ظهر يوم أمس ايلون ماسك مؤسس ومدير شركة نيورالينك للتكنلوجيا العصبية في اجتماع وعرض تقديمي مع مجموعة من خبراء الشركة ومتخصصيها حول آخر نموذج من الشريحة التي تزرع في الدماغ وتقدم حلولاً لمشاكل مختلفة. أسس ماسك شركة نيورالينك عام 2016 لصناعة أجهزة تعالج الأمراض الدماغية الخطيرة، وكان العرض التقديمي الذي طرح يوم أمس مرحلة فاصلة في مسيرة هذه الشركة. غير أن الجمهور تلقى الخبر بطريقة مختلفة ليضفي عليه طابع أقرب ما يكون إلى الخيال العلمي في منشورات انتشرت في الفيسبوك والمواقع العربية، حيث تم تداول الخبر حول الشريحة بأن جميع ما طرح كان محققاً، ولم يتم تداول أي من الإشكاليات التي طرحت في العرض التقديمي.
ما حدث في نيورالينك حول تلك الشريحة يُمكن أن يتلخص بالاشياء التالية: تصنيع الشريحة، زرعها في دماغ خنزير وازالتها منه بشكل آمن ودون أضرار، وإنشاء روبوت جراح يقوم بزرع الشريحة. أما ما تم بخصوص إشارات الدماغ فهو عملية قراءة محدودة فقط، وجمع للبيانات، ولم يتم تحفيز الدماغ بأي طريقة حتى الآن. من الأمثلة على ما تم جمعه من بيانات هو حركة مفاصل الخنزير التي قرأت من الدماغ وتمت مقارنتها مع حركة الخنزير الفعلية فوجد بينهما تطابق كبير.
أما حول قائمة الحالات المزمع علاجها، فلا يُمكن أن نتوقع شيئاً منها حتى الآن، حصل ماسك على موافقة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) للشروع بالأبحاث حول معالجة الشلل الرباعي، وهذه الموافقة لا تعني أن نيورالينك ستعالج الشلل الرباعي الآن، ولا يعني بالضرورة أنها ستتمكن من ذلك حتى. وقد تقف حالات مثل بعض أنواع العمى وفقدان السمع في موقف اقل تعقيداً من الحالات الأخرى مما يعني أن الأبحاث فيها قد تكون أسبق من غيرها، لكن الكثير مما يأمل ماسك وباحثو نيورالينك حله قد يكون أكبر حجماً كمشكلة مما نتصوره. وستتطلب أي حالة أخرى المزيد من الموافقات والكثير من الأبحاث.
لكن ماذا عن الأرق والاكتئاب والقلق وحالات أخرى؟ هل نمتلك الفهم الواضح لهذه المشكلات حتى نبحث عن جهاز لحلها؟ يفترض من يعتقدون أن جهازاً سحرياً سيكون الترياق لجميع المشاكل بأننا نعرف من الأساس جذور هذه الحالات وأسبابها ومواضع حدوثها في الدماغ، ويفترضون ايضاً أن المشكلة يُمكن أن تحل ببساطة مع القليل من اللعب بالعصبونات. غير أن تلك المشاكل أعقد بكثير. فهمنا للوعي ما زال في مهده.
ما تم التركيز عليه حول موضع الشريحة بحد ذاته يدعو للتساؤل والشك، فالشريحة ستكون في قشرة الدماغ وبالجزء العلوي، لكن ماذا لو أردنا تحفيز أجزاء في الدماغ تقع في باطن الدماغ أو في الأجزاء السفلية؟ هذه المشكلة ستبقى ماثلة حتى لو اعيدت نمذجة الروبوت الجراح والمعلومات المتعلقة بمواضع زرع الشريحة لتزرع في أماكن أخرى على جوانب مختلفة من الدماغ.
ذكر في النقاش أيضاً، أن هناك مشكلة أخرى تواجه البحث بأكمله، وهي كيفية التمييز بين النشاط الدماغي الطبيعي والنشاط الدماغي المحفز عبر الشريحة.
من بين الحضور في المؤتمر كان هناك جراح أعصاب واحد كما كان هناك عالم أعصاب فيما كان البقية مهندسون وتقنيون، وهذا يدعونا للتساؤل حول وجود ما يكفي من المختصين في علم الاحياء عموما وعلم الاعصاب بشكل خاص ضمن طاقم ايلون ماسك، ومعظم ما يتم طرحه يحتاج الى ذلك التخصص. ذكر ماسك أن من دواعي تقديمه للأمر هو لأنه يدعو المزيد من الكفاءات والخبرات للانضمام، فهل ما زال يشكل فريقه في مجال علم الأعصاب أيضاً؟
وأخيراً علينا أن نذكر أن الخنازير جيدة في الكثير من الأبحاث الطبية المتعلقة بالبشر، لكن إذا كنا نتكلم عن أبحاث الدماغ فلعل الخيار الأمثل سيكون باللجوء الى الشمبانزي.
في الختام، من المؤكد أن الشريحة لن تحقق شيئاً الآن، ولا لبضعة سنوات قادمة، لكنها قد تبدأ بحل بعض الأمراض والحالات الأقل تعقيداً، أما الحالات المعقدة والتي لها صلة بالوعي فليس من المستبعد أن نقول إنها قد لا تكون على نسق نجاحات ايلون ماسك المعهودة. زراعة الشريحة شيء، وحل أزمات الانسان النفسية والدماغية شيء آخر، ولعل ماسك يتحمل جزءاً من المسؤولية حول تلك الاشاعات، فاختراع وتصميم الشريحة يشبه اختراع القلم، فهل حيازتنا على القلم ستجعلنا كتاباً؟