الميتوكوندريا او ما يعرف ببيوت الطاقة هي كيان آخر داخل الخلية لها حمضها النووي الذي يتم تناقله عبر الأمهات ومن أم الى ابنتها منذ مرحلة سحيقة من تاريخ الكائنات الحية تبدأ في الأسماك (اقرأ او استمع للحوار مع علي البهادلي العالم المختص في الميتوكوندريا). ومثل الحمض النووي للكروموسوم واي، الذي ينتقل عبر الاب لأبنه بشكل مستمر ومع معدل معين من الطفرات فإن الحمض النووي للميتوكوندريا يمكن أيضاً أن يعطي مفهوماً للسلالة لكن المفهوم هنا غير تقليدي بالنسبة لمفهومنا الحالي للسلالات فهو عابر لخطوط الأمهات لا الآباء. وبما أننا نتكلم عن خط يعود بالقدم الى الأسماك، بل حتى في بعض النباتات والفطريات، فإن تأريخ سلالات الحمض النووي للميتوكوندريا يجب أن يبدأ من أقرب نقطة ذات صلة، اقدم مجموعة فردانية للميتوكوندريا (أو صبغي) نعرفها للإنسان العاقل تسمى المجموعة L (Haplogroup L).

الحمض النووي لحواء

في مقال سابق ناقشنا الحمض النووي لآدم، ومثلما كان يقصد بآدم الانسان الأول رمزياً فإن المفهوم ذاته ينطبق على الحمض النووي للميتوكوندريا لحواء. لا يعني ذلك أن العلم يشير لحواء بذات المفهوم الديني فليس هناك انسان أول بل هناك خط من ملايين السنين يتصل بشكل تدريجي مع القردة العليا التي بدورها ترجع لحيوانات اقدم.

ليس هناك تاريخ محدد بدقة لأقدم حمض نووي ميتوكوندري متوقع للإنسان العاقل[1] فالأمر محل خلاف، غير أن الدراسات تجمع على فترة تسبق المئة الف سنة الحالية الى الفترة التي تسبقها والتي تنتابها أيضاً فترة جليدية طويلة تمتد من 195 الف سنة تقريباً حتى 135 الف سنة. مثلاً حددت احدى الدراسات الفترة بين 99 الف سنة الى 148 سنة قبل الآن[2] وهناك دراسات أخرى تقدر تاريخاً أبعد من ذلك.

اكتشف الحمض النووي الميتوكوندري لحواء على يد ريبيكا كان (Rebecca Cann) وزملاءها كل من مارك ستونكنك (Mark Stoneking) وآلان ويلسون (Allan Wilson) حيث نشروا بحثهم عام 1987[3] والذي اعتمد على عزل الحمض النووي للميتوكوندريا من خلايا مشيمة حوالي 140 امرأة، مما مكنهم من اشتقاق الشجرة الجينية للنساء وبالتالي توقع الجذر الأقدم لتلك الشجرة كما قدروا موقع تلك المرأة بأنه في أفريقيا[4]. ورغم أن ذلك البحث قد ناله الكثير من النقد خصوصاً حول احتساب التاريخ[5]، غير أن السبق يبقى له في هذا الاكتشاف.

غير أن الملاحظة الهامة التي يجدر أخذها بنظر الاعتبار وهي تنطبق على السلالات الذكرية أيضاً، هي أن وجود الحمض النووي لحواء لا يعني بالضرورة وجود امرأة واحد في النهاية تتفرع منها البشرية. حين الاطلاع على مفهوم تأثير المؤسس والحوض الجيني المحدد نجد أن في ذلك مخاطر عديدة قد تنهي الذرية القادمة، لذا يعتقد ان البشرية لم تمر يوماً بطور كهذا وأن تخمين الحمض النووي لحواء أو آدم يشير الى مجموعة كبيرة أولية من الأشخاص وليس شخص واحد[6].

والفكرة الأخرى أن التحليل القائم على الحمض النووي للميتوكوندريا ليس بالضرورة ان يرجع حواء تلك (او المجموعة تلك من النساء) لذات الزمن الذي خمن فيه العلماء تواجد المجموعة الذكرية الأقدم، فنمط الطفرات الذي يقود هذه الحسابات مختلف وان النتائج القادمة تعتمد فقط على تلك الحسابات. بلا شك هناك فترة كان فيها الانسان العاقل بذكوره واناثه مشابهاً لما هو عليه الآن ويمكن تأريخ تلك المرحلة بالمرحلة الأولى لكن قد لا نستطيع أن نرصد تلك المرحلة بدقة في كل من الخطين وعبر هذه الحسابات. تشير الحسابات التي نتوقع من خلالها الحمض النووي لآدم او حواء الى مجموعة كبيرة وآلاف من السنوات المحتملة.

المجموعة الفردانية او الصبغي L للميتوكوندريا

فيما يعتبر الصبغي L رمزياً للإشارة الى الحمض النووي لحواء (الافتراضي) فإن تفرعاته تعرف بأرقام تترواح بين L0-L6 وتمثل ما تم العثور عليه في الاحافير المختلفة وما يتواجد اليوم، أي أنه ليس افتراضياً. تقسم المجاميع الى فرعين الفرع 0 المعروف بـ (L0) والفرع (L1-6) والذي يتفرع بدوره الى 6 فروع مختلفة. وبشكل عام فإن مجاميع الحمض النووي من هذا الصنف تتواجد بشكل واسع فقط في أفريقيا، فيما تتواجد بنسب قليلة أقل من 15% واحياناً اقل من 5% في الأقاليم القريبة لافريقيا. كما تتواجد في السكان الافارقة المتواجدين في أقاليم أخرى عدا افريقيا مثل البحر الكاريبي وامريكا الشمالية.

يتواجد الفرع 0 (L0) بشكل رئيسي في شعب الخويسان الصائدون الجامعون في افريقيا والذين تتواجد فيهم أيضاً المجموعة الفردانية A للكروموسوم واي. وتتواجد لدى هذا الشعب الفروع الأقدم من هذا الفرع[7]. أما بقية الفروع فتتواجد في مختلف انحاء افريقيا عدا مناطق الحبشة والسودان وشمال افريقيا حيث تتواجد أصناف الخارجين من أفريقيا M و N بنطاق واسع. تنتشر الفروع 5 و6 في شرق افريقيا بشكل رئيسي ويتداخل الفرع 6 مع اليمن بشكل كبير، ويقع الفرع 4 الى الجنوب قليلاً في تنزانيا، أما الفرع 3 فيعد السلف للفرعين N وM للنساء الخارجات من أفريقيا قبل حوالي 70 الف سنة[8]. اما الفروع 1 و2 فتنتشر في كافة انحاء افريقيا.

عثر باحثون من خلال تحليل الحمض النووي للنياندرتال على نسبة تصل الى قرابة الثلث من الحمض النووي المشترك للميتوكوندريا بين النياندرتال والانسان العاقل[9]. يرجع ذلك الى التخالط عبر تزاوج النياندرتال مع نساء البشر الخارجين من أفريقيا في فترة الخروج من افريقيا قبل 70 الف سنة الى قبل 30 الف سنة غير أن الدراسة لم تذكر المجموعة الفردانية وعلى الأرجح فقد تكون من المجاميع الخارجة من أفريقيا. وبالكيفية ذاتها فإن هناك آثار لجينات النياندرتال في البشر عدا الافارقة بالحمض النووي بشكل عام وفي الحمض النووي للميتوكوندريا.

المراجع

[1] Fu, Qiaomei, et al. “A revised timescale for human evolution based on ancient mitochondrial genomes.” Current biology 23.7 (2013): 553-559.

[2] Poznik, G. David, et al. “Sequencing Y chromosomes resolves discrepancy in time to common ancestor of males versus females.” Science 341.6145 (2013): 562-565.

[3] Pakendorf, Brigitte, and Mark Stoneking. “Mitochondrial DNA and human evolution.” Annual review of genomics and human genetics 6.1 (2005): 165-183.

[4] Gitschier, Jane. “All About Mitochondrial Eve: An Interview with Rebecca Cann.” PLoS Genetics 6.5 (2010): e1000959.

[5] Gibbons, Ann. “Mitochondrial Eve: wounded, but not dead yet.” Science 257.5072 (1992): 873-875.

[6] Takahata, Naoyuki. “Allelic genealogy and human evolution.” Molecular biology and evolution 10.1 (1993): 2-22.

[7] Atkinson, Quentin D., Russell D. Gray, and Alexei J. Drummond. “Bayesian coalescent inference of major human mitochondrial DNA haplogroup expansions in Africa.” Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences 276.1655 (2009): 367-373.

[8] Soares, Pedro, et al. “The expansion of mtDNA haplogroup L3 within and out of Africa.” Molecular biology and evolution 29.3 (2012): 915-927.

[9] Briggs, Adrian W., et al. “Targeted retrieval and analysis of five Neandertal mtDNA genomes.” Science 325.5938 (2009): 318-321.