارقة. وقد وجدت الدراسات على هذين الصنفين من المختبِرين أن المنتمين للمجموعة المشجِّعة يعطون انطباعا على أنهم أكثر حماسا، أكثر دفئا، وأقل أنانية من نظرائهم الذين ينتمون للمجموعة المثبِطة. هذا الإختلاف في اعتقادات وصفات المختبِرِين، و إن كان صحيحا، لا يبرر الإيمان بوجود قوى روحية خارقة. فماذا لو وجدنا أن كل الباحثين المتحمّسِين يؤمنون بوجود زيوس بينما المتشكّكين لا يفعلون؟ هل يبرّر هذا الإعتقاد بوجود زيوس؟. أو كما عبر عن ذلك عالم النفس جيمس ألكوك (James Alcock) : يمكن أن أفترض أنّ زيوس موجود و يحبّ أن يتلاعب بالمتخصّصين في الباراسيكولوجيا، وذلك بأن يمدهم بنتائج إيجابية من وقت لآخر لكنه لا يسمح بتكرار هذه النتائج خارج ميدان الباراسيكولوجيا. تلك النتائج الإيجابية التي تم التوصّل إليها تدعم فرضيّتي عن وجود زيوس بنفس القدر الذي تدعم به فرضية وجود قوى روحية خارقة.

قد يبدو لبعض المتشكِّكين أن فكرة الحصول على نتائج إيجابية في أبحاث الباراسيكولوجيا، فقط من طرف المختبِرِين الذين يؤمنون بوجود قوى روحية خارقة، تشكِّل عقبة أمام إنشاء أبحاث في هذا المجال بنفس مستوى أبحاث المجالات العلميّة الأخرى. لكن هناك رأي أكثر إشكالية أدلى به العديد من المشتغلين بهذا الميدان وهو أن القدرات الرّوحية للمجرِّب قد تؤثر بشكل مباشر على القدرات الروحية للأشخاص الخاضعين للتجربة. في سنة 1976، قدّم كينيدي و تادونيو تعبيرا جديدا-التأثير الباراسيكولوجي للمجرِّب- للإشارة إلى القوى الروحية التي تؤثر بشكل غير مقصود على نتيجة تجريبيّة ما، بطرق تتماشى مع احتياجات ورغبات المجرِّب و توقّعاته.

ينبِّه ألكوك إلى أن الإحتكام إلى هذا التأثير كوسيلة لتفسير عدم الإنتظام الذي يميّز محاولات تكرار تجارب الباراسيكولوجيا هو محض تهرّب من الإشكالات التي تواجه هذا الميدان، ويعبّر عن ذلك بقوله: عندما يكون هناك فشل في تكرار نتيجة ما، من غير المناسب التورّط في سَوق حجج دائرية تضع لهذا الفشل تسمية جديدة -التأثير الباراسيكولوجي للمجرِّب- ثم الإشارة بشكل ضمني إلى أن هذا المعطى الجديد يفسّر هذا الفشل. وبما أنه لا توجد طريقة أخرى لتعيين أو تحديد هذا التأثير فإنه لا توجد لديه أي قيمة تفسيرية تذكر، واستخدامهِ كَتفسير محتمل لا يؤدي سوى إلى تكرار نفس المعنى. فبالاستعاضة عن “التأثير الباراسيكولوجي للمجرِّب” يمكن أن نقول أن العجز عن تكرار النتائج قد يكون إشارة إلى أن أحد الباحثين فشل في التوصّل إلى نفس النتائج التي انتهى إليها باحث آخر. يستثني هذا المنطق الدائري جانبا مثمرا من البحث يتعلّق بِفهم الأسباب التي قد تفسر حصول المجرِّبِين على نتائج مختلفة، عوض الإحتكام للتفسير الباراسيكولوجي.

لا يعتقد ألكوك أن تمكّن الباحثين المنتمين إلى المجموعة المشجِّعة فقط من تكرار نفس نتائج الأبحاث دون باقي الباحثين الآخرين أمر يبشِّر بالخير بالنسبة للباراسيكولوجيا كموضوع بحث علمي، إذ يرى أنها ستكون مجازفة خطرة إذا ما تم إرخاء قواعد المنهجية العلمية التي تساعد على التخلص من الخطأ، الوهم الذاتي، والتزييف من أجل قبول مطالبات تنتهك المبادئ الأساسية للعلم كما نعرفها. أو كما قال ماثيو سميث: إذا كان لا يُتوقع نجاح الباحثين المشكِّكين الذين يرغبون في تكرار نتائج أبحاث الباراسيكولوجيا بسبب اعتقاداتهم المسبقة عن هذا المجال، إذن فلا يمكن اعتبار الباراسيكولوجيا فرعا علميّا صحيحا.

المصدر:

Todd Carroll, “experimenter effect”, Skeptic dictionary, 21-Nov-2015