من كتاب
(فايروس الأله.. كيف يُصيب الدين حياتنا وثقافتنا)
تأليف: ديريل ري
2009
ترجمة: واثق غازي
2013
المتدينون والأخلاق
دراسة بعد دراسة خلال العشرون سنة الاخيرة بينت أن ليس هناك علاقة بين التمسك بالقيم الأخلاقية والتدين [1] [2]. سوف نقوم بتوضيح بعض هذه الابحاث، ولكن أولاً دعونا نحدد المشهد الراهن الخاص بعلاقة الدين بالأخلاق.
أغلب الناس يدعون أنهم أكثر أخلاقاً بسبب دينهم. حتى الآن، فأن أغلب الناس المتدينون الذين لاحظتهم يبدون لي بأنهم ليسوا أكثر أخلاقاً من أولئك الناس غير المتدينين، برغم من إدعاء المتدينين بأنهم أكثر أخلاقاً. يبدو أن الناس المتدينين يكسرون الوصايا العشر بنفس المقدار الذي يفعله أولئك الذين لم يذهبوا إلى الكنيسة ابداً، ولكن علينا أن نضع ذلك في أطار من الاختبار الاحصائي. على سبيل المثال، من يمارس الطلاق أكثر؟ من يرتكب جرائم ويذهب إلى السجن أكثر؟ من يحنُ على المحرومين أكثر؟ هذه قد تبدوا تخمينات صارمة لقيم اخلاقية نسبية.
إذا ادعى شخص ما بأن الدين جعل منه أكثر أخلاقاً، فأني سوف اسأله (كيف تُثبت ذلك؟). فحوى الجواب يكون عادة بالشكل الآتي: (التدين يساوي القيم الأخلاقية). الشخص الأكثر تديناً هو الأكثر أخلاقاً في نظر نفسه، وربما في نظر الناس المتدينين الآخرين الذين يحملون نفس الإيمان. المقياس لدى المتدينين هو أي شيء ماعدى الموضوعية. عملياً، الناس يجدون صعوبة في ايجاد مقياس للقيم الإخلاقية. لذلك فأن الدين يجعل شخصاً ما يشعر بأنه أكثر أخلاقا بدون أن يراعي الواقع الموضوعي.
المعمدانيون، والكاثوليك، والناصريون، والمسلمون جميعهم يدعون بأن دينهم جعلهم أكثر أخلاقاً. أذا كان هذا صحيحاً، فأننا نتوقع أن نرى بعض دلائل ذلك في الاحصائيات المتوفرة بكثرة عن الجريمة والخدمة الصحية والطلاق، وكما مبين فيما يلي.
(1) الجريمة والدين:
العديد من مواعظ يوم الأحد تَسخر من فسوق الملحدين أو العلمانيين. مع ذلك فأن الذين يصفون أنسفهم بالملحدين غير موجودين في السجون تقريباً. الذين يصفون أنفسهم بأنهم معمدانيون أو تبشيريون أو كاثوليك أو مسلمون تكون نسبتهم في السجون مساوية تقريباً إلى نسبة كل منهم من مجموع السكان. ليس هناك أي دليل احصائي يشير إلى أن الإنتماء الديني يقلل من السلوك الاجرامي. المعمدانيون يرتكبون الجريمة بنسبة مماثلة تقريباً لنسبتهم الكلية من العدد الاجمالي للسكان. الشيء نفسه صحيح بالنسبة للكاثوليك والميثودست وغيرهم الكثير.
يبدو أن المجموعة الوحيدة التي تُمثل داخل السجون بنسبة أقل من عددها الكلي هي المجموعة التي تصف نفسها بالملحدين واللاأدريين [3]. أحدى الدراسات وجدت أن نسبة الملحدين في السجون هي 0,5% من مجموع السجناء في كافة الولايات المتحدة التي تشكل نسبة الملحدين فيها من 6% إلى 10% من المجموع الكلي للسكان، وهذا يعني أن نسبتهم في السجون أقل بـ 70% من مجمل عددهم. بعض السجون تخلوا من الملحدين على الاطلاق [4]. أوربا، التي بها أعلى نسبة ملحدين، لا تملك تقريباً معدل الجرائم الذي تملكه الولايات المتحدة. الوثنيون واتباع طائفة الويكا (Wicca)، الذين يوصفون من قبل المسيحيين بأنهم غير اخلاقيون لأنهم لا يعبودن إله المسيحين، لا يشكلون نسبة أعلى في عدد السجناء. إذا كان السلوك الاجرامي هو مقياس دقيق للقيم الأخلاقية، فإن العديد من المجموعات غير المتدينة أو غير المؤمنة حتى، تبدو أنها تملك قيم أخلاقية مساوية على الأقل للمسيحيين. الخلاصة، ليس هناك دليل على أن الدين أو التدين يملكان تأثيراً ايجابياً في تقليل نسبة الجرائم.
(2) الخدمة الصحية والدين:
دراسة نشرت في سجلات الطب العائلي (Annals of Family Medicine) فتشت عن الاختلافات بين الأطباء الأكثر تديناً والأطباء غير المتدينين الذين يُعالجون الفقراء أو المحرومين [5]. النتيجة كانت أن (الأطباء الأكثر تديناً لا يُظهرون عناية كافية بالمحرومين). في هذه الدراسة، نسبة 31% من الذين يُظهرون درجة تدين عالي يعملون في خدمة الفقراء والمحرومين مقارنة مع نسبة 35% من أولئك الذين وصفوا أنفسهم بأنهم ملحدين أو لاأدريين أو غير مؤمنين بدين. في استنتاجه، كتب مؤلف البحث فار كورلن، ما يأتي:
(هذه النتائج جاءت مفاجئة ومحبطة. الكتب المسيحية واليهودية والاسلامية والهندوسية والبوذية جميعها تحث الأطباء على العناية بالفقراء، والغالبية العظمى من الأطباء المتدينين يصفون اختيارهم لمهنة الطب كرسالة. ومع ذلك فأننا وجدنا بأن الأطباء المتدينين ليسوا أكثر خدمة للمحرومين من زملائهم العلمانيين).
(3) الطلاق والدين:
الكثير من الجماعات التبشيرية ترى أن الطلاق علامة على الفسوق ويشجبونه من منابرهم. قد نتوقع أن الدين يقلل من نسب الطلاق، ولكننا سوف نكون مخطئين في توقعنا هذا. أوكلوهوما، الولاية الأكثر مسيحيةً وتديناً، فيها نسبة طلاق أعلى من ولاية ماسشيوستس الأقل تديناً. على امتداد الولايات المتحدة، معدلات الطلاق أعلى في الأماكن التي تكون الممارسات الدينية التبشيرية فيها أقوى من غيرها، وهذه الأماكن تتمثل بولايات حزام الكتاب المقدس [6].
دراسة أجريت في عام 1999 عن الطلاق قامت بها مجموعة بحث بارنا (Barna Research Group) وجدت بأن معدلات الطلاق بين التبشيريين والاصوليين هي أعلى منها بين المجموعات الدينية الأكثر ليبرالية، وأعلى بكثير من نسبتها بين الملحدين [7]. مجمع المعمدانيون الجنوبيون (The Southern Baptist Convention) غضب بشدة من هذه النتائج التي قادت إلى جدل كبير داخل اعضاء الطائفة وبعضهم تحدى دكتور بارنا. رد الفعل هذا دفع الدكتور بارنا، رئيس الباحثين، إلى كتابة رسالة للدفاع عن بحثه وتأكيداً على صحة بياناته. كتب الدكتور بارنا في رسالته تلك (نحن نادراً ما نجد اختلافات جوهرية بين السلوكيات الأخلاقية للمسيحيين وغير المسيحيين. نحن احببنا أن نكون قادرين على بيان أن المسيحيين يعيشون حياة متميزة جداً ومؤثرة في المجتمع، لكن … في موضوع نسب الطلاق فأنهم لا يختلفون عن البقية) [8].
بعد سنوات قليلة لاحقة، فأن مجمع المعمدانيون الجنوبيون أعترف بأن الاحصائيات قد تكون صحيحة وأخذت بتطوير برنامج لعلاج مشكلة الطلاق في الكنائس المعمدانية. بحلول عام 2000، فأن النصف تقريباً من مجمل الكنائس المعمدانية الجنوبية قاموا بتبني هذا البرنامج [9]. منذ أن طُبق البرنامج إلى الآن ليس هناك دليل على أن هذا البرنامج قاد إلى تقليل نسب الطلاق بين المعمدانيين.
أخلاق غير المؤمنين
إذا كنت غير مؤمن، فانت لا تعترف بوجود مُشرع في السماء. أنت مسؤول عن تطوير بوصلتك الأخلاقية الخاصة. في أغلب الاحيان، لا يعد ذلك عملاً صعباً. كعضو في مجتمع له عاداته واعرافه (culture)، فانت تلقائياً ملتزم وموافق على القانون الأساسي للسلوك. أنت لا تحتاج إلى واعظ لكي يخبرك بأن لا تسرق، لا تكذب، لا تغش، لا تغتصب، لا تسرق، لا تقتل، أو أن تسعى جاهداً لأجل الصدق في تعاملك اليومي مع الناس. هذه القيم تأتي من خلال كونك مواطن في مجتمع متحضر. والديك قد علماك هذه القيم، بغض النظر عن كونهم متدينين أم لا.
الفرق الوحيد بينك وبين أولئك الذين أصيبوا بالتدين هو أنك تعلم أنك مسؤول عن افعالك. ليس هناك أعذار. ليس هناك (الشيطان جعلني أفعل ذلك). المتدينون ليسوا واضحين جدا في قضية المسؤولية الأخلاقية. البعض منهم يعتقد أن الشيطان أغواهم. والبعض الآخر يعتقد أن الرب عنده خطة وأن عليهم أن يكتشفوا تلك الخطة. وما يزال بعض المتدينين يعتقدون أن الرب قدر كل ذلك مسبقاً وأنهم لا يملكون سوى القليل من الخيارات. المسلمون دائما يقولون (إن شاء الله). بعض المسيحيون يقولون ذلك ايضاً. كأنهم لا يملكون أي رأي فيما يحدث، وأن ربهم سوف يفعل ما يريد أن يفعل.
ختاماً نقول: إنه من المفيد جداً أن يكون الإنسان عارف تماماً بأهمية المسؤولية الذاتية. فالصالحون من الناس لا يضيعون وقتهم في قراءة الفنجان ليعرفوا خطة الرب. وهم لا يقلقون حول فيما أذا كان الرب ينظر من فوق اكاتفهم عندما يخطر في بال أحدهم خاطر سيء. هم يفضلون أن يحتفظوا بطاقتهم وحماستهم للقيام بأشياء اخرى أكثر أهمية.
كلمة المترجم
الغرض من ترجمة هذا الجزء من الكتاب هو التأكيد بطريقة علمية على حقيقة اجتماعية ربما كان الكثيرون من القراء يعرفونها أو يكونوا قد لاحظوها بأنفسهم. هذه الحقيقة هي أن (المتدينون أو من يطلقون على أنفسهم كلمة متدينين هم ليسوا أكثر أخلاقاً أو تمسكاً بالقيم الاخلاقية من غير المتدينين أو حتى من غير المؤمنين بأي دين رسمي). الأرقام والدراسات التي أشار لها المؤلف واعتمدها في دراسته تؤكد تلك الحقيقة بطريقة علمية، أي باعتماد الاحصائيات، وليس بالكلام الارتجالي أو باتباع القياس المنطقي فقط.
الملاحظة الاخرى التي أود الاشارة لها هي أن الكاتب بحكم بيئته وطريقة تنشأته وعيشه في الولايات المتحدة الأمريكية، قد اعتمد في الكثير من امثلته على الطوائف الدينة المسيحية، واكتفى بذكر القليل من الاشارات عن بقية الديانات. لذلك نتمنى على القاريء العزيز أن يقوم هو بنفسه بايجاد الامثلة من دينه أو طائفته ليقارنها مع الامثلة التي طرحها الكاتب. فضلاً عن ذلك، فأننا نتمنى ان توجد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مراكز بحثية تقوم بمثل هذا النوع من الدراسات حتى ننتقل من مرحلة الدراسات القائمة على المشاهدة المجردة والمنطق الاستنتاجي إلى مرحلة الدراسات الميدانية والمنطق الاحصائي الرقمي في تقييم واقعنا الحياتي.
الهوامش
[1] Bart Duriez and Bart Soenens, “Religiosity, moral attitudes and moral competence: A critical investigation of the religiosity-morality relation, Department of Psychology, Katholieke Universiteit Leuven, Belguim,” International Journal of Behavioral Development Vol. 30, No. 1, (2006): 76-83.
[2] B. Duriez, “Are religious people nice people? Taking a closer look at the religion-empathy relationship,” Mental Health, Religion and Culture 7, no.3 (2004): 249-254.
[3] Harris Interactive, While Most Americans Believe in God, Only 36% Attend a Religious Service Once a Month or More Often [article on-line] (15 October 2003, accessed 22 November 2008); available from http://www.harrisinteractive.com/harris_poll/index.asp?PID=404; Internet. This survey found that “79% of Americans believe there is a God and that 66% are absolutely certain this is true. Only 9% do not believe in God, while a further 12% are not sure.”
[4] Denise Golumbaski, Research Analyst, Federal Bureau of Prisons, The results of the Christians vs atheists in prison investigation. [article on-line] (5 March 1997, accessed 20 November 2008); available from http://www.holysmoke.org/icr-pri.htm; Internet.
[5] Farr A. Curlin, MD, Lydia S. Dugdale, MD, John D. Lantos, MD and Marshall H. Chin, MD, MPH, “Do Religious Physicians Disproportionately Care for the Underserved?,” Annals of Family Medicine, Inc. 5 (2007): 353-360.
[6] David Crary, “Bible Belt Leads U.S. in Divorces,” Associated Press 12 November 1999.
[7] See Chapter 10 of this book for the statistics from this study.
[8] George Barna is an evangelical and long-time pastor. The mission statement on his website states, in part, “We seek to use our strengths in partnership with Christian ministries and individuals to be a catalyst in moral and spiritual transformation in the United States. We accomplish these outcomes by providing vision, information, strategy, evaluations and resources.” Barna Group, What is The Barna Group, Ltd.? [article on-line] (accessed 22 November 2008); available from http://www.barna.org/FlexPage.aspx?Page=AboutBarna; Internet.
[9] The News and Observer, by Yonat Shimron, July 12, 2001.