هل سمعت بالبروتين كمصدر للطاقة من قبل؟ يبدو الأمر غريباً، لكن هذا ما يحدث فعلياً في جسمنا في حالات عديدة. حالما تنخفض الكربوهيدرات في التغذية فإن الجسم سيبدأ بالتوجه إلى مخزونه من الجلايكوجين. لكن ماذا سيحدث عندما ينفذ هذا الأخير؟ أيفترض بالجسم أن يتجه للدهون بشكل مباشر؟
في الحقيقة إن الأمر ليس بهذه البساطة وليس كما يحلو لنا أن نختار، سيتم التوجه إلى الدهون بالتأكيد لكننا لن نرى أن السكريات ستنعدم في الدم! من أين ستأتي السكريات إذاً؟ سيقوم الجسم بتصنيع السكريات من الوجبات عالية البروتينات ومن الأحماض الأمينية الموجودة في الدم ومن العضلات أيضاً. وليست الأحماض الأمينية هي العنصر الوحيد الذي سيستخدمه الجسم في صناعة السكريات (gluconeogenesis) بل سيستخدم مواد أخرى مثل حامض اللبنيك الذي يأتي من العضلات أثناء الجهد العضلي ومثل الغليسرين الذي يضاف لبعض الأغذية.
للاطلاع على بقية مقالات السلسلة:
هل يُفكك الجسم العضلات أيضاً للحصول على السكريات؟
يحصل الكبد على الأحماض الأمينية من مختلف الأنسجة في الجسم وعلى رأسها العضلات الهيكلية ليقوم بتشكيل السكريات بواسطتها (gluconeogenesis) وذلك اثناء القيام بالتمارين الرياضية[1] واثناء حالات الجوع الشديد وانعدام الطاقة (starvation)[2]. تُفسر صور الذين يقومون بالإضراب عن الطعام أو صور المجاعات هذه الحالة، حيث يُمكن مشاهد الضمور التام للأنسجة العضلية، غير أن هذا لا يعني أن تفكيك الأنسجة العضلية يحدث اثناء المجاعات والإضراب عن الطعام فقط فكما ذكرنا يحدث ذلك اثناء التمارين أيضاً. حتى في حالات الصيام يُمكن ملاحظة تفكيك الأنسجة العضلية للحصول على البروتين المطلوب للقيام بعملية تشكيل السكريات. يُمكن أيضاً ملاحظة هذا الارتفاع عند القيام بحميات قليلة الكاربوهيدرات او الحميات منعدمة الكاربوهيدرات. يحدث الأمر أيضاً عند التوتر وارتفاع مستويات الكورتيزول[3].
كيف نستدل على حدوث عملية تشكيل السكريات من البروتينات؟
يمكن ملاحظة ذلك من خلال ارتفاع خسارة النيتروجين في البول. في تجربة قام بها باحثون المان قام المتطوعون بالصيام لستة أيام وكان منهم بدناء ومنهم اشخاص بالوزن المثالي. لوحظت أعلى نسبة من الاعتماد على البروتين لدى الرجال غير ذوي الزيادة في الوزن حيث اعتمدت اجسامهم على نسبة 15% على البروتين فيما كان الاعتماد على البروتين عند أدنى مستوى لدى النساء البدينات (5%)[4] ولا يعني هذا أن نتائج الدراسة قابلة للتعميم على القارئ فظروف الأشخاص المختلفة يُمكن ان تسبب اختلافاً في الاعتماد على البروتين.
هل هذا يعني أن علينا تناول الطعام طيلة الوقت وعدم القيام بأي حمية تتضمن الصيام أو تقليل الكربوهيدرات للحفاظ على أنسجتنا العضلية؟
لا يُمكن أن نفسر آليات عمل الجسم بطريقة قائمة على المنطق الحسابي، في نفس الوقت الذي نرى فيه حدوث تفكك العضلات عند الظروف المذكورة في السؤال السابق فإن هناك عوامل إيجابية أخرى تحسن من النمو العضلي ترافق حمية الكيتو والصيام. لذا يُفضل الاعتماد على الدراسات الشاملة التي تختبر زيادة حجم العضلات تحت ظروف حميات مختلفة بدلاً التفكير بجانب واحد من الأمر. مع ذلك، ورغم أننا لا نأخذ ممارسات الرياضيين كمصدر للمعلومات بالضرورة فإننا نجد الرياضيين في الرياضات الحقيقية مثل رياضة رفع الأثقال يتناولون كميات كبيرة من الطعام ويضحون بالرشاقة في سبيل نيل أكبر كتلة عضلية ممكنة، تطرقنا لذلك في المقارنة بين بناء الأجسام والرياضات الحقيقية الأخرى.
وهل يقوم الجسم أيضاً بتحويل البروتين الذي نتناوله إلى سكريات؟
يحدث هذا ايضاً، ويعتمد الأمر على عوامل عديدة مثل كمية البروتين ونوع البروتين الذي نتناوله والحمية التي نقوم بها. شرحنا جانباً من هذا الأمر في المقال السابق المنشور في العلوم الحقيقية هوس البروتينات. يُمكن ملاحظة هذه الظاهرة بوضوح لدى مرضى السكري من النوع الأول حيث يرتفع مستوى السكر في الدم لديهم في حال تناول كمية كبيرة جداً من البروتينات في الوجبة[5].
كم غراماً من السكريات تتولد من المئة غرام من البروتينات؟
ليس هناك رقم ثابت لكن احدى الدراسات التي استشهدنا بها وجدت أن نصف المقدار تقريباً أي 50 غرام سكريات يمكن تكوينها من 100 غرام من البروتينات، وتدخل السكريات الناتجة من البروتينات إلى مجرى الدم بعد 3-4 ساعات من الأكل. غير أن هذا يعتمد على عوامل محددة وليس بالضرورة أن يحدث لكل شخص ومع كل وجبة بروتين. السؤال إذاً مقيد من الأساس بعوامل أخرى.
فيما عدا ارتفاع الكورتيزول ما الذي يُمكن أن يرفع من معدل تحويل البروتينات إلى سكريات؟
انخفاض الانسولين في الجسم يؤدي إلى حدوث عملية أكسدة الأحماض الأمينية وتحويلها إلى سكريات بشكل أكبر. تظهر الحالة بوضوح لدى مرضى السكري – وهم فئة مثالية لدراسة هذه الحالة – الذين تم إيقاف الانسولين عليهم لـ 24 ساعة حيث ازداد معدل تفكيك البروتينات بـ 3-4 أضعاف[5].
العضلات لديها مصدرها للطاقة وهو الجلايكوجين فلماذا نحتاج إلى عملية أخرى لتكوين السكريات عبر حامض اللبنيك؟
لا يُمكن أن نفهم ستراتيجية الجسم في الحصول على الطاقة بسهولة ولا يُمكن تبسيط الأمر وكأنه عملية حسابية بسيطة. إحدى العمليات التي يحدث فيها تكوين الجلوكوز هي ما يُعرف بدورة كوري (Cori cycle) نسبة إلى مكتشفها عالم الأدوية التشيكي كارل كوري (له أعمال مع زوجته في أبحاثهما حول الأمر وقد حصلا على جائزة نوبل). ما يحدث في هذه الدورة مثير للإهتمام جداً وهو ببساطة عملية تدوير لحامض اللبنيك (Lactate) حيث تفرز العضلات حامض اللبنيك أثناء القيام بالجهد العضلي فيتم تحويله من قبل الكبد إلى سكريات لينتج عن ذلك 6 جزيئات من الادينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) فضلاً عن جزيئة جلوكوز مقابل كل جزيئتين من حامض اللبنيك، ومن ثم يعاد تحويل الأخير من قبل العضلات إلى حامض اللبنيك وينتج عن ذلك جزيئتين من الادينوسين ثلاثي الفوسفات.
زوجان وكوري وحصلا على جائزة نوبل، ما هذه المصادفة؟
مصادفة كبيرة رغم أن اللفظ وطريقة الكتابة تختلف مع العالمين بيير وماري كوري. حصل الزوجان كارل وغيرتي كوري على جائزة نوبل في الطب للعام 1947 لاكتشافهما الطريقة التي يتحول بها الجلايكوجين إلى حامض اللبنيك في العضلات كنوع آخر من الطاقة المختزنة في العضلات. كما اكتشف الزوجان الانزيم المحفز على هذه العملية.
المصادر:
[1] Bergman, Bryan C., et al. “Endurance training increases gluconeogenesis during rest and exercise in men.” American Journal of Physiology-Endocrinology And Metabolism 278.2 (2000): E244-E251.
[2] Watford, Malcolm. “Starvation: metabolic changes.” eLS (2015): 1-7.
[3] Marik, Paul E., and Rinaldo Bellomo. “Stress hyperglycemia: an essential survival response!.” Critical care 17.2 (2013): 1-7.
[4] Göschke, H., M. Stahl, and H. Thölen. “Nitrogen loss in normal and obese subjects during total fast.” Klinische Wochenschrift 53.13 (1975): 605-610.
[5] Franz, Marion J. “Protein controversies in diabetes.” Diabetes Spectrum 13.3 (2000): 132.