يرى كل إنسان العالم بطريقته الخاصة ولا يتشابه اثنان في ذلك، وبسبب هذا الاختلاف، تختلف درجات الإبداع فقد يرى أحدهم علاقة ما بين شيئين في ظاهرهما غير مترابطين فيخرج بلوحة فنية، بقصيدة، بمعزوفة موسيقية أو بمعادلة رياضية، وما أن يجعلها مرئية للآخرين، حتى يدركوا ما كان أمام أعينهم طيلة الوقت ولكنهم لم يروه. ولكن بمَ يختلف المبدع عن غيره؟ وهل هناك أساسٌ عصبي لهذا الاختلاف؟ وهل هو شيء يولد الإنسان به؟

يعمل علماء النفس على قياس الإبداع باستخدام مهام التفكير المغاير (Divergent thinking tasks) والتي تتضمن توليد أكبر قدر ممكن من الاستعمالات لأشياء مألوفة. فقد يُطلب من الخاضع للتجربة أن يعطي أكبر قدر من الاستعمالات للقلم أو للورقة، وكلما ازداد العدد وتنوعت الاستعمالات، كلما دل ذلك على قدرة أكبر على الإبداع. ويبدو أن المحرك الرئيسي للإبداع هو صفة للشخصية تدعى الانفتاح على التجربة (Openness to experience) والتي تشكل واحدة من الصفات الخمس الرئيسية للشخصية. ويتنبأ الانفتاح على التجربة بأدائك في مهام التفكير المغاير، وكذلك بإنجازاتك في الحياة الواقعية. ولذلك فإن الدور الذي تلعبه هذه الصفة يعد مهمًا في عالم تزايدت فيه المشاكل وازدادت حاجته للحلول.

يتأثر إدراك العالم المحيط بهذه الصفة، كما بينت ذلك نتائج بحث نُشر في مجلة بحوث في الشخصية (Research in Personality) حيث عمد الباحثون على عرض صورتان مختلفتان لكل عين، صورة لبقعة حمراء للعين اليمنى وبقعة خضراء للعين اليسرى، وهذا ما يُعرف بالتنافس البصري، فلا يمكن للدماغ أن يدرك الصورتين معًا حيث يلاحظ الخاضع للتجربة أن إدراكه يتحول ما بين البقعة الخضراء والحمراء وفي بعض الأحيان يمزج ما بين البقعتين. الدراسة حاولت أن تجد اختلافًا في الوقت الذي تدمج فيه الصورتان، إذ من المتوقع أن يقضي الأشخاص الذين سجلوا رقمًا مرتفعًا في مقياس الانفتاح على التجربة وقتًا أطول في حالة الدمج، فتعد هذه الحالة ابداعًا، على عكس الأشخاص الأقل انفتاحًا. وجاءت النتائج مؤكدة لذلك، مما يشير إلى اختلاف في الإدراك البصري للعالم.

تُشير العديد من الدراسات إلى تأثير صفات الشخصية المختلفة على إدراك العالم ولكن الأساس العصبي لهذا الاختلاف ما زال غير معروف، إذ يعتقد البعض أن الاختلاف يكمن في مستويات النواقل العصبية في الدماغ، وآخرون يعتقدون أن هناك أختلافًا اساسيًا في تركيبة الدماغ. لا يعني ذلك أن من غير الممكن للانسان أن يغير من نظرته للعالم، إذ أظهرت بعض الدراسات أن هناك قدرة على التغيير ولكنها تحتاج للتدريب ففي إحدى الدراسات لوحظ أن التأمل يؤثر على الأداء في المهام السابقة الذكر، وأن التدريب يجعل الأشخاص أكثر انفتاحًا للتجارب الجديدة.

هناك جانبٌ مظلم لهذه الصفة، فقد أظهرت بعض الدراسات أن الأشخاص الأكثر انفتاحًا هم أكثر عرضة للهلاوس ولرؤية علاقات غير موجودة في الحقيقة. وباختلاف وجهات النظر تختلف التجارب وليس لنظرة درجة أعلى على غيرها.

المصادر

  • Antinori, A., Carter, O. L., & Smillie, L. D. (2017). Seeing it both ways: Openness to experience and binocular rivalry suppression. Journal of Research in Personality68, 15-22. doi:10.1016/j.jrp.2017.03.005.
  • Kaufman, S. B., Quilty, L. C., Grazioplene, R. G., Hirsh, J. B., Gray, J. R., Peterson, J. B., & DeYoung, C. G. (2015). Openness to Experience and Intellect Differentially Predict Creative Achievement in the Arts and Sciences. Journal of Personality84(2), 248-258. doi:10.1111/jopy.12156.
  • Carter, O., Presti, D., Callistemon, C., Ungerer, Y., Liu, G., & Pettigrew, J. (2005). Meditation alters perceptual rivalry in Tibetan Buddhist monks. Current Biology15(11), R412-R413. doi:10.1016/j.cub.2005.05.043.
  • Jackson, J. J., Hill, P. L., Payne, B. R., Roberts, B. W., & Stine-Morrow, E. A. (2012). Can an old dog learn (and want to experience) new tricks? Cognitive training increases openness to experience in older adults. Psychology and Aging27(2), 286-292. doi:10.1037/a0025918.
  • Partos, T. R., Cropper, S. J., & Rawlings, D. (2016). You Don’t See What I See: Individual Differences in the Perception of Meaning from Visual Stimuli. PLOS ONE11(3), e0150615. doi:10.1371/journal.pone.0150615.